في ثلاث مقابلات أجراها رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، مع قنوات التلفزة العبرية، عرض التهديدات التي تراها تل أبيب في أكثر من جبهة: شمالاً مع سوريا ولبنان، وشرقاً مع الأردن، وجنوباً مع قطاع غزة، وأيضاً في الشرق البعيد مع إيران. كل هذه التهديدات دفعته، كما يقول، إلى إنهاء العدوان على قطاع غزة، و«لولاها لكان بإمكاننا أن نواصل حتى 500 يوم، لا 50 يوماً فقط». وقال نتنياهو، في لقاءات السبت الماضي، إنه اتخذ قراراته بشأن غزة ربطاً بالتهديدات في الجبهات الأخرى، ومن بينها «وجود القاعدة في الجولان، وحزب الله في لبنان».
وأضاف: «نحن موجودون في وضع يبدو فيه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على أبواب الأردن، بل هو موجود أيضاً على الأراضي اللبنانية، كما أن تنظيم القاعدة بات على الحدود الآن في الجولان، إضافة إلى تهديد حزب الله، والحزب تهديد أكبر بكثير من تهديد حركة حماس، وهو مدعوم من إيران بصورة كبيرة جداً». هذا كله، «يضاف إلى التهديد الإيراني».
نتنياهو أكد في السياق أن الجيش الإسرائيلي كان قادراً على مواصلة العملية العسكرية في غزة، لكنه تساءل في المقابل: «بأيّ ثمن؟»، وأكمل: «الإجابة تتعلق بالسبب الثاني الذي دفعني إلى قبول وقف النار مع حماس، وإلى التمنع عن الدخول عميقاً في القطاع، إذ إن الثمن سيكون باهظاً جداً، كما سنبقى هناك غارقين لوقت طويل، وهذا الغرق سيفقدنا موارد ثمينة في الوقت الذي يجب أن نكون فيه جاهزين لمواجهة تهديدات في جبهات أخرى، وهي تهديدات موجودة على أبواب إسرائيل». وواصل تبريره: «قررت في ظل هذا الواقع ألا تضيع موارد إسرائيل في غزة، والاكتفاء بهدف واحد هو جلب الهدوء إلى المواطنين الإسرائيليين».

ما كان بالإمكان
منع قتل وخطف الجنود لو بقينا داخل قطاع غزة


في الوقت نفسه، لفت رئيس وزراء الاحتلال إلى أن حركة «حماس» تكبدت خلال عملية «الجرف الصامد» أشد ضربة في تاريخها، «ونتيجة لذلك وافقت على وقف النار من دون أن نلبي أياً من شروطها، وها هي أصبحت معزولة سياسياً، وقد استطاعت إسرائيل أن ترسّخ لدى الأسرة الدولية أن حماس وداعش هما تنظيمان من العائلة نفسها».
وما كان يجب أن تفعله إسرائيل، يتابع نتنياهو، هو توجيه ضربة لحماس على أن تكون كبيرة، «تسحقها ولا تسقطها، وتعزلها وتمنع عنها تهريب السلاح». وهو يعلل ذلك بأن أهداف العملية العسكرية لم تكن أبداً إسقاط حماس، «بل ضربها وردعها والحد من قدراتها على مهاجمة إسرائيل، وهذا ما فعلناه: سحق حماس إلى درجة تتذكرها لسنوات مقبلة»، لكن حتى هذا الهدف «قد يكون مطلوباً في المستقبل في حال تدهور الوضع مجدداً».
أما عن سحب القوات البرية من غزة قبل إنهاء المعركة ووقف النار، فأشار إلى أنه جرى إدخال الجنود من أجل معالجة الأنفاق، «لأنه لم يكن لدينا طريقة أخرى لفعل ذلك، وعندما أنجزنا المهمة أخرجنا القوات من هناك». وأضاف: «ما كان بالإمكان منع قتل وخطف الجنود لو بقينا داخل قطاع غزة».
مع كل ذلك، أكد نتنياهو أن «من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت المعركة ضد حماس ستتجدد أو لا، فنحن قد نضطر إلى العمل مستقبلاً في غزة وبطرق أخرى»، من دون أن يشرح ماهية هذه الطرق وتفاصيلها.
ورغم كل التشديد على «الإنجازات» التي تحدث عنها، مرسلاً بذلك رسائل إلى منتقديه في الداخل أكثر من الخارج، أقر بأنه مؤمن بأن وقف التوغل عميقاً في القطاع واحتلاله كان قراراً صحيحاً، «وإلا كنا ارتكبنا الأخطاء التي ارتكبها الأميركيون في العراق»، لافتاً إلى أنه عمل على تجنيب إسرائيل «فلوجة» جديدة في غزة.
وأسهب في الحديث عنها: «تلك البلدة العراقية التي تبلغ مساحتها عُشر مساحة غزة دخلتها القوة العظمى الأميركية أكثر من مرة، ودفعت أثماناً باهظة، والنتيجة كانت أن عاد تنظيم القاعدة إليها».

