تبدّل المشهد اللبناني في الايام الاخيرة، فصار التمديد للمجلس النيابي بحكم المنتهي، وبدأ جميع الاطراف يتصرفون على أنه سيصبح أمراً واقعاً خلال الاسبوع المقبل. ورغم أن التمديد كان أمراً مبتوتاً قبل أشهر، تفادياً للفراغ في المؤسسات بعد الشغور الرئاسي، ظلت شكوك تحوم حوله، في ظل رفض القوى المسيحية له، وانحياز الرئيس نبيه بري لإجراء الانتخابات، فيما كان الرئيس سعد الحريري ومعه النائب وليد جنبلاط يناديان بالتمديد، وفي خلفية مواقفهما أن حزب الله لا يريد الانتخابات بسبب الوضع الأمني وتورطه في سوريا.لكن ماذا لو قرر الحزب اجراء الانتخابات النيابية؟ وماذا لو كان قرار إجراء الانتخابات ضرورياً لأي طرف يريد إدخال البلاد في صدام غير مسبوق يضيف لبنان الى لائحة الدول الغارقة في الفوضى والحرب؟
تنبع فرضية السؤال من عوامل اللاثقة الموجودة حالياً بين طرفي النزاع في لبنان والمنطقة، أي السنّة والشيعة، والتي عبّر عنها السجال السعودي ــ الايراني الاخير حول سوريا، كما تعبّر عنها لبنانياً، كل يوم، المواقف المتشنّجة بين حزب الله والمستقبل، وآخرها موقف وزير الداخلية نهاد المشنوق. وينطلق السؤال أساساً من واقع أن الجميع يلعب على شفير الهاوية، فيستنفدون المهل حتى اللحظات الاخيرة، على غرار ما حصل مع تأليف الحكومة وصدور البيان الوزاري.
منذ أن أعلن الحريري موقفه المؤيد للتمديد وهو يسعى الى الحصول على تغطية من المسيحيين. توجّه الى روما للقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي لم يعط بركته إلا لإجراء الانتخابات الرئاسية، الامر الذي جعل ضرورياً حشد قوى 14 آذار للحصول على موافقة مسيحية من قيادات الصف الاول المسيحي.
لكن بين اجتماع روما ولقاءات السعودية، ثمة استحقاق يتعلق بسحب الترشيحات النيابية، وهو ما هدّد به زعيم المستقبل ونوابه أكثر من مرة، لمنع إجراء الانتخابات. لكن أحداً من المرشحين التابعين لتيار المستقبل لم يسحب بعد ترشيحاته.
ماذا يعني ذلك؟
بحسب مصادر سياسية، فإن الوضع الداخلي وصل الى مرحلة من الاهتراء الأمني والسياسي لم يسبق أن عرفها، وتنذر بمرحلة خطرة على مستقبل لبنان ووجوده. ولا يمكن تالياً التنبّؤ بما يمكن أن يقبل عليه في مرحلة بالغة التعقيد والتشنج بين محورين إقليميين، يمعنان في الذهاب بعيداً في مواقفهما، في اليمن حيث تتطور أوجه المعركة، وسوريا والعراق، الأمر الذي سيرتد حكماً على لبنان فتصل شظايا الصراع الاقليمي المتفجر اليه.
من هنا يصبح إجراء الانتخابات أو التمديد للمجلس النيابي واحداً من الاسلحة التي يمكن اللجوء اليها، تصعيداً أو إبقاءً للتهدئة الصورية الموجودة حالياً. لذا بقيت جميع القيادات السياسية على جاهزيتها رغم أن قرار التمديد مرجّح منذ شهور،
اجراء الانتخابات
أو التمديد سلاح يمكن أن تلجأ إليه الأطراف الإقليمية



وتركت نافذة مفتوحة للسير في الانتخابات، حتى لا يفاجأ أحد بأي تبدل في المواقف الإقليمية تجعل إجراء الانتخابات ضرورياً في اللحظة الاخيرة. وفقاً لذلك، تقدم الجميع بترشيحاتهم، واتخذ وزير الداخلية والحكومة كل الاجراءات التي من شأنها أن تجعل العملية الانتخابية ممكنة إذا اقتضت الضرورة ذلك.
وتباعاً، ظل الجميع مستعداً، مع الإبقاء على الاتصالات مفتوحة لإقرار التمديد وإنهاء نغمة الانتخابات كلياً. لكن عدم إقدام المستقبل على سحب ترشيحاته يظهر أن الامور لم تصل الى خواتيمها بعد، بدليل اجتماع أمس في ساحة النجمة، إذ يكمن خوف المستقبل من أن تكون ثمة قطبة مخفية تؤدي الى إجراء الانتخابات، حتى في ظل وضع أمني مضطرب كاف لتبرير عدم إجرائها، وعدم قدرة الاجهزة الامنية على تأمين عملية الاقتراع في يوم واحد في كل لبنان. فالمستقبل يدرك أن الضغط لإجراء الانتخابات لن يقابل دولياً الا بالترحاب. فأي إدارة أميركية أو أوروبية ستنتقد إجراء الانتخابات النيابية، فيما أشادت بحصولها في العراق حين كانت تنفجر فيه سيارات مفخخة بالجملة؟
ويعرف أيضاً أن أي قرار «إقليمي» بإجراء الانتخابات قد يرحّب به حلفاؤه المسيحيون قبل أخصامه، لأنهم يرغبون في إجراء انتخابات يعززون فيها حصتهم الوازنة داخل هذه القوى وبمعزل عن تأثيرات المستقبل.
ويدرك جيداً أن لا مشكلة لدى حزب الله في حشد محازبيه في مناطقه البقاعية والجنوبية وفي جبل لبنان، (على عكس ما هو وضع المستقبل في مناطق شمالية وبقاعية)، ولا في الحصول على حصته كاملة في المجلس النيابي، مع ضمان ثمانية مقاعد فاز بها مع الرئيس نبيه بري بالتزكية.
لا شك في أن الايام المقبلة دقيقة بالمعنى السياسي الذي سيرسم مستقبل البلد، لأن أي قرار بإجراء الانتخابات قد يواجَه من جانب الفريق الاخر بمحاولة تعطيلها أو بالطعن فيها، أو باحتمالات أخطر تدفع لبنان أكثر فأكثر الى مرحلة اللارجوع، خصوصاً إذا تعامل الفريق السنّي مع استحقاق الانتخابات والتمديد على قاعدة أنه طرف مقبل على انتصارات إقليمية ترجّح كفة خياراته.
قد يمدد للمجلس النيابي الاسبوع المقبل، لكن كل هذه المراجعة لن تبقى غائبة عن بال قيادات فريقي 8 و14 آذار، لأن كليهما ينتظر الآخر على حافة الهاوية.