ليست تفصيلاً عابراً جلسة المجلس النيابي غداً. فعلى جدولها تمديد طويل، يشبه التأبيد، لبرلمان يكاد يستكمل مقومات تذكيرنا بمجلس الـ 72 وزمن الحرب وانتظار تسويات الخارج وصفقاته والإملاءات والوصايات... ويبرز في هذا السياق، موقف ميشال عون من الموضوع. فهو الموقف الوحيد المستحق الرصد والترقّب. ما تبقّى مسيحياً محسوم ومعروف. رغم كل محاولات الإخراج وحفظ ما تبقى من ماء أو وجوه.
عون لديه كل الأسباب المفهومة والمنطقية لمقاطعة الجلسة غداً:
أولاً، هناك انسجامه مع موقفه السابق قبل أكثر من 17 شهراً، هي مدة التمديد الأخير، المفتوح غداً على ملحق يستكمل الأشهر الثمانية والأربعين. ثانياً، هناك تشبث عون، إيمانياً أو دعائياً، لا همّ ولا فرق عملياً، بمفاهيم حرية الناس وتكوين السلطة الشعبية السليمة وتداولها بالاختيار الحر. وثالثاً، هناك مصلحته الطبيعية، والمشروعة وطنياً أيضاً، بالدفع إلى محاولة إسقاط مشروع التمديد. علّ الانتخابات النيابية تعود نافذة سارية وممكنة، خصوصاً بعدما ظهر أن الجيش قادر على استئصال «داعش» لبنان في ساعات. فكيف بضمان سلامة انتخابات يريدها كل اللبنانيين تعبيراً عن سلمهم وأمانهم وسيادتهم واستقلالهم؟‍! وكيف وأن انتخابات كهذه، قد تنتج مجلساً نيابياً جديداً، ورئيساً جديداً للجمهورية في الوقت نفسه. على قاعدة ما أعلنه البطريرك الراعي مراراً وتكراراً، في الاجتماعات المغلقة كما علناً: أن من يثبت تمتّعه بالأكثرية الشعبية المسيحية، يجب أن يكون هو الرئيس المستحق. وأن غبطته سيكون جاهزاً مستنفراً لخوض معركته تلك، ولرفع الصوت والعصا معاً في وجه كل من يخالف تلك القاعدة، واتهامهم جهراً بأنهم ينسفون الميثاق ويقتلون الوطن! رابعاً، ومن أسباب عون للمقاطعة غداً أيضاً، وللذهاب بعد المقاطعة إلى الطعن أمام المجلس الدستوري، ومع الطعن ربما إلى رفض توقيع وزرائه مرسوم إصدار قانون التمديد في «مجلس الوزراء الرئاسي»... من أسبابه في كل ذلك، حقه لا بل واجبه، في أن يسقط مسرحية الميثاقية المصلتة سيفاً فوق رقاب المسيحيين وحدهم. فمقاطعة الحريري للانتخابات تسقط ميثاقيتها فوراً. أما مقاطعة عون للتمديد فمسألة فيها ألف إنّ... حق لعون غداً، بل واجبه، أن ينسف هذه المعادلة المعتورة. فإما أن تكون ميثاقية المسيحيين معقودة لأكثريتهم الشعبية المحسومة، خصوصاً وقد رفضت بكركي تغطية التمديد. وإما أن تسقط ذريعة الميثاقية عن الجميع، وفي شتى الحالات، إلا ما نص عليه الدستور حرفياً وحصراً...
كل هذه الأسباب لمقاطعة عون ساحة النجمة غداً، ماثلة في ذهن الرجل ووعيه والوجدان. تقابلها في المثول والحضور، ضوابط أخرى لا تقل دقة ومصيرية. ماذا عن العلاقة مع الحلفاء؟ ماذا عن تقدير تضحياتهم وتثمين الدماء الحامية للوطن؟ ثم ماذا عن منزلق الفراغ؟ وماذا عن تظهير موقف الرفض بأبهى وقع له؟ وماذا عن تثميره لغد أكثر وثوقاً، عبر قانون انتخابات صحيح سوي، وموعد ثابت صالح لهذا الاستحقاق المنشود؟ كل هذه مسؤولية ميشال عون وحده. إذ وحده يبدو خارج القيود والأغلال. لا اعتبارات عنده إلا رؤيته لناسه ووطنه. وهو في كل هذه ملزم بالتدقيق والموازنة. وفق القاعدة التي أطلقها: لا مناورة ولا مغامرة! لا مبدئية تُخرج من الجغرافيا، ولا براغماتية تشطب من التاريخ. لكن هل من مسلك قادر على التوفيق بين المشهدين؟ طبعاً، وحتماً. كل شيء ممكن. خصوصاً للعقول المبدعة في نضالها والمقاومة.
تبقى مسألة شخصية تضج في عصبك وعقلك وآخر عروق القلب. قبل أيام، أخطأت هذه الصحيفة في خبر متعلق بأشرف ريفي. وكان خطأها فاضحاً بكل المعايير المهنية والأخلاقية. لكن رد الرجل جاء خارجاً عن المألوف، كما عن طوره كإنسان وكمسؤول. عبارات مستكتبة من نوع: «إحدى أدوات النشر التابعة لمنظومة تحالف النفوذ الايراني وما تبقى من النظام السوري»، «مجرد حروف صفراء يكتبها الوصي غير الفقيه»، «هذه النشرة المخابراتية»... هل يعقل أن يكون هذا كلام رجل اؤتمن على أمنك طيلة حقبة سابقة؟ أو أن تكون هذه أدبيات وزير مؤتمن على عدالة ناسك اليوم؟ ثمة صخب في وجدانك حيال تخرّصات كهذه، لا يعبر عنه إلا بالضميرين المتكلم والمخاطب: أشرف ريفي هذا الكلام لا يشبهك. أو أود فعلاً ألا تشبهه. غير أن المؤكد أكثر أن كلامك هذا نقيض كامل لناس «الأخبار» وحروفها. فهؤلاء أشرف من كل دمى الوصايات. وأنظف من كل غاسلي الذهب الأسود والمغسولين بذميته. هؤلاء كرامتهم ثروة عمر، وشرفهم زاد دهر. مكاتبهم من حديد، مثل إراداتهم. ولغتهم عارية مثل أرواحهم. هؤلاء ثوّروا وجه الصحافة في لبنان وحوله. ما همهم أن تحظر دمشق صفحاتهم، كما دوماً، أو يغضب مسؤول من «وثائقهم» فيهوّل ويهدّد.هؤلاء يُجرح تواضعهم بكلامي، تماماً كما تُجرح علياؤك باتهامهم. هؤلاء تعاملوا مع خبر بخطأ. أما أنت فتعاملت مع بشر بخطيئة. فهل تدرك؟!