«متفائل أم لا؟»سألتُ نائب وزير الخارجية السوري، الدكتور فيصل المقداد، فاعتذر عن عدم الإجابة. كررت السؤال، فكرّر الاعتذار؛ قال: التفاؤل أو التشاؤم يكشفان الآن المشهد الذي يتكوّن. وهو ينبغي أن يتكوّن، في مساراته البالغة الدقة، من دون أحكام مسبقة، ومن دون مؤشرات من شأنها أن تربك العملية السياسية الجارية.
حسناً؛ الحراك الروسي، إذاً، جادّ للغاية، وإلى الحدّ الذي يفرض الالتزام بالصمت إزاء التوقعات. لكن الخطوة الأولى من المبادرة الروسية واضحة ومحددة، بما يجعل كل ما يتسرّب مجرد آراء لا غير، وكل ما يُقال تحليلات، وربما رغبات، لا تستند إلى معطيات.

الخطوة الروسية الحالية، على أهميتها، تبقى في إطار ترتيب اجتماع سوري ــــ سوري في موسكو، يحضره وفد حكومي وشخصيات وطنية معارضة من الداخل والخارج؛ إطار لقاء وطني، وبلا جدول أعمال. سوريون يلتقون سوريين، ويناقشون الوضع في بلدهم، ومشكلاته، وما يتعرض له من مخاطر، ومستقبله. وفي هذا اللقاء الحرّ ليست هناك مرجعيات، لا «جنيف 1» ولا سواه. وعندما ننجز هذه الخطوة، وتتبلور وجهات النظر والتفاهمات الأولية، سيتم الانتقال إلى الخطوة التالية.
ماذا عن بيان «جنيف 1»، إذاً؟
الأصدقاء الروس ما زالوا يأخذون هذا البيان في الاعتبار، لكنهم متمسكون بتعديلين رئيسيين فرضتهما التطورات منذ 30 حزيران 2012، هما، أولاً، سيطرة الظاهرة الإرهابية التي باتت تهدد الإقليم كله والعالم، وثانياً، الانتخابات الرئاسية السورية ذات الصدقية في حزيران 2014؛ يعني ذلك أن المبادرة الروسية تنطلق من ثابتين أساسيين، داخليا، وهما خارج النقاش، (1) أولوية مكافحة الإرهاب، وتوحيد جميع القوى الوطنية السورية في المعركة ضد الإرهابيين، (2) شرعية الرئيس بشار الأسد، كرئيس منتخَب للجمهورية العربية السورية؛ وخارجيا، الثوابت الروسية معروفة: وحدة سوريا وسيادتها وأمنها ورفض التدخلات في شؤونها. وتحت هذا السقف، فإن النقاش مفتوح، بلا قيود، بين السوريين أنفسهم، ومن حق كل المشاركين في الحوار تقديم الاقتراحات التي يرونها مناسبة، وسيتم الحوار الجدي حولها.
هل هو موقف مشترك؟
يقول المقداد « نحن متفقون مع الرؤية التي يطرحها الأصدقاء الروس».
...
الملف السوري اليوم بين يدي الرجل القوي في الخارجية الروسية، نائب الوزير، ميخائيل بوغدانوف؛ وهناك الكثير من الأقاويل حول مقاربة مختلفة له إزاء سوريا؛ مقاربة انتقادية، بل ربما تبتعد، شيئا ما، عن الموقف الحاسم في دعم النظام السوري، لكلٍ من الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته، سيرغي لافروف. هل هو انقسام أم توزيع أدوار؟ وهل جرى تكليفه الملف لمشاركته المعارضين السوريين بعض مواقفهم؟
لا أساس لهذه الأقاويل بالطبع. هذه ليست الآلية التي تُصنَع فيها السياسات في موسكو. بوغدانوف يحاور ويسمع ويسعى للفهم؛ لكن، علينا ألا ننسى أن رؤية موسكو، بالأساس، تقوم على تسهيل اللقاء بين السوريين، وليس التدخل في شؤونهم. أما الموقف الروسي المبدئي، سواء عبّر عنه لافروف أم بوغدانوف، أو سواهما، فهو واحد: الحكومة القائمة في دمشق هي الحكومة الشرعية للجمهورية العربية السورية، وأي حوار يجري معها، فإنما يتم على أساس الاعتراف بهذه الحقيقة.
كانت زيارة الوفد السوري إلى موسكو «ممتازة» بتعبير المقداد. هو مرتاح، أيضاً، بالقدر نفسه لزيارة بوغدانوف إلى دمشق. الحلف السوري ــــ الروسي في الذروة، وبالنسبة للروس، فإنهم مستمرون بمساندة السوريين، بلا حدود، ومتمسكون بسيادة سوريا ووحدتها، ويرفضون، بحزم، مشاريع المناطق العازلة أو أي واقع تقسيمي، كما أظهروا، بوضوح وجدية كاملة، علناً وسراً، أن الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، غير مسموح بها.
لا يوجد تنسيق بين روسيا والولايات المتحدة في ما يتصل بمبادرة الحوار السوري ــــ السوري. لكن مصادر العاصمة السورية تؤكد على شيئين: أن الأميركيين على اطلاع على الحراك السياسي الروسي في هذا الشأن، وأنهم لا يعترضونه حتى الآن؛ ويمكن أن نؤكد أن موقفهم إزاء المبادرة الروسية يتلخص في كلمة «جرّبوا وسنرى»!
بالمحصلة، يمكننا أن نوجز الموقف كالتالي:
ــــ المعارضة السورية مدعوّة لحوار مفتوح حول الإصلاحات الممكنة مع الحكومة الشرعية السورية، تحت سقف الرئيس الشرعي للبلاد؛
ــــ الأولوية هي لتوحيد الجهود لمكافحة الإرهاب.
ــــ إن الحكومة السورية، كما قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الروسية، الكساندر لوكاشيفيتش، هي التي «تقوم بالجهد الأكبر في محاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط برمتها.» يعني ذلك أن روسيا تنظر إلى سوريا باعتبارها اللاعب الإقليمي الرئيسي في القضية التي تشغل العالم الآن، أي قضية مكافحة الإرهاب.
بروح إيجابية كالتي في دمشق، أختم بأنه آن الأوان، أخيراً، لكي تغتنم المعارضة السورية، فرصة قد لا تتكرر؛ المطلوب فقط التحلي بالواقعية والتواضع والحكمة.