كان في ودّ شيخ عقل الموحدين الدروز في سوريا، يوسف جربوع، أن يمضي وقتاً أطول مع مشايخ لبنان، بدل الجولة السريعة على عاليه والشوف وحاصبيا وراشيا، للتعرف إلى بعضهم أكثر ونقاش شجون الطائفة والمنطقة بشكلٍ أعمق. إذ لم يتسنّ للشيخ الذي تسلّم منصب مشيخة العقل بعد وفاة قريبه الشيخ الراحل حسين جربوع قبل نحو عامين، أن يزور لبنان كشيخ عقل. سرقت الأزمة السورية من الخمسيني الهادئ أشياء أكثر من راحة البال.بعينين متعبتين وابتسامة، يمسح الشيخ عن جبينه حبّات الماء التي تركتها زخّات المطر الغزير في دار بيت الشيخ فندي شجاع في حاصبيا، فوق عباءته السوداء. الحديث مع الشيخ في السيارة بين الزيارة والزيارة في قرى وادي التيم، يختصر الكثير من تفاصيل رؤيته لحاضر ومستقبل سوريا، وحاضر ومستقبل الموحّدين الدروز في سوريا والمنطقة.
يقول شيخ العقل إن مسار الأحداث منذ 15 آذار 2011 يثبت أن ما يحدث يقع «ضمن مخطط لتفتيت سوريا والعراق ولبنان وشمال أفريقيا، وإنشاء دويلات ضعيفة، بالتوازي مع دولة إسرائيل، لتفرض وجودها ضد دويلات متناحرة». ظهور «الخلافة» في رأي الشيخ، «هو تحضير لبناء إقليم في الوسط السوري والعراقي، ومبرّر لشرعية دولة يهودية».

لا ينكر الشيخ أن « بعض المطالب في بداية الأزمة هي مطالب محقّة، لكن الربيع العربي تلطى بالديموقراطية، ثم وصلنا إلى ليبيا مقسمة وسودان مقسم وعراق مقسم»، لكن «سوريا كانت مفاجئة، صمد الجيش والنظام والدولة، وبقي الرئيس بشار على مواقفه، فاستدعى الفشل مضاعفة الجهود، فأتت «داعش» بعد عصابات «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» و«الحر». وهل يختلفون؟ يردّ الشيخ: «النصرة وداعش مثل الليكود والعمل في إسرائيل، هدفهم واحد بالنسبة للدول التي تُشَغِّلُهم، وهم يستمدون شريعتهم وممارساتهم من الحركة الوهابية، وليس من إسلام سيدنا محمد، فالإسلام هو دين المحبّة، ولا يقاس المسلم إلّا بمقدار التقرّب من الله، وكل له طريقته، وكل مذهب لديه طريقته، وما يحسب للناس هو إيمانهم وطريقة تعاملهم مع بعضهم البعض وليس طرقهم في العبادة».
بحسب شيخ العقل، هناك خطر حقيقي داهم على كل مكوّنات السوريين واللبنانيين والعراقيين، و«لا أخفيك، في السويداء هناك قلق كبير من التكفيريين، لكن أهالي السويداء يريدون الدفاع عن بيوتهم والبقاء في أرضهم، وسيدافعون عنها إلى جانب الجيش العربي السوري إن شاء الله». ويعود الشيخ إلى ما قبل الأزمة، مشيراً إلى أن «الشعب السوري كان يعيش بألفة ومحبة ضمن إطار القانون والمواطنة والدولة السورية، لك حقوق وعليك واجبات. الذي حصل أن الأحداث لبست لبوس الدين، وبدأوا ببثّ أفكار التكفير عبر وسائل الإعلام الخليجية. ونحن لا نزال نقتنع بأن المخطط سيسقط، لكن المؤامرة كبرت، والمزاج السوري العام توجّه نحو الهويات الضيقة، وهذا أمر طبيعي بسبب ما نعيشه».
هناك بعض الأصوات في السويداء تنادي بطرد البدو من المحافظة، ما رأيكم سماحة الشيخ؟ يردّ جربوع: «أوّلاً، التعميم في أي شيء هو خطأ جسيم، بعض البدو يتعاملون مع جبهة النصرة، وكذلك بعض الأشخاص من السويداء يتعاملون مع المسلحين لقاء مبالغ مالية، هل يكون كل أهل السويداء يتعاملون مع المسلحين؟ نحن ضد ما يمارسه البعض تجاه البدو، لأن كل البدو ليسوا مع المسلحين، أنا شخصياً منعت الاعتداء على البدو في منطقة المقوس، وقلت لهم لن تمروا إلّا فوق جثتي، بعدما حاول البعض من رجال الدين وغيرهم الاعتداء على بدو آمنين مسالمين إثر أحداث داما. لا نقبل أن يعتدى على أي مواطن مسالم بهدف الانتقام، وإلّا فماذا يميّزنا عن «داعش»؟».
ويضيف الشيخ: «في السويداء أكثر من 150 ألف وافد من كل المحافظات السورية، ولا نسأل أحداً ما هو دينك. وفي موضوع البدو، هناك من يشجع الفكر الطائفي، والتكفير موجود في كل المذاهب، فامتداد هذه الظاهرة وتوسعها يخيف الجميع».
