ليس معلوماً بعد اللون الذي ستعتمده شركات جمع النفايات، المنشأة على عجل، والتي تستعد للدخول في المناقصة المحلية التي سيطلقها مجلس الانماء والاعمار منتصف الشهر الجاري، لكن وزير البيئة محمد المشنوق، ربما عن غير قصد، سهّل المهمة. تظهر الخريطة التي عرضها المشنوق لتقسيم المناطق الخدماتية- الطائفية التي اعتمدها مجلس الوزراء لتلزيم اعمال كنس النفايات وجمعها ونقلها، ان المنطقة ذات الغالبية الدرزية (الشوف وعاليه وقسم من بعبدا) قد لونت بالاحمر، والمنطقة ذات الغالبية الشيعية (ضاحية بيروت الجنوبية) قد لونت بالاصفر، والمنطقة ذات الغالبية السنية (بيروت وقسم من بعبدا) قد لونت بالاخضر.
هكذا يمكن التكهن بالألوان التي ستعتمدها شاحنات الشركات التي ستنتزع من «سوكلين» حصتها في عقد الجمع والكنس والنقل، وسط ترجيحات تشير الى ان سوكلين ستحتفظ بحصتها في بيروت (٩٨٥ طنا) حيث لن تتقدم اي شركة للتنافس معها.
يتوهم الوزراء الذين شاركوا في اعداد هذه الطبخة (نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل ووزراء الزراعة أكرم شهيب، الصناعة حسين الحاج حسن، الداخلية نهاد المشنوق، البيئة محمد المشنوق، شؤون التنمية الإدارية نبيل دوفريج، الطاقة والمياه ارتور نظريان)، ان انتزاع عقد الكنس والجمع والنقل من ايدي شركة سكر للهندسة (سوكلين) قبل موعد انتهاء العقد الموقع معها (١٧ كانون الثاني ٢٠١٥) وتفكيكه الى خمسة عقود، سيفتح الباب امام انهاء عصر احتكار مجموعة افيردا (سوكلين وسوكومي) لادارة النفايات المنزلية الصلبة في بيروت وجبل لبنان (باستثناء قضاء جبيل)، ولقد اضيفت الى الطبخة نفايات محافظة الشمال التي لا تزال اعمال الكنس والجمع والنقل فيها تلتزمها شركة لافاجيت.
يتضح من تقارير مجلس الانماء والاعمار التي قدمت سابقاً الى مجلس الوزراء ان عقود الكنس والجمع والنقل التي جرى تجميد بت تمديدها لا تمثل سوى ٤٠ بالمئة من اجمالي الكلفة التي تدفع حالياً، فيما مُدد لعقود المعالجة والطمر والاشراف، التي تمثل ٦٠ بالمئة من الكلفة، حتى ١ نيسان ٢٠١٥ ، على ان يجري تجديدها وفق الحاجة، ولغاية الانتهاء من المناقصات الدولية التي يفترض ان يُعرض دفتر الشروط الخاص بها على مجلس الوزراء خلال مهلة ستين يوماً. هل فعلاً سينجز مجلس الانماء والاعمار دفتر الشروط وفق المهلة المحددة؟ وما الشركات «الدولية» التي ستبدي رغبتها في الدخول في مناقصات لا تستند الى قرار واضح من مجلس الوزراء، يحدد المواقع التي يمكن استخدامها لانشاء مراكز المعالجة، ولتجهيز مواقع الطمر الصحي ؟ يتضح من التقرير المعدل الذي اعده وزير البيئة، وحصلت «الاخبار» على نسخة منه، ان الاخير اقترح اجراء مناقصة او مناقصات دولية لمعالجة وطمر النفايات، تعتمد على «تفعيل دور القطاع الخاص» من خلال خيارين. الاول يعتمد مناقصات لاعمال انشائية (٣ مطامر و٣ معامل) في مواقع محددة (سبلين – الشوف ، شكا – البترون ، ومجدليا – زغرتا) واعمال توسعة وتأهيل في المواقع القائمة حالياً (معملا الفرز في الكرنتينا والعمروسية، معمل التسبيخ في برج حمود، مستودعا المخلفات الكبيرة في برج حمود والكرنتينا). وتبلغ الكلفة المقدرة لهذه الاعمال ١٧٥ مليون دولار، تُقتطع من موازنة الدولة العامة، كما يتضمن الخيار الاول اجراء مناقصة دولية لتشغيل المنشآت القائمة، وتلك التي ستُستحدث او تطور وذلك لمدة خمس سنوات، على ان تؤمن الاعتمادات اللازمة لهذه الاعمال، والمقدرة بحوالى ٩٠ مليون دولار من موازنة الدولة العامة، كما ينص الاقتراح على اعداد اتفاقيات مع شركات الترابة في سبلين وشكا (سبلين، السبع، هولسيم) لكي تستفيد من الوقود البديل، الذي سينتج من معامل المعالجة مقابل استخدام عقاراتها للطمر الصحي.
