«رح يقتلني، تعو شوفو وجي»، استغاثت فاطمة (21 عاما) بـ»الدركي» على الرقم الساخن 112. لم تتوقّع الفتاة المعنّفة أن يجاوبها «المُغيث» :» تعي فرجينا انتي، ما فينا نجي»!
الاستخفاف الذي أبداه رجل الأمن «الساخن»، لا يختلف عن سلوك زملائه في المخفرين (برج البراجنة والمريجة)، اللذين لاذت بهما فاطمة لتقديم شكوى ضد خالها، الذي يتعرّض لها باستمرار بالضرب والإهانة والتهديد.

«كيف بترفعي دعوى ع خالك؟»، سألها أحد عناصر فصيلة الدرك في مخفر برج البراجنة عند اطلاعه على شكواها، قبل ان يطلب منها «ما عاد تيجي لندقلّك».
لا تخفي الفتاة العشرينية أنها لم تعاود الذهاب مباشرة الى المخفر وذلك «بسبب سوء المعاملة واسلوب المسخرة الذي لقيته هناك»، إلا أنها تؤكد أنها لم تهمل شكواها و«ضليت دق ما حدا ردّ»، لتفاجأ في ما بعد بأن الدعوى أُعيدت الى النيابة العامة بدون تحقيق.
الحجة الأبرز التي قالها عناصر المخفر أن «اليوم أحد»

الجدير ذكره أنه اذا جرى الاتصال بعناصر المخفر من دون أن يجيبوا (كما تقول فاطمة)، او في حال عدم اتصال العناصر بالمدعي للاستماع الى إفادته، يحق للمدعي أن يفتح تحقيقا لدى النيابة العامة التمييزية «لمعرفة الأسباب التي أدّت الى امتناع عناصر الضابطة العدلية من الاستماع الى شكواه»، وفق ما يؤكد المستشار القانوني ماجد فياض، لافتا الى أن الشكوى تعاد من دون تحقيق في حالات محددة، وتتمثل في تعذّر معرفة هوية المدعى عليه، او تعذّر الوصول اليه من خلال توقيفه او حضوره او إذا ما كانت هناك معلومات ضرورية لم تظهرها شكوى المدعى، وكان واجبا الاستماع الى المدعى عليه شخصيا، ان لم يكن له وكيل، وذلك لمعرفة حقائق وتفاصيل بالشكوى. ويؤكد فيّاض أنه في جميع الأحوال يحق للمدعي أن يقدّم طلبا جديدا الى النيابة العامة، يطلب فيه التوسّع في التحقيق.
لم تكن فاطمة لتصر على ملاحقة الدعوى، لولا معاودة خالها المدعو ع. س. (الأسبوع الفائت) ضربها ولكمها على وجهها، حتى «سالت الدماء منى وأغمي عليي». ذهبت الفتاة الى المسشفى العسكري وحصلت على تقرير طبيب يفيد بتعرّضها للضرب وتوجهت الى مخفر برج البراجنة لتدلي إفادتها، إلا أنها أُخبرت أن هذا التقرير ليس من طبيب شرعي، وأن عليها الانتظار حتى الغد كي تقدّم في النيابة العامة شكواها، علما أن فاطمة توجهت الى المخفر قبل انقضاء 24 ساعة، والقانون ينص على إمكانية فتح المحضر داخل المخفر «وخصوصا إذا كان هناك عنف أو إيذاء» وفق ما يلفت فياض، وبالتالي لا تكون هناك حاجة الى التواصل مع النيابة العامة الاستئنافية إلا إذا كانت هناك تعليمات بعدم فتح المحضر.
حجة «التقرير الشرعي» لا تبدو واهية فحسب، بل هي غير منطقية وقانونية، بحسب ما أكّد أحد الخبراء في القانون، لافتا الى إمكانية فتح المحضر بإيعاز من النائب العام الذي يكون في مكان عمله «حتى لو كان يوم أحد»، فالحجة الأبرز التي قالها عناصر المخفر أن «اليوم أحد»، على اعتبار أن العنف والتعرّض لأي تعد عليه أن يراعي أيام الإجازات!
المفارقة ان الخطا لا يكمن في القوانين ولا في النصوص التي تحكم هذه القضايا، ذلك أن المسؤولين (من ضمنهم الجهة المعنية مباشرة في قوى الأمن الداخلي) أكدوّا مخالفة هذه الإجراءات للقوانين المرعية الإجراء، ولفتوا الى ضرورة محاسبة هؤلاء العناصر. الخلل يكمن في «منهاجهم» المتبع، الذي يكاد يكون «طبيعيا»، هذا المنهاج يوحي بأن العناصر مطمئنون الى «وضعهم» من دون أن يخيفهم وجود طيف للرقابة حتى!
هديل...