عشية تمديد مجلس النواب ولايته، قال رئيسه نبيه بري أمام زواره إنه لم يبذل لدى حزب الكتائب جهداً مماثلاً لما فعله مع الرئيس ميشال عون والقوات اللبنانية لإقناعهما بحضور الجلسة، ليقينه بأن الحزب اتخذ موقفاً مبدئياً لا يريد التراجع عنه، هو مقاطعة جلسات البرلمان الى أن ينتخب رئيس للجمهورية. بدا لبري هذا الموقف مرتبطاً بتعذر انتخاب الرئيس لا برفض التمديد للمجلس، بعدما صوّت النواب الكتائبيون لتمديد 2013، وهم منذ الشغور الرئاسي يقاطعون جلسات المجلس، ويرون أولوية انتخاب الرئيس تتجاوز ما عداها من استحقاقات، بما فيها عقد جلسات اشتراعية.
يتمسك الرئيس أمين الجميل بالموقف ويدافع عنه، رغم تأكيد افتراقه عن حلفائه في قوى 14 آذار الذين ذهبوا جميعاً الى جلسة تمديد ولاية مجلس النواب واقترعوا له. يقول إن «كل طرف يعتبر نفسه على حق. ليس التمديد سوى نتيجة طبيعية لمسار غير طبيعي بدأ مع تمديد 2013، وكرّت السبحة منذ منع انتخاب رئيس للجمهورية. ذهبنا من تقاعس الى آخر لئلا نستخدم تعبيراً سواه، ومن إهمال الى إهمال، كأن المسؤولية في إجازة. ليس ثمة ما يبرر التخلي عن المسؤولية والمصلحة الوطنية التي توجب اتخاذ كل إجراءات حماية الوطن والمواطن. وقوفنا في وجه التمديد كان للاعتراض على كل هذا المسار. الأخطر من ذلك كله ــ وهو ما أوصلنا الى ما نحن عليه ــ المفهوم الخاطئ لمصطلح السيادة الوطنية. عندما يختلف الشعب وينقسم حول السيادة كمفهوم بديهي، تختل الموازين الداخلية كلها. رفضنا كل ما نجم عن عدم انتخاب الرئيس من تدابير ومواقف اتخذت حتى الآن، وأظهرنا عدم رضانا عنها، بينما البعض الآخر وجد أنها طبيعية».
من دون تسمية، وهو يوجّه الاتهام المباشر الى مَن يحمّلهم تبعة عدم انتخاب الرئيس، يدلّ الرئيس السابق على الرئيس ميشال عون وحلفائه، على «الكتلة والتحالف البرلماني الذي منع اكتمال النصاب القانوني وضرب المسار الديموقراطي الذي نص عليه الدستور اللبناني والتقاليد الدولية. من السهل تحميل المسؤولية لهذا أو ذاك من الجهات الخارجية، وربط الشغور الرئاسي بالبرنامج النووي الايراني تارة وبالاحداث والتطورات الاقليمية طوراً. لكن ما يعنينا فعلاً ومباشرة، في بساطة، أن هناك نواباً تخلفوا قصداً عن حضور جلسات مجلس النواب، ومنعوا انتخاب الرئيس. أياً تكن المبررات، فهو تصرف غير مقبول، وينال من صدقية مؤسساتنا ومصلحة الدولة.
المسؤول المباشر
عن الشغور هو المعني المباشر بالانتخاب


صيغت بنود الدستور على نحو يضمن حسن سير المؤسسات ويحافظ على الشراكة الوطنية، فلا يعقل استخدام هذه الضمانات الحامية للدستور في سبيل شله. المسؤول المباشر عن التعطيل هو المعني مباشرة، أي النائب الذي يتحمل مسؤولية التقصير والتخلف عن الذهاب الى جلسة الانتخاب، أياً تكن الاعتبارات لديه، أو تأثره بالخارج حتى. إلا أن لذلك نتائج مدمرة على صعد الاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي. ليس ثمة ما يبرر التخلف عن انتخاب الرئيس».
وضع الاصبع على الفراغ الرئاسي الثالث وهو يستعيد الفراغ الاول عام 1988، عشية نهاية ولايته، كي يميز بين العامل الخارجي أمس عن اليوم وينقض الحجة: «في عهدي منع الجيش السوري وصول النواب الى ساحة النجمة، وكان يحتل المنطقة ويسيطر عليها. كانت ثمة استحالة الوصول الى المجلس لانتخاب رئيس يخلفني. اليوم لا أرى أبداً مانعاً مماثلاً. ليست هناك استحالة أمنية تمنع 128 نائباً من الوصول الى المجلس كونه في عهدة الجيش وقوى الامن الداخلي. ليس هناك كما شهدت في عهدي ضغط مباشر على النواب لمنعهم من انتخاب الرئيس، ولا تهديدات مباشرة اليهم. أين نحن اليوم من أمس؟ نعيش الآن في ظل أمن واستقرار وحرية وديموقراطية، على الاقل في عاصمتنا حيث مقر مجلس النواب».


