50 امرأة. 50 اغتصابا. 25 حقيبة نسائية. 20 شكوى. مضطرب نفسي.بعد أربع سنوات، صار بالإمكان تركيب البازل. قطعة قطعة تكتمل معها قصة «التاكسي» على الطريق الفاصل ما بين الشوف والدامور وحرش عرمون الضيعة... هنا، حيث ينتهي جزء من القصة ليبدأ آخر.

قبل نحو شهرين، عممت مفرزة بعبدا القضائية صورة لشاب ثلاثيني مع «دعوة المتعرّفين إليه إلى التوجه إلى المفرزة للتوسع بالتحقيق». اسمه هادي حرب.
«النشرة»، تلك القصاصة، تربط اسم هادي بجملة أحكام، كان آخرها حكم بالسجن خمس سنوات بتهم السلب والسرقة لم ينفذ بعد. هو صاحب أسبقيات إذاً بتهمتي السرقة والسلب اللتين أمضى بسببهما فترات في سجن رومية المركزي. هذا ما تشير اليه النشرة. أما في التحقيقات التي ساقته قبل أقل من شهر إلى روميه مجدداً، فتضاف إلى تهمتي السرقة والسلب، تهمة اغتصاب خمسين امرأة «ما بين الممارسة الجنسية الكاملة والتحرش الجنسي»، بحسب اعترافات الشاب. تلك الاعترافات التي تأتي عن 4 سنوات، احترف فيها السارق الاغتصاب أيضاً. وهذه جريمة إضافية، تضاف إلى الجرم السابق الذي صار يستوجب عقوبة أكبر بفعل التكرار.

«الترباية على الخوف»
هو الجواب تقول المعالجة النفسية لحود


معظم اللواتي
اشتكين بعد اعتقال المغتصب يتخطين الخمسين عاماً


اغتصب 50 امرأة عن سابق تصور وتصميم. هذا كافٍ لمحاكمته كمجرم. من الناحيتين القانونية والنفسية أيضاً، وإن كان ثمة من يخفف من هذا التوصيف، بالقول إن الرجل يعاني «اضطرابا نفسيا»، يردونه إلى الفترة التي تلت طلاقه من زوجته. اضطراب دفعه «إلى التنفيس بتلك الطريقة»، لكن، هذا لا ينفع. فبحسب أحد الذين تابعوا التحقيقات معه، ثمة جرم فظيع، «فالرجل اغتصب خمسين، وإن كان لم يمارس الجنس ممارسة كاملة إلا مع عدد قليل من النساء، ولكنه مجرم، أضف إلى ذلك أن كل اللواتي اشتكين، وعددهن 24 سيدة، يتخطين الخمسين عاماً».
يتطرق الرجل إلى قصص كانت «تجري بقوة السلاح، إذ كان يجبرهن على الامتثال لأوامره، مثلاً كأن يطلب من إحداهن أن تنزع سروالها». وهذا جرم فظيع. أما الأفظع بالنسبة إلى المتابع، «فالفئة العمرية التي اشتكت»، لافتاً إلى قصة عجوز تبلغ من العمر ثمانين عاماً «رمت بنفسها من سيارته». هذه العجوز التي لم تفلح سنوات عمرها والتوسل إليه بعبارة «يا ابني عيب شو بدك مني» في ردعه. ثمة سؤال طرحه الكثيرون عن الهوس بكبيرات السن؟ لم يسأل هؤلاء السؤال المعاكس الذي طرحه المتابع للقضية نفسه: لمَ لم تشتكِ الأخريات؟ الصغيرات؟ لمَ لا يُسأل هذا السؤال؟
المطلوب الإجابة عن سؤال كهذا: لمَ لم يشتكين؟ المطلوب هنا التفكير في خمسين امرأة اغتصبن ولم تجرؤ إلا 24 واحدة منهن على التقدم بشكوى. المطلوب هنا التفكير في 26 أخرى لم يجرؤن. المطلوب التفكير في خمس وعشرين حقيبة نسائية ضُبطت في منزل الرجل، ولم تجرؤ إلا 3 نساء على الحضور. المطلوب هنا التفكير في مسألة الجرأة. الجرأة على الاعتراف: أنا اغتصبت.
الجواب الأول «المكان»، يقول المطلع على التحقيقات، مشيراً إلى «أنه إذا نظرنا إلى القضية انطلاقاً من المنطقة التي جرت فيها هذه الممارسات، فقد نفهم لمَ لم يشتكين، فمسار السيارة كان في محيط منطقة الشوف والجبل، وهناك البيئة محافظة، والأكيد أن هناك نساء كثيرات لم يدعين برغم الأذى لهذا السبب، وإلا فما الذي يفسّر بقاء 22 حقيبة من أصل 25 حقيبة جرى ضبطها؟».
«الترباية على الخوف» هو الجواب. تقول المعالجة النفسية نادين لحود. وهذا راسخ، فالمرأة تتربى على «الخوف، وخصوصاً في ما يتعلق بالحديث عن المحرمات، فالحديث عن الاغتصاب عيب وعن التحرش وعن الملاطفة». كل شيء عيب. لماذا؟ «لأن المرأة تربت هنا على ان جسدها «تابو»، على أساس إنو ما حدا لازم يدق فيكي إلا زوجك»، تتابع. وعلى المنوال نفسه، «مش لازم يبوس تمك إلا إمك».
خمسون مغتصَبة. خمسون رقماً. ولكل رقم من الأرقام حكاية مختلفة تبدأ من «التربية، مروراً بالمحيط والمجتمع، وصولا إلى حادثة الاغتصاب والتفاعل معها»، تقول. 50 قصة لا تتشابه إلا بالخوف. الخوف من «ردّ فعل عنيف، فغالباً ما نحتفظ بآخر صورة من الحدث، فلما بدهن يفكروا الناس بطريقة ساذجة يضعون اللوم على المرأة، ويبدأون برشق التحليلات، يمكن طالعة بوقت مأخر، أو لابسة ثياب غير محتشمة، أو ابتسمت له»، تقول لحود. يبرّئون الفاعل. لا يسألون مثلاً عن فظاعة ما فعله؟ لا يسألون عن الرقم؟ خمسون؟ ألا يفاجئ هذا الرقم عندما يحققه الشخص نفسه؟
لهذه الأسباب ستخاف المرأة، لكن، ليس الخوف وحده، ثمة ما له علاقة بـ«ثقافة الجنس، فلا وجود لثقافة جنسية بالحد الأدنى». وهذا دافع إضافي كي يقوم حرب بفعلته، من باب «استسهال التعرض للنساء، لأنهن لن يجرؤن على البوح ولو لعائلاتهن». انتفاء الثقافة والخوف يضعان المرأة أمام الخيار الذي لا بديل عنه: التكتم «لأنها تخاف الفضيحة. لأن ما حصل لها عيب ويمس شرف العائلة، فإن كانت متزوجة كارثة، وإن كانت عزباء، فتلك كارثة الكوارث»، تقول إحدى الناشطات. وفي الحالتين، هي مذنبة، وإن كانت قد اغتصبت بقوة السلاح.
لا براءة. «حتى في حالة الحرب، المرأة مذنبة في عرف المجتمع»، تتابع. لهذا مثلاً، ستتلف 22 حقيبة نسائية، لأنه ببساطة لا أحد سيأتي لتسلّمها. وهنا، ثمة مجال مفتوح للتساؤل. ماذا عن فكرة اللجوء إلى الدولة لتحصيل الحقوق؟ في خلال إحدى الجلسات المغلقة ما بين القوى الأمنية وجمعية كفى في إطار تدريب العناصر على كيفية التعامل مع امرأة معنفة مثلاً، كانت الأمثلة فاضحة عن محققين رفضوا تسجيل شكوى لامرأة بحق زوجها «لأنه لا يتدخل في أمور عائلية. أو محقق «يطبش» خط الهاتف في وجه امرأة معنفة لأنه مش فاضي للعلك، أو لأنه خاف إن تعززت هذه الثقافة أن يأتي يوم وتتقدم زوجته فيه بشكوى ضده». وهذا يمكن الاطلاع عليه لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، عن أولى جلسات الحوار بين الطرفين. قد يكون هذا مبرراً، فهؤلاء في النهاية أفراد من هذا المجتمع، ولكن ما ليس مبرراً أن «يتغاضى رجل الدولة عن تنفيذ القوانين لترجيح عاداته وتقاليده الرثّة»، تتابع إحدى الناشطات. فهل نص القانون على أنه لا يمكن «الدخول بين الزلمة ومرتو» مثلاً؟
هذه الثقة المفقودة، نوعاً ما، ما بين المواطن والدولة هي التي تدفع المرأة إلى التكتم على جرم فظيع كالاغتصاب. هي أيضاً التي جعلت هادي حرب يغتصب خمسين امرأة من دون أن يرتفع صراخ.