عام 2006 قدّم لبنان تقريره الرسمي الثالث عن القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). آنذاك، أعطته اللجنة الدولية المعنية بمناقشة التقرير مهلة 8 سنوات لتقديم تقرير جامع للتقريرين الدوريين (الرابع والخامس)، لعلّ الدولة اللبنانية تنجح في تحقيق تقدّم ملموس في المجالات المختارة.
التقرير الذي أعلنته أمس الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أظهر أن التمييز لا يزال موجوداً بنحو كبير، على الرغم من بعض الخطوات الإيجابية التي ظهرت خلال السنوات الماضية. المعادلة سهلة: ما دام لبنان مستمراً في تحفظه عن الفقرة 2 من المادة 9 المتعلقة بمنح المرأة حقاً مساوياً للرجل في إعطاء الجنسية لأولادها، والفقرات (ج)، (د)، (و)، (ز) من المادة 16 المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية، فإن أي كلام في القضاء على التمييز ضد المرأة يُعَدّ غير كافٍ ويقطع الطريق أمام تحقيق العدالة الاجتماعية. الجديد هذا العام كان مطالبة اللجنة بتضمين التقرير انعكاسات قوانين الأحوال الشخصية على مجالات أخرى من الحقوق، إضافة إلى تضمينه أوضاع فئات معينة من النساء مثل المرأة النازحة، اللاجئة، السجينة، المهاجرة في الخدمة المنزلية، المسنة...
منذ عام 2006 قُدِّمت 5 مشاريع قوانين متعلقة بالجنسية لم يبصر أيٌّ منها النور. حاولت محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان أن تجتهد عبر إصدار حكم يتيح لامرأة لبنانية توفي زوجها الأجنبي من إعطاء الجنسية لأولادها القاصرين، إلا أن الدولة اللبنانية استأنفت الحكم وفسخته محكمة استئناف جبل لبنان. القضية لا تزال حتى اليوم أمام محكمة التمييز.
أما في ما يتعلق بالمادة ،16 فقد أوصت اللجنة الدولية باعتماد قانون موحَّد للأحوال الشخصية «على وجه الاستعجال». انعكاسات قوانين الأحوال الشخصية توزعت على مجموعة حقوق، أبرزها حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية، إذ تبيّن أنها تمسّ حق المرأة في العمل. فبعض قوانين الأحوال الشخصية تعلّق حق المرأة المتزوجة بالعمل على موافقة الزوج أو عدم اشتراط الزوج على زوجته عدم العمل خارج المنزل في عقد الزواج. فضلاً عن أنّ هذه القوانين لا تحمي حق المرأة بالمسكن بعد انحلال الزواج. أيضاً، لهذه القوانين انعكاسات على حقوق المرأة السياسية، مثل نقل قيد المرأة المتزوجة إلى سجل زوجها تلقائياً، ما ينعكس على حقوقها السياسية في الترشح والانتخاب في مسقط رأسها للانتخابات المحلية. في المقابل، لفت التقرير إلى بعض الخطوات التي شكلت خرقاً باتجاه العبور إلى نظام مدني للأحوال الشخصية، كان أبرزها الزيجات المدنية التي حصلت أخيراً.
لم يغب التقرير عن النساء المهمشات، سواء أكنّ لبنانيات أم أجنبيات، فخصص لهنّ، للمرة الأولى، صفحات بعنوان «نساء ذوات أوضاع خاصة» ترسم لمحة عامة عن وضعهنّ، السياسات المعتمدة، الخدمات المقدمة والتحديات. حضرت المرأة الفلسطينية بصفتها لاجئة وبيّن لنا التقرير أن الأسر التي ترأسها نساء هي الأكثر فقراً، والحرمان لحق العمل جعل المشاركة النسائية في النشاط الاقتصادي ضعيفة جداً، إضافةً إلى انتشار ظاهرتي العنف الجندري والتحرش الجنسي في التجمعات. المرأة السورية عرّفها التقرير بأنها نازحة، وكشف واقع النازحات السوريات اللواتي يعانين من الاغتصاب والتعدي الجنسي والزواج القسري المبكر والإتجار بهنّ. أما العاملات المهاجرات، فقد ركز التقرير على الناحية القانونية، حيث أكّد أن نظام الكفالة يكرّس التمييز ضدهن، لذلك من الواجب إخضاعهن لقانون العمل، وخصوصاً أنه يوجد في لبنان أكثر من 141 ألف عاملة منزلية.
أهم المجالات التي تطرق إليها التقرير، هو المرأة في مواقع القرار، إذ أظهر تراجعاً للمرأة على صعيد التمثيل التشريعي والوزاري والمحلي. انخفض عدد النواب النساء من 6 نساء (2005) إلى 4 (2009)، وبلغت نسبة الفائزات في الانتخابات البلدية 4.55% مقابل 1.5% في الانتخابات الاختيارية. التقدم الأبرز للمرأة كان في القضاء، حيث ازدادت نسبة القضاة الإناث من 29% عام 2004 إلى 41% عام 2011، وتساوت النساء مع الرجال في القضاء المالي. بالرغم من هذا التقدم الملموس، إلا أن النساء غبن عن مناصب مهمة لم يشغلها سوى الرجال حتى الآن، مثل منصب النائب العام التمييزي، قاضي التحقيق الأول...
لا يزال التمييز ضد المرأة موجوداً في مجال العمل، وهذا ما أشارت إليه فجوة الدخل بين المرأة والرجل التي بلغت 6% عموماً، و6.2% في قطاع الخدمات بالرغم من أن النساء يشكلن ما نسبته 60% من هذا القطاع. على صعيد التعليم، تظهر الأرقام أنه في المرحلتين المتوسطة والثانوية يبلغ الالتحاق الصافي للفتيات 85.2% على مستوى لبنان ككل. وفي مرحلة التعليم الجامعي تشهد «الجامعات الكبرى التحاقاً متكافئاً جندرياً»، بينما يفوق عدد الإناث في الجامعة اللبنانية عدد الذكور.