ماذا يتوقع من مبادرة قوى 14 آذار لانتشال الاستحقاق من مأزقه؟

يقول: «العقدة في تعطيل النصاب وفي مَن يمنع انتخاب الرئيس فقط. مبادرة فريقنا تبقى نظرية ما دام هناك فريق مصمم على منع الانتخاب لأسباب محلية أو خارجية. لا يجوز للقادة اللبنانيين، أياً تكن المبررات، إيلاء الدوافع الخارجية الاولوية والتسبب بتعطيل انتخاب الرئيس. منذ أول الطريق، في كل المحطات التي مررنا فيها، قلنا ولا نزال إن الاولوية لانتخاب رئيس الجمهورية نظراً الى علاقته بانتظام المؤسسات الدستورية. هذه مسألة أساسية في المحافظة على الاستقرار ومرتبطة بمبدأ الشراكة الوطنية. لا يعقل أن يغيب موقع رئيس الدولة عن الوطن، فيما المكونات الاخرى لا تزال في مواقعها، ما يخالف روح الدستور ومبدأ الشراكة. كما أن غياب الرئيس يعطل ثقة المواطنين بمؤسساتهم ودولتهم، كون الرئيس يفترض أنه الجامع بين القيادات. غيابه أيضاً يفقد الخارج ثقته بلبنان، لأن رئيسه هو المحاور الشرعي في المحافل الدولية. بذلك يكون رئيس الجمهورية حجر الزاوية. لا نستطيع أن نفهم استهتار البعض بكل هذه المسلمات. يبدو أننا أمام غنج سياسي قاتل في الظروف المحلية والاقليمية التي نعبر بها. لا الحال الداخلية تسمح بمثل هذا الغنج ما دامت الاخطار خانقة، ولا التساهل في تعريض سمعة لبنان للأذى، وهو أحوج ما يكون الى دعم المجتمع الدولي له على الصعد السياسية والامنية والاقتصادية».




المؤتمر التأسيسي كاغتيال رشيد كرامي

خبر الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميّل شغور الرئاسة للمرة الاولى في تاريخ لبنان طوال 13 شهراً. عُزي الامر آنذاك الى تدخل خارجي، والى رفض سوريا إجراء الاستحقاق وتعمدها دفع البلاد الى فراغ في حقبة كان الدستور يضع بين يدي الرئيس الصلاحيات الرئيسية في حكم النظام. لم تكن المرة الاولى التي يصل فيها الى مسمعه رغبتها في الفراغ. نقلت إليه قبلاً عبارة مماثلة غداة اغتيال الرئيس رشيد كرامي في الاول من حزيران 1987، قالها نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، يوم التشييع في طرابلس، وخاطب بها رئيس المجلس حسين الحسيني والوزير سليم الحص: مَن قال لكم إننا لا نريد الفراغ؟
ردّ خدام بذلك على إصدار رئيس الجمهورية مرسوماً قضى بتسمية الحص رئيساً بالوكالة للحكومة. لشهر خلا استقال كرامي في 6 أيار، ثم أتى اغتياله كي يطيح الحكومة. إلا أن الجميل، بالتعاون مع الحسيني والحص، أعاد تعويم حكومة انهارت مرتين: بالاستقالة ثم باغتيال رئيسها.
ما يرويه عن الحقبة تلك، وهو يضع إصبعه على تدخل الخارج في ضرب استحقاقات الداخل، أن الرئيس تقي الدين الصلح خابر مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، وكان في السعودية، وطلب منه دعم تعيين الحص رئيساً للحكومة لئلا تدخل البلاد في فراغ قد لا تخرج منه أبداً، فلا تكون حكومة أخرى، وهو ما رمى إليه الاغتيال. حادث المفتي السعودية وحاز موافقتها، وكذلك الحص، فصير الى تعويم الحكومة برئيس بالوكالة بمرسوم وقّعه الجميّل، وبدور اضطلع به سراً مستشاره محمد شقير بينه وبين الحسيني والحص، فانتهى الامر باغتيال شقير بعد أقل من شهرين في 2 آب، واتهم الزعماء السنّة سراً سوريا بقتله.
يعقّب الرئيس السابق: «عندما يحدث ذلك عام 1987 وقد عددت اغتيال الرئيس كرامي انقلاباً على الدولة ومحاولة لإسقاطها أكثر منه تصفية رئيس الحكومة، فما بالنا ننتظر انتخابات الرئاسة السنة التالية؟».
يضيف: «محاولة إسقاط الدولة عام 1987 توطئة لضرب الرئاسة في ما بعد، هو نفسه يتكرر اليوم عبر فراغ رئاسي بغية الذهاب الى المؤتمر التأسيسي».