يرفض الشيخ يوسف الحديث عن «ضمانات الأقليات». بحسب الشيخ: «لدينا تأكيد مطلق أن الضمانة الوحيدة هي الدولة السورية، لأنها دولة مدنية، وتعامل السوريين بالتساوي، وبقاء الدولة هو حماية للوطن والأقليات وللسوريين. الدروز أو العلويون أو السنّة، ما هو أفقهم خارج الدولة السورية؟ الضمانة لكل الجماعات هي الدولة، والدولة تحمي شعبها وتدافع عنه. الإعلام يروّج بأن أوروبا تحمي المسيحيين، ونحن نعلم أن أوروبا تخلت عن المسيحيين في سوريا وفي العراق، وتم تهجير الأيزيديين... في سوريا، ضمانتنا الجيش والدولة السورية».
هل تؤيّدون الدعوات التي تطلق أخيراً لتوقّف الدروز السوريين عن الالتحاق بالجيش؟ يردّ الشيخ: «هذه دعوات مشبوهة، والهدف منها هو إضعاف الجيش لصالح الميليشيات المذهبية في مقدمة للتقسيم».
ماذا عن الحديث عن الخلافات بين مشيخة العقل والدولة السورية؟ يردّ الشيخ: «هناك تواصل كامل وتفاهم بيننا وبين الدولة عند كل مشكلة نواجهها، أحياناً هناك خلاف في وجهات النظر، فالطريقة التي تعالج فيها الدولة الأمور تختلف أحياناً عن رأينا، فالدولة أحياناً توقف أحد الأشخاص ربما بسبب سلاح صيد، وبرأي الدولة لا تريد أن يحمل أحد سلاحاً خارج إطارها، وهذا أمر منطقي حتى لا تتفلّت مسألة التسليح. لكننا نطالب بأن يكون هناك مرونة في التعاون لأن الناس خائفة وتسعى إلى التسلح، وبعض الأهالي أحياناً إذا أرادوا التوجه إلى حقولهم يحملون الأسلحة، لكن هذه الأمور توضّحت وعولجت والأمور أصبحت جيدة الآن».
سماحة الشيخ، هل صحيح أن هناك حالة تشيّع في السويداء وجبل الشيخ، بحسب ما تروّج صفحات المعارضة ومواقعها الإلكترونية؟ «هذا الأمر غير صحيح، وهو في إطار التشويش والدعاية وهدفه التشويش على دور حزب الله والمقاومة في الجنوب السوري. ونحن نثمّن هذا الدور لأن هدفه ليس تشييع الناس بل الدفاع عن المنطقة ضد المشروع الصهيوني».
كيف هي العلاقات الآن مع درعا؟ «حتى الآن هناك الكثير من أهالي درعا لا يزالون على تواصل معنا، وهؤلاء خاضعون لحكم التكفير ومظلومون، ودرعا وحوران كل عمرها منطقة لكل الناس وهي مدينة إسلامية، أهالي درعا ليسوا تكفيريين، لكن البعض أعماه المال والحقد المذهبي، إن شاء الله تعود درعا وقرار درعا إلى أهلها الحقيقيين».
سماحة الشيخ، هل يمكن أن تقوموا بوساطة للإفراج عن بعض المعتقلين في السويداء لدى الدولة السورية؟ يجيب الشيخ: «نحن نسعى إلى الأمر، هناك بعض المعتقلين لم يرتكبوا جرائم إرهابية، والدولة أطلقت سراح البعض ممن حملوا السلاح ضدها، نتمنى أن نصل إلى نتائج إيجابية في هذا الملفّ».
ما رأي سماحتكم بتطورات الجولان؟ «الخطر كل الخطر في الجولان، نحن نرفض رفضاً قاطعاً الكلام الذي يصدر عن أن إسرائيل هي ضمانة للدروز، نحن كسوريين ضمانتنا الجيش السوري، بينما إسرائيل تدعم الإرهابيين في الجولان، وكنا دائماً في طليعة القوى التي واجهت إسرائيل. وفي مقابل العملاء، هناك الكثير من الأصوات التي رفضت تهويد الجولان العربي السوري، ونحن لنا ملء الثقة بأن إخواننا هناك سيسقطون كل المشاريع الإسرائيلية».
وحول لبنان، يقول الشيخ إن «البعض في لبنان تبنى وجهة النظر المعادية، ولم يكن يسمع ما نقوله، والآن باتوا يسمعون منا. تواصلنا في لبنان كان مع الأستاذ طلال أرسلان والوزير وئام وهّاب، ولا نتواصل أبداً مع السيد وليد جنبلاط، لأنه تبنى رأي التيار المعادي لسوريا بدون العودة إلى حقيقة الأوضاع. قلنا لهم منذ البداية إن الخطر سيصل إلى لبنان عاجلاًً أو عاجلاًً ولم يسمعوا. على كلّ حال، نتمنى للبنان السلم والأمان والاطمئنان، ونتمنى النظر من أرض الواقع وليس من مكان الخصم».