لا تخرج زيارة شيخي عقل السويداء لطائفة الموحّدين الدروز يوسف جربوع وحمّود الحناوي للبنان عن سياق الشعور بالخطر الوجودي الذي يظلّل مصير دروز سوريا ولبنان، في خضمّ الرؤوس المقطوعة ومشاريع التقسيم على أرض الشام. ومع أن الزيارة حملت طابعاً دينياً مع غياب النقاشات السياسية الواسعة بين المشايخ السوريين واللبنانيين، إلّا أنها في الدلالات، لا شكّ ترسم بداية مسار جديد لموقع الموحّدين الدروز في مواجهة الأخطار المقبلة على شرق المتوسّط، من السويداء وجبل الشيخ، إلى عاليه والشوف ووادي التيم، وصولاً إلى مجدل شمس وقرى الجليل والكرمل في شمالي فلسطين المحتلة.
على مدى السنوات الماضية، صمّ صوت النائب وليد جنبلاط وفتاويه بتحليل دم الدروز السوريين غير المعادين للدولة في بلدهم آذان عددٍ لا بأس به من المشايخ «الجنبلاطيين» عن سماع المآسي التي تطال إخوانهم في سوريا. على المقلب الآخر، بدا المشايخ «اليزبكيون» أكثر انسجاماً مع رؤية إخوانهم في جبل العرب.
ومع أن مواقف جنبلاط الأخيرة حيال الجماعات التكفيرية وتغزّله بتنظيم «جبهة النصرة» تزداد انفصاماً عن واقع رؤية هذه الجماعات (على اختلاف تسمياتها) الدروز، إلّا أن وصول الخطر التكفيري إلى لبنان واختطاف جنود لبنانيين بينهم ستّة من الدروز، وضع المشايخ على مختلف انتماءاتهم الحزبية وجهاً لوجه مع الموقف الذي اتخذته السويداء مبكراً من «الثورة السورية»، ولأن «الحكي غير الشوفة» كما يقول لـ«الأخبار» أحد المشايخ الجنبلاطيين البارزين.

«تحييد الدروز»، هل ينفع حقّاً؟

منذ مدّة، لا يخجل مسؤولون في الحزب التقدمي الاشتراكي من الترويج لفكرة «تحييد الدروز» عن المواجهة مع التكفيريين. بنى هؤلاء نظريّة مستقاة من مواقف جنبلاط، مفادها أن «التكفيريين لن يعتدوا على قرانا. هم يريدون ضرب حزب الله، ومناطقنا ليست أكثر من ممرّ». غير أن حساب الحقل لن يساوي حساب البيدر حتماً، لأن تجربة «تحييد» الدروز السوريين لم تكن ذات فائدة في أكثر من بقعة. ولمن يعرف كيف كان سلوك دروز جبل السّماق في إدلب وتحييدهم أنفسهم منذ 15 آذار 2011، بل ميلهم إلى جانب «الثوار»، يدرك أن هؤلاء لا يستأهلون من «شرعِيَّيَ جبهة النصرة» (سعودي وتونسي)، المعاملة التي يلقونها. فآخر الأخبار التي حملها وفد من قرى الدروز الـ18 في إدلب إلى لبنان قبل عشرة أيام، على الرغم من التعتيم الذي يُمارس على هذا الملفّ، تشير إلى أن «النصرة» أجبرت الدروز على التخلي عن السهرات الدينية ليل الخميس ــ الجمعة لمصلحة الصلاة أيام الجمعة، ومنع النساء من ارتداء المناديل البيضاء واستبدالها بالبرقع، إضافة إلى منع المشايخ من ارتداء اللفّات البيضاء. ومؤّخراً، بدأ الحديث عن نيّة مقاتلين من «النصرة» الزواج بالفتيات الدرزيات، بحجة أن الدروز مسلمين، ولا مانع من زواجهم بمسلمين آخرين. وبمعزلٍ عن المصير الذي لاقاه المسيحيون والأيزيدون والسنّة الرافضون للتكفير في سوريا والعراق، فإن الجائزة التي وُعدت بها بلدة حَضَرْ في القنيطرة عبر مسؤولين اشتراكيين، لو سمح أهلها لمقاتلي «النصرة» بضرب مواقع اللواء 90 في الجيش السوري عبر أراضيها، وصلت باكراً عبر أعمال الخطف والقتل ومنع الأهالي من حقولهم، ولاحقاً عبر محاولات اجتياح البلدة.
بدأ الحديث عن نيّة
مقاتلين من «النصرة» الزواج بدرزيات في إدلب


ضابط درزي زار
مجدل شمس وأبلغ مشايخ نية إسرائيل تسليح حَضَر

وإن كانت الاتفاقات المحليّة بين أهالي القرى وغيرهم مع قادة التكفيريين لم تجدِ نفعاً، فإن الرهان على ضمانات تقدّمها السعودية أو تركيا وقطر للدروز عبر جنبلاط لا يبدو مضموناً هو الآخر. ويكفي سؤال الوزير وائل أبو فاعور عن جدوى الضمانات منذ بداية ملفّ اختطاف العسكريين اللبنانيين بعدم التعرّض للجنود الدروز لو لم ينفّذ أهالي العسكريين الدروز مطالب الخاطفين بقطع طريق ضهر البيدر وراشيا ــ حاصبيا، ولو لم تُغدق الأموال على القابعين في الجرود.

الجولان وحاصبيا

قبل أسبوعين، زار النائب طلال أرسلان يرافقه الشيخ أبو نبيه كبّول الرئيس السوري بشّار الأسد. وتناول البحث بحسب مصادر اللقاء «كيفية حماية قرى جبل الشيخ وتسليحها من خطر توسّع «النصرة» في القنيطرة»، وبالتوازي «كيفية مواجهة الدعاية الإسرائيلية بإقناع الدروز بالتحالف مع إسرائيل بحجة حماية قراهم من خطر التكفيريين، المدعومين أصلاً من إسرائيل في الجولان». وليس خافياً أن المحاولات الإسرائيلية لفتح خطوط تواصل مع قرى جبل الشيخ بحجّة عجز الجيش السوري عن حمايتها، تتماهى مع الدعاية التي يبثّها معارضون للنظام السوري من خارج السويداء وداخلها عن أن مستقبل الدروز لن يكون ضمن الدولة السورية المركزية، وضرورة البحث عن تحالف لحمايتهم من خطر «داعش». وفضلاً عن المواقف العلنية لعددٍ من أعضاء الكنيست الإسرائيلي وقادة في جيش الاحتلال أطلقت مؤخّراً من الجولان، علمت «الأخبار» من مصادر «أهلية» داخل الجولان المحتل أن «ضابطاً درزياً برتبة مقدم من قرية حرفيش، زار الجولان المحتل مؤخراً، وأخبر مشايخ في مجدل شمس تكليفه من قبل قيادة الجبهة الشمالية في جيش العدو بتسليح بلدة حَضَر (في جبل الشيخ، غير محتلة) بأسلحة ستحتاج إليها مستقبلاً في قتال النصرة». كذلك فإن لقيام الكتيبة الدرزية (233) في لواء غولاني بمسير بطول 42 كلم من الجليل إلى الجولان، وجولتها في القرى الدرزية المحتلة قبل نحو شهر ونصف، دلالات عدّة.
وفي مقابل الزخم الإسرائيلي وتوسّع انتشار الجماعات الإرهابية في الجولان، تشير المعلومات الآتية من جبل الشيخ، على مقلبيه اللبناني والسوري، إلى أن المواجهة قريبة بين الجيش السوري وحلفائه من اللجان الشعبية لاستعادة السيطرة على قرية مغر المير المحتلة من قبل «النصرة» ، فضلاً عن أن القرار بتنظيم « قوات دفاع شعبي» قد اتخذ في حاصبيا من قبل «التيار اليزبكي»، بالتعاون والتنسيق مع حزب الله وسرايا المقاومة، بهدف «حماية وادي التيم، ومنع إسرائيل والجماعات التكفيرية من الانقضاض على المقاومة عبر جبل الشيخ في أي مواجهة مقبلة».

ثلاثة أخطار

بعد نحو قرنٍ على اتفاقية سايكس ــ بيكو، يواجه الدروز خطراً مشتركاً في لبنان وسوريا، ويضيق الهامش بالدروز اللبنانيين من الحياد والرمادية حيال التكفيريين إلى الموقف الواضح على غرار موقف الدروز السوريين. وعلى ما قال الشيخ يوسف جربوع لـ«الأخبار»، فإن الزيارة هي مشروع لـ« ترتيب البيت الداخلي في مواجهة ثلاثة أخطار: التقسيم، التكفير والعدوّ الإسرائيلي وأطماعه في الجنوبين السوري واللبناني».




حسن: «مشايخ لبنان معكم»

تولّى الحزب الديموقراطي اللبناني تنظيم زيارة شيخي عقل السويداء، ولم تستثن الزيارة أحداً من المشايخ الفاعلين من الجنبلاطيين واليزبكيين. غير أن الطابع الديني العام الذي رسم معالم الزيارة، لم يمنع بعض النقاشات السياسية الضيّقة في أكثر من محطّة، كمنزلي شيخي العقل ناصر الدين الغريب في كفرمتى ونعيم حسن في البنيه، والشيخ أمين العريضي في بيصور. وعلى الرغم من طلب مشايخ السويداء عدم حضور الإعلام خلال جولتهم، فوجئوا بوصول الكاميرات إلى منزلي حسن والغريب قبلهم، فاضطروا إلى التصريح. وبدا لافتاً الكلام الذي قاله حسن «تحت الهواء» في منزل العريضي، بعدما طلب عدم التسجيل، إذ أكد مخاطباً المشايخ السوريين أن «مشايخ لبنان معكم منذ اليوم الأول، لكننا لم نكن نصرّح بسبب الظروف»، مشيراً إلى «ضرورة مواجهة التكفيريين». وفي منزل الغريب، ردّ الشيخ يوسف جربوع على أحد المشايخ الذي انتقد ما سمّاه «التقصير في حماية قرية داما»، فأكد جربوع أن «الجيش السوري بات لديه وجود كبير في داما، وكذلك قوات الدفاع الوطني، ومشايخ العقل يولون الأمر عناية كاملة». وعلمت «الأخبار» أن المشايخ في صدد زيارة لبنان مجدداً بعد فترة، للقاء قيادات سياسية، باستثناء النائب وليد جنبلاط .