أثار رفض تركيا المشاركة العسكرية في التحالف الدولي لضرب «الدولة الاسلامية» (داعش)، تساؤلات غربية عن موقفها ودورها. وقادت الصحف الغربية حملات ضد أنقرة، مشيرةً إلى أنها «لم تعد حليفاً في حلف شمال الأطلسي». وركزت بعض مراكز الأبحاث على أن تركيا اتبعت أهدافاً «غير ملموسة»، لا بل إن اعتمادها «أيديولوجيا مسلمة سنية أدّى إلى إبعادها عن حقيقة ما يجري في المنطقة وأضعف موقعها وجعلها تخطئ في حساباتها».
وترى هذه المراكز أن حلم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو بدولة إسلامية يمكن حكمها وتطويرها والوصول بها إلى مستقبل أفضل، قد فشل، متناسيةً أن الغرب عموماً، شجع تركيا على المضي قدماً، في بداية «الربيع العربي»، في تعميم نموذجها وقيادة العالم الإسلامي، ولا سيما أن أحمد داوود أوغلو، منظّر المشروع، كان يحظى بإعجاب الأميركيين.

ولكن بعد فشل هذا المشروع في تونس ومصر وسوريا، أصبح تأثير تركيا على المنطقة ضئيلاً، وخصوصاً بعد ابتعاد دول الخليج عنها بسبب دعمها لـ«الإخوان المسلمين». واليوم، تدفع المنطقة ثمن الاستراتيجية الذي تورطت فيها تركيا، من خلال صراع إسلامي ـ إسلامي بين «الإخوان»، أصحاب مبدأ الخلافة الإسلامية، والسلفية الوهابية.

ويمكن القول إن إصرار تركيا على المشاركة الاستخبارية والإنسانية في «التحالف» الجديد، من دون المشاركة العسكرية، أدى إلى خروج النقد والاحتقان المضمر الذي يعتري العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2013، إلى العلن. وذلك بعد رفض الرئيس باراك أوباما إعلان الحظر الجوي في سوريا، وتراجعه عن توجيه ضربة عسكرية لها، في وقت أعلن فيه أردوغان استعداد بلاده للمشاركة في ضربها. تحمّل تركيا باراك أوباما مسؤولية الفشل في سوريا. وترى أنه باع «الإخوان المسلمين» واسترضى السعودية في مصر، في عودة إلى توازنات ما قبل الربيع العربي.

رفضُ تركيا توقيع بيان «التحالف» في جدة، في وقت وقعته فيه قطر، أثار انتقادات عدة، ولا سيما من قبل المعارضة التركية. هي ترى أن الحكومة التي لم تحاول إنقاذ الرهائن الـ49 في الموصل، «متواطئة»، متهمةً إياها بأنها شريكة، «تختبئ خلف الرهائن من أجل عدم المشاركة في قتال «الدولة الإسلامية». كما ذهب البعض إلى اعتبار أن أنقرة شاركت في تشجيع «داعش» على احتلال الموصل من خلال العلاقة مع نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي ومع محافظ نينوى أثيل النجيفي.

من جهتها، تنفي الحكومة التركية هذه الاتهامات بشدّة، في وقتٍ كثرت فيه الاتهامات باستفادتها من وجود «داعش» التي تسهل للمافيات التركية الحصول على النفط بأسعار متدنية عبر السوق السوداء.

في السياق نفسه، يعمل أردوغان وحزبه «عكس التيار» بالنسبة إلى الغرب، من خلال المواقف التي اتخذتها الحكومة في حرب غزة ودعمها «حماس»، إلى حدّ أنها وجّهت اتهامات لإسرائيل بقتل المسلمين، ما يطرح أسئلة عن إيديولوجيا أردوغان والتساؤل عما إذا ما كان يريد حلولاً في الشرق الأوسط أم تصعيد الخلافات وتعميقها، بعدما وقفت الدول العربية موقفاً مناهضاً لـ «حماس».
في هذا الوقت، يبدو أن الغرب يخرج ما في جعبته من انتقادات لأنقرة، بـ «عدم التماسك»، بعدما تطورت الأمور لغير مصلحتها. واتهمها بالتنسيق مع «داعش»، في حماية قبر سليمان شاه جدّ عثمان الأول مؤسس السلطنة العثمانية، الواقع بمحاذاة حلب.
كذلك، أثار الغرب قضية أخرى تواجهها تركيا وهي مشكلة اللاجئين السوريين الذين شجّعتهم على العبور إلى تركيا والعمل في مناطقها الصناعية، ما أدى إلى «نقمة» الأتراك بسبب فقدانهم وظائف شغلها اللاجئون، ما أدى إلى تظاهرات ومشاكل اجتماعية والتسبب بموجة كراهية ضد العرب في البلاد، تعتقد أنقرة أنها خطة دبرتها المعارضة.

في المقابل، انتقدت مصادر مقربة من «العدالة والتنمية» لـ «الأخبار» التحالف الأميركي، ورأت أنه يجمع الدول المتناقضة تحت سقف واحد، وأن هذا التحالف لم يقم بحسابات حول المشاكل التي يمكن أن تعترض عمله، والكوارث التي سيخلفها، إضافةً إلى التساؤل عن التشابه بين العملية المرتقبة مع حربي 1991 و2003، ما يزيد الأمور تعقيداً في سوريا والعراق، بدلاً من حلّها.
وشدّدت المصادر على أن هذا التجمع هو من أجل الصراع على الطاقة وليس حرباً على الإرهاب، ولا سيما أن التجارب الماضية أظهرت كيف نما الإرهاب وتطورت أساليبه، من تعذيب وجرائم ضد الإنسانية جرى تغذيتها باسم «الحرب على الإرهاب».
فقسوة الحرب العراقية عام 2003، لم تتجلَّ فقط من خلال قتل الآلاف من البشر الأبرياء، إنما أيضاً في تطبيع أساليب خلّفت إرهاباً وفوضى خلقتها الولايات المتحدة وأسست لولادة إرهاب «الدولة الاسلامية»، وستخلق غيرها.
تعتقد هذه المصادر أنه منذ حرب «عاصفة الصحراء» 1991، حتى اليوم تمزّقت الأمة الاسلامية، وساد الخراب والفوضى في الدول، وبناءً عليه لن تجد المنطقة الممتدة من الحدود الإيرانية إلى البحر المتوسط السلام لوقت طويل.

المسألة بالنسبة إلى تركيا ليست حرباً ضد «داعش»، بقدر ما هي حرب على الطاقة، وخصوصاً في ظلّ احتلال «داعش» مواقع النفط، ما يثير أسئلة عن مصدر قوة هذه المنظمة، وهو سؤال موجه إلى الشركات الكبرى كما إلى الدول الكبرى.