دنفر | في دنفر، حيث احتفل الجمهوريون باستعادة ولاية كولورادو، تعبر احدى الناشطات عن سعادتها بعودة الجمهوريين أخيراً الى التحكم بالكونغرس. في كلامها نشوة انتصار بعد ما تسمّيه «الخسائر» المتلاحقة نتيجة حكم الديموقراطيين، معتبرة ان على الجمهوريين من الآن وصاعداً عدم تقديم تنازلات وتبرير معتقداتهم وأولوياتهم تحت أية حجة.لا تزال نتائج الانتخابات النصفية تثير انطباعات مختلفة وتحليلات في الإعلام الاميركي المحلي ومراكز الابحاث وبين المحاضرين الجامعيين. الواضح ان الجمهوريين لن يتركوا الرئيس الاميركي باراك اوباما مرتاحاً في السنتين الاخيرتين من ولايته. مجرد القول إن السيناتور جون ماكين قد يصبح رئيساً للجنة الدفاع في الكونغرس يعني أن أموراً كثيرة ستكون على المحك، أولها دور واشنطن في منطقة الشرق الاوسط، وخصوصاً في ملفي سوريا والعراق، لا سيما أن مواقف ماكين معروفة تماماً ازاء مسائل كمصير نظام الرئيس بشار الاسد مثلاً، ونوعية التدخل الاميركي في المنطقة.

يستأثر دور ماكين المستقبلي في لجنة الدفاع بالاهتمام في اكثر من مستوى سياسي واعلامي (بعدما تحوّل اخيراً محور التعلقيات والاطلالات التلفزيونية)، وهو سيكون عنوان المرحلة المقبلة، سواء بالنسبة الى نوعية الملفات التي سيتدخل بها او في ما يتعلق بموازنة التسلح ومضاعفتها للقوات المسلحة،
ما تبقى من ولاية اوباما لن يشهد تراجعاً للحضور الاميركي في الشرق الاوسط


لا سيما ان هناك انقساماً في الآراء حول ما يمكن ان يفعله للضغط على الادارة الديمقراطية. لن يترك الجمهوريون اوباما يتصرف في الشرق الاوسط وكأنه لا يزال في مستهل عهده حين أعطى وعوداً يصفها مسؤول حالي بـ «الفاشلة»، ولن يتركوا له حرية الحركة في ما يتعلق بالدور الاميركي في اوروبا الشرقية (ولا سيما اوكرانيا) والشرق الاوسط.
وبقدر ما يعتبر احد المطلعين ان الجمهوريين سيكونون اكثر ‹قسوة» وحدّة في الشرق الاوسط، تكمن المشكلة، بحسب دبلوماسي سابق، في ان الجمهوريين انفسهم منقسمون حول الدور الاميركي في الشرق الاوسط، وحول حدود هذا التدخل وآلياته، كما انهم منقسمون ازاء أداء ماكين نفسه في ما يتعلق باتخاذ قرارات واضحة وعملية في شأن الوجود الاميركي في هذه المنطقة.
ثمة عناوين سياسية بدأت تصبح مسلّمات في احاديث المطلعين الاميركيين، وأهمها في ما يعنينا أمران:
اولاً، ان الهم الاول في السنتين المقبلتين هو ترتيب العلاقة مع ايران، والكلام عن الحوار معها متداول في شكل واسع، مع وصفه بأنه جدّي الى حد كبير وقد يفاجئ الكثير من الأميركيين المعنيين بشؤون الشرق الاوسط. فأوباما مصرّ، في شكل شبه دائم، على تكرار رهانه على هذا الحوار. ورغم انه لا يمكن الاميركيين المعنيين التنبؤ بآفاق الاتفاق النووي، تصر ادارة اوباما، في المقابل، على اعطاء الحوار مع ايران فرصة كبيرة، وهو سيبقى مفتوحاً في المدى القريب، وعلى الدول العربية وفي مقدمها حلفاء واشنطن التقليديون التكيّف على ما يبدو مع هذا الحوار ومتطلباته. لا سيما ان هناك اعتقاداً ثابتاً بأن هذا الحوار قد يؤدي في اطار الملفات التي سيتناولها الى وقف مدّ تنظيم «داعش»، ما يعني ان على الدول العربية «المتضررة» من الحوار مع ايران ولا تثق به المساهمة بدورها في وقف هذا المدّ.
ثانياً، ثمة تأكيدات من أكثر من جهة ومصدر ان السنتين المقبلتين المتبقيتين من ولاية اوباما لن تشهدا تراجعاً للحضور الاميركي في الشرق الاوسط خلافاً لبعض التوقعات. وبما ان لعودة الجمهوريين الى الكونغرس تأثيراً في مجرى السياسة الخارجية وقرارات الادارة في ما يتعلق بالاطار العسكري، فإن التدخل الاميركي سيكون أكثر حضوراً من الآن وصاعداً. وهذا التدخل لن يكون ابداً عبر الوجود العسكري المباشر كما كانت الحال في العراق. فرفض التدخل العسكري قرار نهائي تتفق فيه سياسة الديمقراطيين والجمهوريين. لكن، في المقابل، سيكون مستوى التدخل السياسي والمساعدات العسكرية مرتفعاً. وتتفق اكثر من شخصية على القول ان الاميركيين لن يتهاونوا من الآن وصاعداً في مقاربة ملفات المنطقة، وقد نشهد تورطاً اميركياً اكثر وضوحاً على المستويات كافة، ما خلا التدخل المباشر، وهذا الامر سيشمل افغانستان والعراق وسوريا.
وبحسب احد المطلعين، فإن قرارات كهذه لن تقابل بأية اعتراضات داخلية. فالرأي العام الاميركي يرفض جملة وتفصيلاً عودة للجنود الاميركيين الى اي من مناطق النزاع، لكنه لن يرفض مطلقاً زيادة المساعدات والتدخل السياسي، وخصوصاً ان اخبار الذبح الذي يمارسه تنظيم «داعش» ضد اميركيين وغير اميركيين متداولة في شكل واسع، وكلمة «isis» صارت على ألسنة الكثير من المواطنين العاديين.