ليس أمراً عرضياً أن يصرّ رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، على تكرار تحذيراته ومواقفه من أن «التهديد الذي تمثله إيران أخطر بكثير من التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، إذ لم يترك مناسبة عامة أو لقاء إلا وتطرق فيه إلى هذه المعادلة بالتحديد.
تماماً مثلما فعل يوم أمس، فقد أعلن مرة أخرى، خلال مراسم افتتاح طريقٍ على مدخل القدس باسم رئيس الوزراء السابق إسحاق شامير، أن «التهديد الذي تمثله إيران النووية أخطر بكثير على العالم كله، وفي المقدمة إسرائيل، من التهديد الذي يمثله داعش».
تستمر زيارة يعلون لواشنطن 5 أيام وتخص العلاقات الثنائية

لم يكن نتنياهو ليعمد إلى تكرار تحذيراته العلنية، وفق المضمون والتعبير نفسه، لو لم يكن قلقاً من مفاعيل وتداعيات السياسة التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وخصوصاً أن هذه المواقف تتزامن مع مسارين متوازيين: الحملة الأميركية والدولية ضد «داعش» في العراق وسوريا، والمفاوضات النووية بين إيران والسداسية الدولية.
خلفية الموقف الإسرائيلي الرسمي تنبع من قلق محدّد مفاده أن يؤدي التركيز على أولوية مواجهة «داعش» إلى تراجع الضغوط الدولية على طهران، ما قد يمنح الأخيرة هامشاً أوسع في المناورة يسمح لها إما بفرض اتفاق يكرسها "دولة حافة نووية"، أو يحول دون التداعيات التي تأملها إسرائيل في حال لم تتوّج المفاوضات النووية باتفاق بين الطرفين. وتراهن تل أبيب على إخفاق الاتفاق من أجل تكريس العقوبات المفروضة على الجمهورية ورفع وتيرتها، وصولاً إلى الدفع نحو التلويح بالخيار العسكري الذي يدرك نتنياهو أنه بات وراء إدارة أوباما تحديداً.
هذه المخاوف تعزّزها أيضاً مفاعيل الحملة الأميركية التي أعلن أوباما أنها ستستغرق سنوات ضد «داعش»، إذ سبق أن دعا نتنياهو إلى ضرورة ألا يؤدي ضرب «داعش» إلى تعزيز المحور الذي تترأسه إيران، داعياً إلى سياسة عملانية تسمح باحتواء الطرفين والرهان على الدور الذي يؤديه التنظيم في مواجهة حلفاء إيران (العراق وسوريا).
ويبدو مما أدلى به نتنياهو أن هناك احتمالاً معتبراً أن يتم التوصل إلى اتفاق نووي بعدما تبين أن السقف الأميركي الذي يوافق على امتلاك إيران قدرة على تخصيب اليورانيوم بعيد كلياً عن السقف الإسرائيلي الذي يرفض أي اتفاق من هذا النوع. ورأى رئيس الوزراء الإسرائيلي، أننا «أمام خطر التوقيع على اتفاق يبقي إيران دولة حافة نووية»، فهو يرى أن هذه القدرة تتمثل في إمكانية أن يتضمّن الاتفاق حق امتلاك إيران «آلاف أجهزة الطرد المركزي التي تستطيع بها إنتاج المواد التي تحتاجها القنبلة النووية خلال مدة قصيرة».
كذلك، تزامنت مواقف نتنياهو، إزاء إيران و«داعش»، مع زيارة وزير الجيش، موشيه يعلون، للولايات المتحدة التي تستمر خمسة أيام. وكان يعلون قد وصف، قبل مغادرته إسرائيل، العلاقات بين واشنطن وتل أبيب بأنها «حميمية وغير مسبوقة بمستواها وأهميتها لأمن إسرائيل». وقال، إن «الولايات المتحدة تدعم إسرائيل في عدة مجالات؛ أولها الأمن». وأضاف الوزير إن «العلاقات تعتمد على مصالح وقيم مشتركة، ولا ينبغي أن يؤثر فيها أي خلاف».
تأتي تصريحات يعلون بعد ساعات من ردّ وزارة الخارجية الأميركية على تصريحات وزير الاقتصاد الإسرائيلي ورئيس البيت اليهودي، نفتالي بينيت، التي اتهم فيها الوزير جون كيري بأنه ربط بين الحرب على «داعش» وضرورة التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط. وقالت الخارجية إن تصريحات كيري أُخرجت من سياقها، ونفت أن يكون كيري قد ربط بين الحرب على «داعش» والصراع العربي ـ الإسرائيلي. لكن مكتب بينيت عقّب على الردّ الأميركي بالقول، إن «الولايات المتحدة صديقة كبيرة لإسرائيل ونشيد بهذه العلاقة.... مع ذلك، فإن الوزير بينيت لا يتراجع عن تصريحاته»، وأضاف المكتب: «بعدما قيل بصراحة إن النزاع العربي ـ الإسرائيلي يغذي ويعزز داعش، كان من الواجب الرد بسرعة كي لا تتكرر المقارنة، فالإرهاب لا يمكن تفهمه أو مهادنته، بل ينبغي أن يُحارب».