انتهت سنوات الهدوء على الحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة، والأمور باتت مفتوحة على كل احتمالاتها. هذه هي خلاصة تقدير موقف نيات حزب الله، كما عبّرت عنه صحيفة معاريف أمس، حيال إمكان تجدد العمليات على الحدود، واستهداف الجيش الاسرائيلي ومواقعه.
كتب معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة العبرية، الون بن دافيد، مقالاً تحليلياً في الصحيفة، وصف فيه موقع الطرفين، إسرائيل وحزب الله، من الخطوط الحمراء البينية القابلة للتغيير، على ضوء تراجع قدرة الردع الاسرائيلية في مقابل حزب الله، والتي سمّاها الكاتب «ارتفاع منسوب ثقة النفس» لدى الحزب.
أهمية التقرير تأتي من كاتبه. فـ"بن دافيد" هو أبرز المعلقين العسكريين في وسائل الإعلام العبرية، وفي العادة يبتعد عن تقارير الإثارة وينقل السيناريوات والتقديرات المتداولة "على طاولة التقدير" لدى الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية.
بحسب التقرير، فإن منسوب الردع الاسرائيلي ليس هو سبب امتناع حزب الله عن فتح جبهة مع إسرائيل في السنوات الماضية، وعلى أقل تقدير، ليس هو السبب الكافي الذي يمنع الحزب من تنفيذ عمليات على الحدود، الامر الذي يعني أن التغيير في ظروفه وفي البيئة المحيطة بقرار حزب الله من شأنه الدفع باتجاه تنفيذ عمليات، خاصة أن مرد امتناعه لا يعود الى قدرة الردع الاسرائيلية.
ومن هنا يكشف التقرير أن "التحدي الماثل أمام إسرائيل في الأشهر المقبلة هو كيف ترسم خطاً أحمر جديداً وموثوقاً به، في مقابل حزب الله؟ ومن حاول قتل عدد من الجنود في مزارع شبعا قبل أسابيع، سيحاول مجدداً. و"على إسرائيل أن تبدأ بإدارة الحدود الشمالية باعتبارها جبهة عادت الى الحياة من جديد، كما يجب عليها أن تبني سياسة حازمة ورداً صارماً على أي محاولة انتهاك لسيادتها، وإن لم تفعل ذلك فستتجه الأمور الى منحدر يؤدي بنا الى حرب لبنان الثالثة".
لكن ما بين الـ"يجب" والـ"يمكن"، ثمة فارق. بحسب التقرير، حزب الله يبني قوة هجومية تمكنه من التسلل الى فلسطين المحتلة وتنفيذ عمليات "ومحاولات غزو للأراضي الاسرائيلية"، وهو لم يعد يخفي وجوده في جنوب لبنان مقابل المواقع العسكرية للجيش. و"تُظهر نياتِه وعدمَ ارتداعه تشريكةُ العبوات الناسفة التي انفجرت في مزارع شبعا بداية الشهر الماضي». وبحسب التقرير أيضاً فإن "هذه العبوات من نوع جديد، وكان بإمكانها أن تقتل عدداً من الجنود. ومن قام بعملية كهذه، ومن هذا النوع تحديداً، كان مدركاً بشكل مسبق أن هناك رداً إسرائيلياً قاسياً سيعقبها".
وتحدث التقرير عن خطأ في حسابات التقدير الاستخباري في إسرائيل حيال حزب الله ونياته، مشيراً الى أن "التقديرات التي كانت سائدة لدى الاستخبارات أفادت بأن حزب الله لن يرد على غارة جنتا التي نفذها سلاح الجو الاسرائيلي في وقت سابق من هذا العام. وهذه الارجحية كانت مرتفعة جداً، إذ كان تقدير الاستخبارات أن حزب الله مشغول في الساحة السورية، وبالتالي فإن إمكانات الرد المقدرة تكاد تكون معدومة".
ويعود التقرير الى عبوة شبعا ودلالاتها، ليشير الى أن "الجيش يتحدث عن عملية معزولة وموضعية، وأن لا تحوّل في سياسة حزب الله تجاه اسرائيل. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل كل المؤشرات الدالة على هذا التحوّل، إذ إن حزب الله يعمل على تحويل مزارع شبعا الى منطقة احتكاك دائم مع إسرائيل، تماماً كما كان الوضع بين عامي 2000 و2006. وفي هذه المنطقة تحدَّد قواعد اللعبة بين الجانبين، وحالياً تتماشى إسرائيل مع هذه القواعد".
وماذا عن سلاح حزب الله وتكتيكاته العسكرية للحرب المقبلة؟ يشير التقرير الى أن الحزب يملك منذ سنوات كميات كبيرة من الصواريخ والقذائف الصاروخية، ولديه قوة نارية هي أكبر مما تملكه أغلب دول العالم. وفي الوقت نفسه، يضيف التقرير، "لم يتوقف حزب الله للحظة واحدة عن مسار التعاظم العسكري، بما يشمل امتلاك صواريخ ثقيلة أكثر فتكاً ودقة عالية، مع إدراكه المسبق بأن منظومة القبة الحديدية لا يمكنها صد الصواريخ الموجودة في حوزته، والتي ستتساقط على الجبهة الداخلية في إسرائيل».
وحزب الله، كما أكد التقرير، يتبنّى حالياً النظرية الاسرائيلية التي تدعو إلى "نقل المعركة الى أرض العدو". وهو منذ نهاية المواجهة العسكرية الأخيرة مع قطاع غزة زاد من عديد قواته وطور قدراته لنقل الحرب في حال اندلاعها الى أراضي العدو، وحالياً "لديه كتائب وسرايا راكمت في السنوات الاخيرة خبرة واسعة في سوريا". وإضافة الى ذلك بات " لدى حزب الله انتشار واسع، أيضاً في جنوب نهر الليطاني، ما يتيح له القيام بعمل دفاعي وهجومي في مقابل إسرائيل، كما أنه قادر على إيلام الجبهة الداخلية الاسرائيلية، بشكل لم يقم به عدو من قبل".