وبحسب المعلومات التي تأكد من صحتها أكثر من وزير، فان هذا الخيار سقط بالضربة القاضية، بعد تهديد الوزير بطرس حرب بعدم توقيع أي قرار يشمل انشاء مطامر او معامل في منطقة شكا. حينها اخرج الوزير محمد المشنوق الخيار الثاني.
سقط خيار اعتماد
مناقصات لاعمال انشائية بكلفة ١٧٥ مليون دولار


ينص هذا الخيار على اطلاق مناقصات غير مرتبطة بمواقع محددة على اساس الـ Gate Fee اي «بدلات الوزن عند الباب». ووفقاً لهذا الخيار على المتعهد تامين التمويل لجميع اشغال الانشاء والتجهيز على ان يتقاضى مبلغاً على الطن الواحد، بعد تقبين الشاحنة المحملة بالنفايات عند مدخل (المعمل/المطمر). على الفور ودون نقاش في عدم قابلية تطبيق مثل هذا الخيار، وافق مجلس الوزراء على القرار، وصاغ الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي القرار الرقم ٤٦، الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ ٣٠ تشرين الاول ٢٠١٤، الذي تضمّن الفقرة التالية «يحدد المتعهدون المشاركون في المناقصة المواقع والتقنيات المقترحة للمعالجة والطمر الصحي، على ان يلتزم المتعهدون الذين ترسو عليهم المناقصة تأمين هذه المواقع طيلة فترة العقود»! يتبين من محاضر مجلس الوزراء ان المجالس المتعاقبة منذ عام ٢٠٠٦ قد فشلت في اقرار خطة جديدة لادارة النفايات لسبب وحيد هو «تعذر التوافق على مواقع بديلة للمعالجة والطمر» ! فكان الحل عام ٢٠١٤ برمي هذه الكرة الملتهبة الى متعهد اوكلت اليه المهمة التي عجزت عن اتمامها جميع الحكومات! والسؤال الذي يطرح نفسه، اذا كان الوزراء المعنيون بهذا الملف يعرفون سلفاً ان قرار مجلس الوزراء الجديد غير قابل للتطبيق، فلماذا اختاروا سلفاً الهروب الى الامام؟
تفيد المعلومات ان النائب وليد جنبلاط، الذي رفع منذ فترة شعار «كل منطقة تتولى نفاياتها»، هو من دفع الى تبني هذا الخيار، لان اقامة معمل ومطمر للنفايات في عقارات شركة ترابة سبلين يحوز موافقته المسبقة، ولأن المتعهد الدولي الذي سيتقدم للمناقصة من اجل انشاء وتشغيل المعمل والمطمر، سوف تُحصر مهمّاته في منطقتين خدماتيتين تضمان اقضية الشوف وعالية وبيروت وجزءا من بعبدا، اللتين تبلغ كمية النفايات الناتجة عنهما يومياً حوالى ١٥٠٠ طن، كما ان انشاء معمل ومطمر للنفايات في منطقة مجدليا – قضاء زغرتا سوف يكون حصراً لخدمة محافظة الشمال، وحتى الآن لم يظهر الى العلن اي اعتراض على اقامة هذه المنشآت. واذا ما اتبع هذا السيناريو المرسوم للمناقصات وللمتعهدين، فان المشكلة سوف تنحصر في النفايات المتأتية عن ضاحية بيروت الجنوبية وقضاءي المتن وكسروان. اين ستذهب نفايات هذه المناطق؟ ومن هو المتعهد الذي يستطيع اقتراح مواقع للمعالجة والطمر، وخصوصاً ان هذه المواقع يجب الا تكون بعيدة عن افران الاسمنت، والا فستكون كلفة النقل عالية جداً؟ وماذا اذا لزمت منطقة وتركت اخرى؟ وماذا اذا لزمت منطقة بكلفة اعلى من غيرها؟ وماذا اذا لزم الجمع والكنس وفشلت مناقصة المعالجة والطمر؟ هذه الاسئلة تركت عن سابق اصرار وتصميم دون اجوبة. وهنا تحديداً تتضح معالم الطبخة- الخطة. «كل منطقة تدبر نفاياتها» ! فهل سيبادر متعهد نفايات الضاحية الجنوبية الى طمر نفاياتها في البقاع؟ وماذا عن كسروان والمتن؟

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar