يعمد الاحتلال الإسرائيلي، منذ سنوات طويلة، إلى فرض معادلة الاستيطان على الفلسطينيين في الضفة الغربية، أياً كانت مواقفهم وخطواتهم العملية. إن قاوموا الاحتلال، يعمل على توسيع نطاق الاستيطان، تحت شعار الرد على «الإرهاب». وإن لم يقاوموا الاحتلال يعتبر الطريق ممهدة أمامه لمواصلة الاستيطان وتوسيع نطاقه. مع ذلك، قد تفرض بعض الظروف على إسرائيل، تأجيل خطوة استيطانية ما، تجنباً لبعض التداعيات السياسية، في غنى عنها، أو كجزء من التكتيك السياسي.
ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى نسبة هذا التراجع إلى الانتقادات الدولية، وتحديداً من قبل الإدارة الأميركية، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل، أين كانت تلك الانتقادات «الرادعة»، عندما كان الجيش الإسرائيلي يرتكب المجازر بحق المدنيين في قطاع غزة؟
بعد يوم واحد على الكشف عن قرار الحكومة الإسرائيلية مصادرة 4 آلاف دونم في منطقتي الخليل وبيت لحم، ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن نتنياهو تراجع في اللحظات الأخيرة عن نشر مناقصات لتسويق 2500 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية خشية ردود الفعل الدولية.
وكانت كل من واشنطن ولندن وباريس قد دعت إسرائيل، إلى التراجع عن خطتها. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، إن «هذا الإعلان، مثل كل إعلان آخر تطلقه إسرائيل عن بناء مستوطنة، وكل خطة يوافقون عليها، وكل مناقصة بناء يطرحونها، يعود بأثر عكسي على هدف إسرائيل المعلن بالتوصل إلى حلّ قائم على دولتين من طريق التفاوض مع الفلسطينيين».
وأعرب وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن حزنه لقرار إسرائيل في مصادرة الأراضي القريبة من مستوطنة «غوش عتصيون»، لافتاً إلى أن هذا القرار «يعتبر تقويماً خاطئاً في الوقت الذي ينبغي فيه إعطاء الأولوية لوقف إطلاق النار في غزة»، مؤكداً أن هذا القرار سيكون له أضرار جسيمة على مكانة إسرائيل في المجتمع الدولي. أما المتحدث باسم وزارة الخارجية رومان ندال، فقد قال إن باريس «تدين» و«تدعو السلطات الإسرائيلية إلى العدول عن قرارها».
وأدانت الخارجية المصرية، كذلك في بيان، القرار الإسرائيلي، معتبرة إياه «خطوة غير إيجابية تتناقض مع القانون الدولي وسيكون لها تبعاتها السلبية على مسار عملية السلام».
وبحسب موقع «واللا» العبري، ألغى نتنياهو تعليماته التي سبق أن أصدرها بتسويق الوحدات السكنية، بعد أسر المستوطنين ومقتلهم قرب الخليل، في اللحظات الأخيرة وقبل نشرها في بيان رسمي.
وبالرغم من دعوة قيادة المستوطنين إلى إيقاف ما سمّته «التجميد الهادئ للبناء الاستيطاني»، برر مسؤولون في مكتب نتنياهو ذلك بـ«الأجواء الدولية المعقدة التي تواجهها إسرائيل، غداة الحرب على غزة». وعلى ذلك، كان تقدير أحد المسؤولين في مكتب نتنياهو، أن «أي إعلان عن بناء جديد في المستوطنات، قد يثير أزمة مع المجتمع الدولي». مضيفاً أن إعلان إسرائيل عن مصادرة 4 آلاف دونم وضمها إلى منطقة غوش عتسيون، سببت انتقادات دولية شديدة، بما في ذلك من الإدارة الأميركية.
وقال مسؤول سياسي رفيع المستوى، إن «غالبية الجمهور في إسرائيل لا تدرك كيف بدت حرب غزة بعيون العالم، أو ماذا تعني تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة الذي اتهمنا بارتكاب جرائم حرب. على إسرائيل أن تتصرف بحذر وألا تبادر لأزمات جديدة تنضم إلى الأزمات التي أنتجتها الحرب والتي لم يكن بالإمكان تجنبها».
في السياق نفسه، أعربت وزيرة القضاء تسيبي ليفني، عن معارضتها قرار مصادرة 4 آلاف دونم، في منطقتي الخليل وبيت لحم من أجل ضمّها إلى التكتل الاستيطاني في «غوش عتسيون». ورأت أنها مضرة بإسرائيل وبالمشروع الاستيطاني، رغم أنها أكدت وكررت موقفها أن هذا التكتل الاستيطاني هو جزء من إسرائيل. وأكدت ليفني، في مقابلة لها مع الإذاعة الإسرائيلية، أن توقيت التسويق سيدفع إلى التركيز على «غوش عتسيون» وتتحول من محل إجماع إلى محل خلاف.
ولفتت ليفني الانتباه إلى أن الأمر الأول الذي حصل بعد الإعلان عن المناقصات، كان إدانة الولايات المتحدة. والنتيجة كانت أن هذا المكان الذي لم يكن موضع خلاف، وحوّلناه إلى محل خلاف. ورأت أن من يسعى إلى تعزيز «غوش عتسيون»، عليه أن يعمل بطريقة معاكسة.
من جهة أخرى، كان وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينيت، قد أكد أنه «عندما تقتل إسرائيل الفلسطينيين، تجلب إسرائيل الحياة وعندما يهدمون نحن نبني». وأضاف أن قرار حكومته مواصلة البناء في مستوطنة «غوش عتصيون» هو الرد الإسرائيلي على «الإرهاب العربي». وتعقيباً على استنكار بعض الجهات الدولية ومنظمات حقوقية لقرار الحكومة الاستيطاني، قال إن «العالم لم يحب قط حقيقة قيام إسرائيل بأعمال بناء في المستوطنات».