قرار القاضي نديم زوين بازالة تقرير بعنوان «AUB ليكس: ملفات الـAUB الى القضاء الأميركي؟»، حفّز ادارة الجامعة الاميركية على التقدّم بطلب جديد الى القاضي نفسه «اشدّ خطورة»، يرمي الى اصدار قرار ثان يمنع «الاخبار» من نشر اي وثائق لا تزال بحوزتها او يمكنها الوصول اليها لاثبات وجود فساد في الجامعة. مأخذ القانونيين والحقوقيين الابرز ان القاضي زوين اغفل في قراره السابق ان الوثائق التي نشرتها «الاخبار» ثابتة وصحيحة باقرار ادارة الجامعة نفسها، وهي تتضمن ادلة تمثل مبررا لملاحقة المتورطين لا حظر نشرها وتعطيل ممارسة الصحافة لواجبها في التشهير واطلاع الرأي العام على قضايا الفساد والهدر الماليّ وانتهاك حقوق ومصالح الطلاب والمرضى.
وضوح المصلحة العامّة

الملفات المرتبطة بالفساد والهدر وسوء الادارة والتنصت في الجامعة الأميركية في بيروت، والوثائق المتضمنة مداولات داخلية بين عدد من الأمناء والاداريين والموظفين والمحامين حول هذه الملفات، لا يمكن ان تكون خاضعة لموجب الحماية من النشر والافشاء، ولا يمكن النظر اليها من زاوية حماية «الخصوصية»، التي يتمتع بها الأشخاص المذكورة أسماؤهم في الوثائق في حياتهم الشخصية، لا في مواقعهم الوظيفية. فالجامعة الاميركية في بيروت ليست أي مؤسسة، بل هي مؤسسة تعليمية لا تبغي الربح، ينتسب اليها نحو 8000 طالب يدفعون أقساطا تصنف من الأعلى في لبنان، ولديها جهاز تعليمي يضم مئات الأساتذة، اضافة الى مئات الموظفين والاداريين، ويتبع لها مركز طبي (مستشفى الجامعة الاميركية) يستقبل مئات الحالات الطارئة والاستشفائية والعلاجية... وبالتالي، ان أي ملف مرتبط بهذه المؤسسة «العريقة»، يمس بمصلحة جميع الفئات المذكورة، وأي تصرف ينتهك حقوق هذه الفئات ينطوي على إضرار اكيد بالمصلحة العامّة، ابتداءً من كيفية التصرّف بأموال الطلاب (الممول الأساسي للجامعة) وصولا الى اموال المرضى وحقوقهم واموال الدولة والمؤسسات الضامنة، وما بينهما من مسائل وقضايا تندرج كلّها في اطار المصلحة العامة.
انطلاقا من هذا التوصيف، التقى غير محام وناشط حقوقي وخبير في الدستور والقانون على ان نشر أي وثيقة تشير الى وجود فساد هو واجب مهني ضروري صونا للمصلحة العامة، تكفله المبادئ الدستورية واجتهادات عدد من المحاكم.

لا حصانة للقطاع الخاص

رمزي جريج، وزير الاعلام، رأى في حديث مع «الأخبار» أن حرية الاعلام مكرسة في الدستور اللبناني وفي القوانين التي ترعى الاعلام، والمرادف للحرية، بحسب جريج، هو حق المواطن في المعرفة. والاعلام في لبنان «إحدى أهم وسائل كشف الفساد». والحرية الاعلامية «قيمة لا يمكن أن تناقض قيمة العدالة، شرط أن تصب في مصلحة المجتمع، وطالما ما من حصانة على القطاع العام لكشف فساده، فلا يمكن التفرقة بينه وبين القطاع الخاص، أو اعطاء الأخير أي حصانة من أي نوع كانت».
وزير الاعلام: لا يمكن
اعطاء القطاع الخاص أي حصانة من أي نوع

واجب الصحافة النشر

ناضر كسبار، عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت، يقول حول حق النشر: «طالما أن الوثائق المنشورة أو المراد نشرها، مهما كانت طبيعتها أو نوعها، تتعلق بأموال عمومية أو ذات صلة بمصلحة عامة، لا يحق للصحافي نشرها فقط، بل ان هذا من واجبه، وتدخل في صلب مهمته». وحق النشر، بحسب كسبار، لا يمكن فرض اي قيد عليه، طالما ان الصحافي قادر على أن يبرهن فرضيته، وطالما لم يدخل الى مقاله رأي خاص قد يفسّر على أنه ذم بالطرف الأخر.

فضح الفاسدين

أنطوان مسرة، عضو المجلس الدستوري والأستاذ السابق في الجامعة اللبنانية، يعرّف الفساد على أنه استغلال نفوذ معيّن لمصلحة خاصة. «ومن هذا المنطلق يجب فضح مسببي الفساد سواء كانوا في القطاع العام أو القطاع الخاص».

