لا تبدو في الأفق بوادر نهاية قريبة للمعارك الدائرة في جرود عرسال والقلمون، التي تتفاقم تداعياتها السلبية يوماً بعد آخر. الخيار العسكري من الجانب اللبناني مستبعد جداً حتى الساعة، فيما تتواصل العملية العسكرية ضد المسلحين من الجانب السوري، وهو ما سيؤثر في سير المعركة لمصلحة البلدين.
ومع بدء العد العكسي لحلول الشتاء القارس في هذه المنطقة، بادر مسلحو «جبهة النصرة»، في اليومين الماضيين، إلى اتباع تكتيك جديد ضد حزب الله والجيش اللبناني، وهو تكتيك العبوات الناسفة التي استهدفت إحداها ليل أول من أمس نقطة حراسة تابعة للحزب على طريق ترابية في بلدة الخريبة قرب بعلبك، وسبقتها عبوة عرسال في آلية للجيش وأدت الى استشهاد جنديين. بحسب مصدر أمني لبناني تحدث إلى «الأخبار»، فإن التكتيك الجديد «هدفه التخفيف من الضغط والحصار المطبق عليهم في جرود القلمون وعرسال عبر شنّ هجمات في جرود القلمون لاستنزاف الجيش السوري وحزب الله من جهة، وبدء هجمات ضد الجيش اللبناني ومواقع تابعة للمقاومة في المنطقة الحدودية مع لبنان».
وفي السياق، سرّب قبل يومين شريط يظهر طائرة من دون طيار تقصف إحدى نقاط المسلحين في جرود عرسال. وفيما تحفّظت مصادر معنية في حزب الله عن الحديث في هذا الموضوع، لفت المصدر الأمني اللبناني إلى أن «هذا تطوّر نوعي، وستكون لهذا الأسلوب تداعيات مهمة في مجريات المعركة في الجرود». واللافت في هذا السياق ان العدو الاسرائيلي الذي يتابع خطوات حزب الله في لبنان وسوريا، انشغل أمس عبر القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي ببث مشاهد طائرة الاستطلاع التي تطلق صاروخاً موجهاً في الجرود. وضجّت مواقع الكترونية عبرية بخبر الفيديو المسرّب، لافتة إلى أن الجيش الإسرائيلي يعرف ان إيران تملك نوعين من طائرات من دون طيار تطلق صواريخ دقيقة، وكان لديه تقدير ومعطيات بأن حزب الله بات يملك هذه الطائرات، «لكنها المرة الاولى التي يكشف فيها الحزب عن استخدامها».
ولم يعد خافياً أن الجماعات المسلّحة في حاجة ماسّة إلى مأوى وقاعدة لوجستية، وخصوصاً بعد خروجها من عرسال. ويشير المصدر إلى أن «المسلحين المحاصرين تلقوا ضربة قاضية من خلال خروجهم من عرسال، وفقدانهم أهم قاعدة لوجستية لهم. ففيما كان يتمّ إدخال يومياً شاحنات محمّلة بالمساعدات الغذائية وغيرها، اليوم كل هذه المساعدات توقّفت». ويضيف: «عودة النصرة إلى عرسال كما في السابق أمر مستحيل، خصوصاً مع الانتشار الأخير للجيش الذي أغلق عليهم الطريق في وقت يتمّ فيه استهدافهم في جرود عرسال من قبل الجيش اللبناني وحزب الله».
هاجم المسلحون
أخيراً جديدة
يابوس لقطع طريق بيروت ــ دمشق

وتشكّل فليطا وعسال الورد، في القلمون، المنفذ الأساسي إلى عرسال، ولهما أهمية كبيرة بالنسبة إلى المسلحين الذين «يريدون اتّخاذهما مأوى لهم في الشتاء. لكن ذلك مستحيل» يقول المصدر. وهذا يفسّر الهجمات المتكّررة التي ينفّذها هؤلاء في جرود البلدتين اللتين «لا يزال قسم من أبنائهما مختفياً مع الجماعات المسلحة». إضافة إلى ذلك، فإن منطقة الزبداني، المنفذ الوحيد من القلمون إلى الداخل السوري، مطوّقة الآن من قبل الجيش السوري، فيما يتوزّع المسلحون على أطراف البلدة ويسيطرون على حي واحد فيها. وفي هذا السياق، كشف المصدر الأمني لـ«الأخبار»، أن المسلحين «شنّوا الأسبوع الماضي هجوماً على إحدى النقاط في جديدة يابوس الحدودية مع لبنان، في محاولة لقطع طريق بيروت – دمشق». ولفت مصدر ميداني سوري إلى انه «عرض على المسلحين الخروج وتأمين ممر آمن لهم في اتجاه البادية شمالاً، لكنهم أرادوا الخروج بعتادهم وأسلحتهم وقد قوبل بالرفض، خصوصاً ان هناك امكانية لإحداث ثغرة من قبلهم في أماكن اخرى».
في موازاة ذلك، تدور معارك عنيفة على إحدى أهم التلال في السلسلة الشرقية، وهي تلةّ موسى الاستراتيجية التي ترتفع 2600 متر عن سطح البحر، والمشرفة على كل جرود عرسال مع مناطق أخرى، غالبيتها في جرود القلمون الشمالي والغربي. قائد ميداني يشرح لـ«الأخبار»، ان «من يكسب تلة موسى اليوم هو من سيكسب معركة جرود القلمون وجرود عرسال». عمليات كرّ وفرّ تدور على هذه التلة، و«السيطرة عليها ستسمح لنا بالسيطرة النارية على كل الجرود وحتى جرود عرسال». يقرّ القائد الميداني بأن «التلّة ستنتصر على الطرفين معاً في الشتاء، لأن لا أحد يستطيع الصمود هنا إن لم يحصل الحسم قبل ذلك».
هناك خياران إذاً. الأول، وهو «مستبعد جداً»، بحسب مصدر أمني لبناني، ويتمثّل في شنّ «حملة عسكرية واسعة من الجانبين السوري واللبناني من خلال التنسيق بين البلدين وتدخّل حزب الله، لكن التنسيق مستحيل، اضافة الى ان قرار الجيش مقيّد برئاسة الحكومة».
أما الخيار الثاني، وهو المرجّح، بحسب المصدر نفسه، فهو أن يبقى «الوضع العسكري على حاله بين مدّ وجزر ومحاولة السيطرة على المرتفعات. اليوم كل اساليب المسلحين احترقت. لا إمكانية لإدخال سيارات مفخخة الى قلب لبنان، ولا حتى شنّ هجوم على القرى اللبنانية». ويضيف أن «التغيير الوحيد قد يتمثل في حدث معيّن، يجبر المسلحين على الرضوخ والانسحاب، من قبيل التأثير القطري على جبهة النصرة. ولكن حتى الآن، لم تلعب قطر اي دور ايجابي في هذا الشأن، ولا حتى في ملف العسكريين المخطوفين لدى الارهابيين».