يفتتح مجلس حقوق الانسان دورته الـ ٢٧ الاسبوع المقبل في جنيف، وعلى جدول اعماله اكثر من ٤٠ قضية للمتابعة بينها منع ممارسات تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري وسبل القضاء عليها. تعتبر ممارسات تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وتؤثر في النساء والفتيات تأثيراً غير متناسب. وتعود جذور هذه الممارسات إلى تفاوت وضع الجنسين وعلاقات السلطة لكل منهما، بما يؤدي إلى استمرار إخضاع الفتيات والنساء.

وعلاوة على ذلك، فهي تقترن بمجموعة من النتائج الصحية، بما في ذلك اقترانها بالحمل المبكر والمتكرر والإبقاء على الحمل قسراً، وجميعها ظروف مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بارتفاع معدلات الوفيات لدى الأمهات الشابات ولدى أطفالهن الرضع على حد سواء.
ويتزامن هذا النقاش مع اعلان فادي كرم، الامين العام للهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، ان الهيئة اعدت مشروع قانون يحدد الاطر القانونية لزواج القاصرات.
ويعود الاختصاص في موضوع الاحوال الشخصية في لبنان الى المحاكم الدينية وليس المدنية، وهي تحدد السن القانونية لزواج اتباع الطوائف. وبالنسبة للمسلمين، هذه السن محددة بـ18 سنة لدى الفتيان وبين 14 و17 سنة لدى الفتيات. اما لدى المسيحيين، فهذه السن تراوح بين 16 و18 سنة لدى الفتيان وبين 14 و18 سنة لدى الفتيات.
في المقابل تحدد الالتزامات القانونية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان في ما يتعلق بالزواج، ان ألا يقل سن كلا الزوجين عن 18 سنة، وشرط موافقتهما على القران موافقة حرة وكاملة.
لكن كرم اشار الى انه «بامكان العائلات طلب الاستحصال على اذن من المحكمة الدينية لعقد زيجات في سن ابكر». وبالتالي يمكن تخفيض سن الزواج الى تسع سنوات لدى المسلمين الذين يمثلون حوالى ثلثي الشعب اللبناني. وشدد كرم على ضرورة «التكامل بين السلطتين الدينية والمدنية من اجل توفير حماية افضل للاطفال».
وينص مشروع القانون الجديد المزمع تقديمه على وجوب استشارة قاضي الاحداث للاستحصال على اذونات لزواج القاصرات. وفي حال الرفض، لا يصبح الزواج باطلاً بل يتوجب على العائلة وعلى الجهة التي انجزت الزواج دفع غرامة مالية.

أعدت «الهيئة الوطنية» مشروع قانون يحدد الأطر القانونية لزواج القاصرات


ومن المقرر تقديم مشروع القانون الى مجلس النواب، لكن من غير المتوقع ان يُقرّ في وقت قريب في ظل حالة الجمود السياسي والتشريعي، إذ لا يزال هناك العشرات من القوانين المرتبطة بحقوق الانسان، اضافة الى اتفاقية دولية وقع عليها لبنان، بانتظار التصديق لكي تصبح نافذة ويعتد بها في المحاكم.
ولا توجد احصاءات دقيقة بشأن زيجات القاصرين في لبنان، الا ان هذه الممارسات منتشرة خصوصاً في المناطق الريفية مثل عكار والبقاع.
وتقول منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسف) ان الحرب الاهلية السورية ونزوح اكثر من ١.٣ مليون سوري الى لبنان، فاقم من ظاهرة زواج القاصرات في مخيمات وتجمعات النازحين، إذ بات تزويج الفتاة يعني تقليص عدد الاشخاص الواجب اطعامهم واحداً. كذلك فإن الاهالي يخشون تعرض بناتهم لاعتداءات بسبب الاحوال المعيشية المتردية التي يعيشون فيها داخل مخيمات النازحين. ولقد نشرت تقارير عدة في وسائل الاعلام عن تفاقم ظاهرة تزويج الفتيات مقابل المال او لقاء دفع الايجار. ويتراوح مهر الفتاة القاصر بين ثلاثة الاف الى خمسة الاف دولار أميركي.
وتقول الامم المتحدة أن المقاييس والمبادئ المعيارية المهمة التي تتعلق بممارسة تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري منصوص عليها في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وفي السوابق القضائية للجنة ذات الصلة. وتميز هذه الاتفاقية بين مصطلحات مختلفة «تزويج الأطفال» و«الزواج المبكر» و«الزواج القسري»، لانه لا يمكن استخدامها كيفما اتفق بالنظر إلى الطابع غير المحدد لمصطلح «الزواج المبكر». وتستخدم لجنة سيداو بصورة متزايدة مصطلحي «تزويج الأطفال» و»الزواج القسري»، حيث تعني بتزويج الأطفال تزويج من هم دون سن الثامنة عشرة. واعتبرت اللجنة أيضاً زواج الأطفال بصفته على أنه زواج قسري، وإن لم يكن الزواج القسري الوحيد.
وتشير التقديرات الدولية الى ان 14.2 مليون فتاة يُزوَّجن في كل عام، ومعظمهن فقيرات، ولم يحصلن على أي تعليم، ويعشن في مناطق ريفية. وقد زُوِّجت فتاة واحدة من بين تسع من هؤلاء الفتيات قبل بلوغها سن 15 سنة، بمن فيهن فتيات زُوّجن ولم تتجاوز أعمارهن 6 سنوات. وبالإضافة إلى كون ممارسة تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري انتهاكاً في حد ذاتها، فإنها تنتهك أيضاً الحق في الحياة والحرية والأمن، والحق في الحصول على المعلومات.
ورغم ان 70 في المئة من الفتيات اللائي أكرهن على الزواج تعرضن للعنف الجنسي، هناك حتى الآن أكثر من 100 بلد، وبينها لبنان، لم يعتمد نصاً صريحاً يجرم الاغتصاب في إطار الزواج.
واطلقت الأمم المتحدة حملة دولية بعنوان «لأنني بنت» تهدف الى تغيير القوانين والسياسات، والعمل مع الفتيان والفتيات لتمكينهم من إحداث التغيير. وابقاء هذه المسألة مدرجة في خطة التنمية لما بعد عام 2015.
ويتضمن تقرير صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان توصيات لمكافحة هذه الظاهرة. ومن المواضيع التي تناولها التقرير الحاجة إلى ضمان حصول الفتيات على التعليم والخدمات، بما في ذلك المعلومات والخدمات بشأن الصحة الجنسية والإنجابية.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar