لم يعد احد يعرف من اين تتأتى موانع انتخاب رئيس جديد للجمهورية والخروج من مأزق الشغور، بعدما تشعبت ازمات المنطقة القريبة من لبنان والبعيدة عنه؟ وقد بات بعضها لصيق البعض الآخر. قيل بضرورة انتظار سقوط النظام السوري.
ثم قيل بانتظار الحوار الغربي ــــ الايراني، ثم السعودي ــــ الايراني. قيل بانتظار استكشاف مآل مد الارهاب التكفيري في الريف السوري. قيل ايضا بترقب مصير العراق عندما عين نوري المالكي رئيساً للحكومة وعارضه سنّة الداخل وسنّة الجوار، ثم المطالبة بتنحيه، ثم تعيين حيدر العبادي خلفا له، ثم انتظار تأليف الحكومة الجديدة. الآن يقال بانتظار مرحلة بدء الاصلاح الدستوري والمشاركة الوطنية في العراق، مع اقتراب الحملة العسكرية الغربية على دولة الخلافة الاسلامية في ذلك البلد وفي سوريا.
هكذا، لا احد يعرف متى يحين اوان الرئاسة اللبنانية من دون ان يُحَل اي من معضلات المنطقة تلك، المرشحة للاستمرار اشهرا طويلة اخرى، وخصوصا بعد ان تنضم اليها المواجهة المحسوبة بين الغرب وتنظيم «داعش». ومن ثم تداعياتها على العراق وسوريا والعلاقات الايرانية ــــ السعودية.
كانت لديبلوماسيين غربيين وجهة نظر حينما سألهم محدثوهم، الوثيقو الصلة بالديبلوماسية اللبنانية، عن الظروف الملائمة لاخراج لبنان من ازمته الدستورية التي افلتت من ايدي الاطراف المحليين في شق رئيسي منها.

لا احد يعرف
متى يحين اوان الرئاسة من دون ان يُحَل اي من معضلات المنطقة المرشحة للاستمرار


عقّب الديبلوماسيون الغربيون بان التطورات الاخيرة في العراق، وخصوصا بعد نيل حكومة العبادي ثقة البرلمان، اتاحت الاعتقاد بتحسن ملموس في العلاقات الايرانية ـ السعودية نظرا الى التأثير المباشر لعاصمتي الدولتين على الافرقاء اللبنانيين في كل من قوى 8 و14 آذار، وتحديداً على حزب الله وتيار المستقبل، ومن ثم ارسال اشارات ايجابية الى احتمال ايصاد ابواب ازمة الرئاسة. بيد انهم سارعوا الى التأكيد ان التحسن الملموس ليس كافيا بالمقدار المطلوب للاهتمام بالوضع اللبناني على النحو المتوخى. اورد الديبلوماسيون الغربيون امام محدثيهم ثلاث ملاحظات:
اولاها، ان التفاهم على استعادة العراق استقراره السياسي يحتاج الى مزيد من الوقت بغية التيقن من صلابته، رغم انه يمضي في خطوات مطمئنة. منح هذا الاستقرار كلا من طهران والرياض مكاسب متبادلة: تراجعت الاولى ــــ وهو ما لم تكن تريده لنفسها ــــ عن التمسك بالمالكي من غير ان تهزم تماما بسبب تسميتها خلفه، واستعادت الثانية دوراً مفقوداً مع منح السنّة العراقيين مزيداً من مواقع المشاركة الرئيسية في الحكم والحكومة ثم لاحقا في الاصلاح الدستوري.
ثانيها، لا شعور لدى الاطراف الاقليميين والدوليين بعامل الالحاح والضرورة يجعلهم يكبّون على معالجة المشكلة اللبنانية في منطقة يضربها الارهاب والفوضى في كل اتجاه ومكان تقريبا. بل يكاد يكون لبنان من الدول القليلة المحيطة به، ينعم باستقرار اكثر مما يتوقعه المعنيون بأزمات المنطقة. ولهم في هذا البلد «اصابع لا ترتجف».
ثالثها، من المحتم توجيه الاهتمام والمعالجة الى ازمات اقليمية اكثر اقلاقا، وتمثل تقاطعا حادا في النزاع الايراني ـ السعودي المفتوح. وشأن هذا النزاع، تشكّل هذه الازمات تقاطع مصالح دول غربية عدة. تتصدّر ازمة البحرين وتصاعد التوتر مجددا في اليمن اخيرا اهتمام اللاعبين الرئيسيين السعودي والايراني عند حدود الدولتين، على غرار العراق الذي يقع عند حدودهما ايضا.
بيد ان الديبلوماسيين الغربيين لا يترددون، في المقابل، في طرح سؤال لا يملكون جوابا واضحا ومحددا عنه، هو: هل ان تفاهم طهران والرياض على لبنان يقتضي ان يسبق تفاهمهما على سوريا ام يليه؟ ثم متى؟
متفادين اجابة غامضة او غير مفهومة بالضرورة نظرا الى وطأة الملفات الاقليمية واستعصاء التوصل الى حلول وشيكة لها، يتحدث الديبلوماسيون الغربيون عن مقاربتهم الى الوضع اللبناني بكثير من الارتياح، في الظاهر على الاقل. يعددون اسبابا يعدّونها وجيهة للقول بأن لبنان ــــ وان بلا رئيس ــــ لا يوشك على الانفجار، ومن غير المتوقع انفجاره سياسيا او امنيا.
من بين حججهم تلك اثنتان:
1 ـ الشعور باستمرار التفاهم السنّي ـ الشيعي في حكومة الرئيس تمام سلام، ورغبة تيار المستقبل وحزب الله في مواصلة تعاونهما من داخلها، وجبه الاخطار الامنية من غير تخلي اي منهما عن خلافاته المزمنة مع الآخر. الى الطريقة التي يدير بها سلام حكومته وقد اضحى عامل اطمئنان، يتجنب الفريقان الآخران تعريض البلاد لانهيار امني ويحذران التعويم المفرط لانقسام موقفيهما من التيارات الارهابية واخصها تنظيم داعش وجبهة النصرة وتداعيات حرب عرسال، رغم التناقض الحاد في تفسير كل منهما اسباب وصول الارهاب التكفيري الى داخل الاراضي اللبنانية.
2 ـ ان العقبات الداخلية في الاستحقاق الرئاسي لا تقل اهمية عن المعضلة الاقليمية التي تنتظر الاتفاق الايراني ــــ السعودي اولا. لا ايران مستعدة لممارسة ضغوط على الرئيس ميشال عون لحمله على التخلي عن ترشحه والذهاب الى جلسة انتخاب الرئيس، ولا السعودية بدورها ــــ كعرّاب لقوى 14 آذار ــــ متحضّرة للطلب من تيار المستقبل سحب ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
ورغم انهم لا يقللون من مغزى ترشح جعجع وتيقنهم من ان القرار في نهاية المطاف هو للرئيس سعد الحريري، يبدو عون بالنسبة الى الديبلوماسيين الغربيين «قضية داخلية صعبة». لا احد يتوقع ان يسمع من سفير غربي يصف عون بـ«عقبة» او «مشكلة»، ويتخذ منه موقفا سلبيا مسبقا او تشجيعا على تصلبه، الا ان بين الديبلوماسيين اياهم مَن يعتقد بأن الخيارات المفتوحة لـ«معالجة هذه القضية» لا تقل احداها صعوبة عن الاخرى: اما يُنتخب عون رئيسا فلا يعود اذ ذاك مشكلة، او يسمّي هو الرئيس، او يُعطى حق الفيتو، او يصطدم بتفاهم اقليمي كبير يتخطى الجميع بمَن فيهم هو يرغمهم ــــ في كل اتجاه والى اي فريق انتموا ــــ على التسليم بقضاء هذا التفاهم. اذ ذاك يخرج الجنرال من سباق الرئاسة بالطريقة نفسها التي خرج بها المالكي من الحكومة العراقية.