حيفا المحتلة | كشف الوزير الإسرائيليّ السابق، رافي إيتان، الذي يُعَدّ من أخطر رجال «الموساد» الإسرائيليّ، النقاب عن أنّ المملكة المغربيّة تلقّت الدعم من الدولة العبريّة منذ إقامتها على أنقاض الشعب العربيّ الفلسطينيّ. وأكّد الوزير الذي تبوأ عدّة مناصب رفيعة في الأجهزة الأمنيّة، ليلة الثلاثاء، أنّ رئيس الاستخبارات المغربيّة الأسبق، أحمد دليمي، جاء إلى شقته في العاصمة الفرنسيّة باريس، وأبلغه بقتله المعارض المغربيّ المشهور، المهدي بن بركة، خنقاً ثم أبقى جثته في الحمام، وطلب منه مساعدة للتخلّص من الجثة.
«قلت له حسناً»، هكذا أكّد إيتان (88 عاماً) خلال لقاء مطوّل أجرته معه القناة الثانية العبرية ضمن برنامج التحقيقات «عوفداه» (حقيقة)، وأضاف للمسؤول المغربي: «كي نتخلّص من الجثّة، عليك الذهاب وشراء كمية من مادة الكلس وإحراقها، لأنّ الكلس يحرق الجثّة بالكامل ولا يترك آثاراً بالمرّة، وهذا ما كان»، معقباً بهدوء شديد.
الجدير بالذكر أنّ هذه هي المرّة الأولى التي تعترف فيها إسرائيل، من طريق مسؤول رسميّ، بعلاقاتها مع المغرب، وتقديم المعونات إلى هذا البلد العربيّ بهدف حماية الملك الحسن الثاني. مع العلم أنّ المقتول الذي جرى الحديث عنه هو المهدي بن بركة، المولود في 1920 بالرباط في المغرب. واختفى في 29 تشرين الأوّل 1965 في فونتني لو فيكونت، شمال فرنسا. وكان من السياسيين المغاربة، وأكبر معارض اشتراكي للملك الحسن الثاني، وكان زعيم حركة «العالم الثالث والوحدة الأفريقية».
الملك الحسن الثاني قال، آنذاك، إنّ من اغتال بن بركة هو من تآمر عليه وحاول اغتياله، في إشارة إلى الجنرال محمد أوفقير والجنرال أحمد الدليمي. ووفق مصادر رسميّة مغربيّة، فإن الملك محمد السادس أبلغ المعنيين أنّه لا يعرف شيئاً عن ملفّ بن بركة، وأنّ والده الراحل لم يُطلعه على أيّ شيء، لكنه سيسمح بالذهاب بعيداً في البحث عن الحقيقة. رغم هذا، بقيت القضية معلقة حتى جاء الوزير الإسرائيليّ السابق ليكشف عن مصير بن بركة.
الإعلاميّة إيلانا دايّان، معدّة البرنامج، قالت قُبيل عرض اللقاء إنّ «الحلقة سُجِّلَت مع إيتان على مدار السنة الماضية»، مُشيرةً إلى أنّ زوجته، وهي ضابطة سابقة في «الموساد» وكاتمة أسراره شاركت في اللقاءات نفسها. وتُعتبر المقابلة المثيرة وثيقة فريدة من نوعها، لكون إيتان قد اعترف خلالها بأنّه ضمن عمله في الأجهزة الأمنيّة أقدم على قتل العشرات من العرب، لكنه رفض تسميتهم.

وتابع في معرض ردّه على سؤال بشأن ندمه على ما فعله، بأنّ العمليات التي نفذها كانت «لمصلحة دولة إسرائيل، والشعب اليهوديّ»، وذكر أنه كان يتخذ من باريس مقرّاً له، ومن هناك يعمل على تجنيد العملاء العرب الذين وافقوا على تزويد جهازه بمعلومات حساسة للغاية عن عدّة دول عربيّة، دون أنْ يُفصح أيضاً عن أسماء الدول. وحكى أنّ أوّل عملية قتل نفّذها كانت في 1948، عندما كان في صفوف عصابة (البلماح).
في ذلك اليوم، نصب كميناً لعدد من رجال الكنيسة الألمان، وعندما ترجلوا من السيارة، اقترب وأطلق الرصاص على اثنين منهم، لافتاً إلى أنّ «هدف العملية كان ترهيب الألمان». فضلاً عن ذلك، كشف إيتان النقاب عن قيادته عصابة من (البلماح)، عملت على تهجير عرب النقب إلى غزّة. وتباهى بأنّه أشرف على عملية الطرد دون سفك الدماء، وأكمل: «كنت أتوجّه إلى زعماء القبائل، وأقول لهم، معكم 24 ساعة لإخلاء المكان والانتقال إلى غزّة»، مضيفاً: «سمحنا لهم بأخذ كل ما يُريدونه من بيوتهم، وفي حالتين اثنتين فقط، حرقنا البيوت لتخويف السكّان وإرغامهم على الهرب إلى غزّة». لكنه أعرب عن أسفه العميق لأنّه لم يتمكّن «من طرد جميع سكّان النقب إلى القطاع والتخلص من هذه المشكلة».
من ناحية أخرى، قالت زوجة إيتان، خلال اللقاء، إن زوجها كان يُبلغها بكلّ ما يفعل، مُشدّدةً على أنّه «يفقد الشعور كليّاً حين ينفذ مهمّة من أجل مصلحة إسرائيل، بما في ذلك القتل». ثم روى إيتان، للمرّة الأولى، كيف جند الضابط اليهوديّ الأميركي، جوناثان بولارد، لمصلحة المخابرات الإسرائيليّة، في 1985، مؤكّداً أنّ رئيس الوزراء آنذاك، اسحق رابين، ووزير الخارجيّة، شيمون بيريز، كانا على علمٍ بأنّ إسرائيل تتجسس على حليفتها أميركا.
وعندما اكتُشف أمر بولارد، توجّه الأخير إلى سفارة تل أبيب لدى واشنطن للاحتماء هناك. ليضيف الوزير: «تلقيت اتصالاً عبر الهاتف الأحمر، وقلت لهم أبعدوه من هناك فوراً، ولا تسمحوا له بالدخول»، مُشيراً إلى أنّه ليس نادماً على قراره ترك العميل، الذي زوّد إسرائيل بمعلومات مهمة للغاية من حاسوب سلاح البحريّة الأميركي، حيث كان يعمل هناك برتبة ضابط رفيع المستوى.
إضافة إلى ما سبق، كشف إيتان النقاب عن أنّه قبل إلقاء القبض على بولارد، فكّر في وقف التعامل معه، إذ كان الأخير يتلّقى مبلغ 2000 دولار في الشهر. وأضاف: «ضابط رفيع المستوى، في شعبة الاستخبارات العسكريّة بالجيش الإسرائيليّ (أمان) توجّه إليّ، وطلب معلومات عن العراق، فوافقت على ذلك، وطلبت من بولارد تزويدنا بالمعلومات المطلوبة، ثم اعتقلته السلطات الأميركيّة، وحُكم عليه بالسجن المؤبّد بتهمة الخيانة العظمى، ثم باءت محاولات إسرائيل للحصول على عفوٍ رئاسيّ عنه بالفشل»، فيما لم تطأ قدما إيتان أميركا منذ ذلك الحين، خوفاً من الاعتقال والمحاكمة. وحين سئل في ختام الحلقة مجدداً هل هو نادم على أعمال القتل التي نفذها مع رجاله؟ أجاب: «لا... بالمرّة لست نادماً».