شركاؤنا في المنطقة

وتطرق نتنياهو إلى «الصورة الأوسع في المنطقة»، وذلك في رده على سؤال للقناة الثانية، فقال إنه يوجد «شرق أوسط جديد... شرق أوسط قاس جداً، وفيه ثلاث جهات من الإسلام المتطرف: السنّة المتطرفون من أمثال القاعدة وجبهة النصرة وداعش، وأيضاً جهة من المتطرفين السنّة من الإخوان المسلمين، بما يشمل حماس، إضافة إلى الشيعة المتطرفين بقيادة إيران مع حزب الله». في مقابل الجهات الثلاث «توجد مجموعة من الدول في المنطقة، تنظر إلى السابقين على أنهم تهديد جدي لها، ونتيجة لذلك تتعاطى هذه الدول مع إسرائيل كشريك في المعركة، لا كعدو».
عند هذه النقطة، انطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن عدد هذه الدول ليس قليلاً، «لذا نحن أمام أفق سياسي جديد في المنطقة». وواصل: «لدى الدول من حولنا النظرة نفسها إلى التهديدات التي نراها، لكن علينا أن ننتظر قليلاً لنرى إلى أين ستقودنا هذه النظرة وهذه الشراكة، كما علينا أن ننتظر إن كانت ستؤدي إلى أن ننظر معاً إلى الفرص الكامنة فيها».

على عباس أن يختار

ماذا عن العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟ يجيب نتنياهو أن على رئيس السلطة، محمود عباس، أن يختار بين السلام مع إسرائيل أو الشراكة مع حركة «حماس». ويقول: «في حال تخليه (عباس) عن شراكته معها (حماس)، فهذا يعني أنه على استعداد للذهاب بعيداً نحو اتفاق سلام». وطبقاً لرأيه «على رئيس السلطة أن يفعل الصواب بالتخلي عن «حماس»، هذه المنظمة التي تدعو إلى تدمير إسرائيل، بل أيضاً إلى تدميره هو، وهي فعلياً سعت إلى إسقاطه».
لدى سؤاله إن كانت خمسون يوماً من القتال أثبتت أن عباس شريك فعلي لإسرائيل، أعرب عن أمله بأكثر من ذلك، وقال: «آمل أن نتمكن من التعاون، لا على الصعيد الأمني فقط، بل أيضاً على الصعيد السياسي».
ولفت نتنياهو إلى أنه ليس لدى إسرائيل مشكلة في سيطرة السلطة على قطاع غزة، «لكن لدينا مشكلة إذا ما حاولت «حماس» السيطرة على الضفة، وفي حال التخيير بين حماس في الضفة أو أبو مازن والسلطة في غزة... أختار الخيار الثاني بلا تردد». وأخيراً، ذكر أن هناك ظروفاً جديدة «قد تمكننا معاً (محمود عباس) من التحرك قدماً وجنباً إلى جنب لتحقيق مصالحنا الأمنية، وأيضاً لإطلاق عملية دبلوماسية مبنية على أسس هذا الواقع الجديد».