قمع حرية الصحافة

عصام نعمان، محام ووزير سابق وخبير في الدستور، يرى ان حق النشر مقدس في المبادئ الدستورية العامة، ومن حق الصحافة ووسائل الاعلام نشر ما تتلقاه أو يقع تحت يدها من أخبار ومستندات في أي حقل من الحقول، ما لم ينص القانون بصورة واضحة على المنع. ويشير الى ان منع النشر ينحصر فقط بالحالات المتعلقة « بالأمن القومي والقوات المسلحة»، ويضيف «أن لا جهة على الاطلاق يمكن تحييدها عن نشر وقائع مرتبطة بحالات فساد واقعة، ان كان في القطاع العام أو الخاص». وبحسب نعمان، قد يلجأ بعض المفسدين الى القضاء المستعجل بهدف التغطية على حالة الفساد التي ثبت تورطهم فيها، الا ان القاضي لا يمكنه أن يصدر حكما يقمع حرية الصحافة ما لم تقدم الجهة المستدعية مستندات تفيد بأن هناك ضررا سيلحق بهذه الجهة. عدا ذلك فان أي قرار يصدره القاضي يكون اما استنادا الى اجتهادات «خاصة»، أو يكون «تحت ضغط ما» لاصدار مثل هكذا أحكام».

القاضي أخطأ

جمعية مهارات استنكرت الحكم الصادر عن قاضي نديم زوين. يرى المحامي طوني مخايل أن القرار «غير معلل لناحية تبرير طلب ازالة المقال ومرفقاته، ولم يقم القاضي بالربط بين ما جاء في مطالعته وحكمه النهائي». ويقصد مخايل هنا بتعليل القرار اعتبار القاضي زوين أن «الأخبار» خالفت القوانين المتعلقة بالذم ونشر وثائق سرية. من هذا المنطلق يشير مخايل لوجود تضارب في صلاحيات القاضي، وتفسيره للفقرة الثانية من المادة 579 التي ترعى صلاحيات قاضي الأمور المستعجلة (التي تجيز للقاضي ازالة التعدي الواضح على المستدعية ان أثبتته). اذا يحاول بعض القضاة، ومنهم القاضي زوين، تفسيرها منفصلة عن كامل المادة. فعقوبات الذم وافشاء الأسرار التي أوردها القاضي زوين في قراره، يعاقب عليها أساسا بالغرامة المالية، فيكون القاضي زوين في هذه الحالة قد توسّع في صلاحياته على نحو غير مبرر، وكان يمكن ان يُرفع طلب الجامعة الى محكمة المطبوعات لا الى القضاء المستعجل، وأن تتخذ هي تدبيرا مستعجلا اذا رأت ضرورة لذلك. يرى مخايل ان الأمر الايجابي، ويكاد يكون الوحيد، في قرار القاضي زوين اشارته الى المصلحة العامة كمبرر للنشر، لكن المستغرب ان اشارته اعتمدت مصطلح «المصلحة العامة الاستثنائية»، فقانونا، المصلحة العامة هي «المصلحة العامة»، لا يمكنها ان تتسم بالاستثنانية أو العادية أو الكبيرة أو… وبحسب مخايل، حتى لو كانت القضية المرفوعة على القاضي زوين تقع ضمن صلاحياته، فان تدخله يكون لدرء وقوع ضرر (بحسب مزاعم الجهة المستدعية) أو منع تفاقمه، لكن طالما ان المستندات كانت قبل حذفها متاحة للجميع، وقامت عدة مواقع أو أشخاص باعادة نشرها، فان قرار القاضي مستهجن لانه لم يوقف الضرر الذي تزعم ادارة الجامعة وجوده. وبالتالي لا لزوم لتدخله في هذه الحالة.
أخطأ القاضي زوين، يقول مخايل، بقراره، اذ تتوافر في الوثائق المنشورة من قبل «الأخبار» ما يكفي من معطيات تتلاءم وشروط المصلحة العامة، وخاصة أنه ما من نص صريح في قانون العقوبات أو قانون المطبوعات، يحظر نشر هذا النوع من المستندات.

ضغوط من الجامعة

مؤسسة سمير قصير استنكرت بدورها قرار القاضي زوين، ورأت أن هناك ضغطا حصل من الجامعة وبعض القيمين عليها على القضاء اللبناني، وتحديدا القاضي زوين الذي أصدر القرار. واستغرب الباحث في المؤسسة فراس تلحوق أن تقوم مؤسسة كبيرة وعريقة مثل الجامعة الأميركية باعتماد اسلوب كهذا لقمع حرية الصحافة ومنع نشر وثائق متعلقة بفساد حاصل. ويرى انه إذا رأت الجامعة أن هناك معلومات خاطئة أوردتها «الأخبار»، فكان الأجدى بها أن ترفع دعوى في محكمة المطبوعات، لا أن تقمع حرية الاعلام وتحرم المواطن حقه في الوصول الى المعلومات.
(الأخبار)