رغم عدم صدور بيان مشترك عن اللقاء الذي جمع جون كيري وبنيامين نتنياهو، ورفض الأخير الإفصاح عمّا اتفقا عليه، بعد لقاء استمر ثلاث ساعات، حول خيار استخدام الفيتو الأميركي، فإن المؤكد أن الولايات المتحدة لن تسمح بفرض أي تسوية على إسرائيل، حتى لو كانت غير راضية عن بعض أداء نتنياهو على المسار الفلسطيني. كذلك إن فرضية كون الولايات المتحدة تقف وراء المشروع الفرنسي، تشير إلى أن واشنطن تريد الضغط على نتنياهو، لكن ذلك لا يعني أنها في سياق تغيير دراماتيكي إزاء السياسة الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية، علماً بأن الولايات المتحدة كانت، وما زالت، قادرة على فرض أي تسوية على إسرائيل لو أرادت ذلك.
اهتمام نتنياهو الاستثنائي بما يدور في أروقة مجلس الأمن ليس أمراً مختلقاً أو مبالغاً به، بل يندرج ضمن الأولويات الإسرائيلية. إذ ترى حكومة نتنياهو أن عليها إحباط ما تسميه هجوماً سياسياً على الجبهة الدولية، وترى فيه محاولة لإجبار إسرائيل على خيارات سياسية تتعارض مع ثوابتها التي تهدف إلى تكريس المراوحة الميدانية والمحافظة على الوضع القائم.
مع ذلك، تأتي زيارة نتنياهو إلى روما في ذروة الانتخابات العامة في إسرائيل، وبالتالي من الصعب فصل الاعتبارات الانتخابية عن أداء نتنياهو وصياغة مواقفه ومحاولة توظيفها في التنافس الداخلي. ويمكن القول إن نتنياهو أمام خيارات سيعمل على توظيف كل منها لمصلحته في الانتخابات.
وفقاً لفرضية الاتفاق على استخدام الولايات المتحدة للفيتو من أجل حماية إسرائيل، فإن ذلك سيلغي مفاعيل اتهامات منافسيه بأنه سبّب تدهور العلاقات مع واشنطن. ويكون نتنياهو قد أثبت أن بالإمكان التمسك بالمواقف الأيديولوجية والإصرار على المصالح الأمنية الاستراتيجية وفي الوقت نفسه، الفوز باستمرار الاحتضان والدعم الأميركي. والأمر نفسه ينسحب على أي صيغة أخرى يتم فيها تجنيب إسرائيل قرارات دولية حادة وملزمة لها. ووفقاً لفرضية السيناريو الأسوأ، عبر استصدار قرار دولي يفرض على إسرائيل صيغة تسوية ضمن مدة زمنية محددة، سيعمل نتنياهو في هذه الحالة، على توظيفه أيضاً عبر الترويج لمقولة أن الدول الغربية الكبرى تتدخل في الانتخابات الإسرائيلية، وتحاول التأثير في الرأي العام لمصلحة منافسيه. وهو ما قد يترك ردود فعل جماهيرية يراهن عليها نتنياهو. خاصة أن الشعار الذي سيعمل على ترويجه أنه الوحيد القادر على الصمود في مواجهة الضغوط الدولية.
على خط مواز، يكشف الحراك السياسي الفلسطيني والإسرائيلي، وما يواكبها من مواقفها، عن حقيقة أن الأطراف المعنية تجتمع على مصلحة الحفاظ على وهم الرهان على التسوية، كل لأسبابه وبحسب ظروفه.
من الصعب فصل الاعتبارات الانتخابية عن أداء نتنياهو


من جهة تحتاج السلطة، برغم انتقاداتها الدائمة للموقف الرسمي الإسرائيلي، للمحافظة على هذا الوهم، لأن الإقرار والكشف عن حقيقة الواقع يعني بالضرورة أن على الشعب الفلسطيني البحث عن بدائل أخرى لانتزاع حقوقه، وفي هذه الحالة لن يجد أمامه سوى المقاومة.
في المقابل، تحتاج إسرائيل، حتى بنسختها اليمينية، للحفاظ على هذا الوهم أيضاً، للسبب نفسه الذي يهم السلطة الفلسطينية، خاصة أنه سيترتب على الإقرار بانعدام إمكانية التوصل إلى تسوية تحظى برضا الطرفين، تداعيات تتصل بالأمن الإسرائيلي. وتكون إسرائيل كمن حشرت ودفعت كل الشعب الفلسطيني بنفسها نحو خيار المقاومة. أضف إلى أن الضريبة الكلامية الإسرائيلية عن التسوية والحلول الوسط أمر مطلوب في ظل الموقف الدولي الداعي إلى ضرورة التوصل إلى تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وكان نتنياهو قد كشف، بنفسه، عن إجرائه اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وطالبه بسحب المبادرة الفرنسية التي يقودها وزير الخارجية لوران فابيوس، في الأمم المتحدة. وفيما لم يفصح نتنياهو عن الرد الفرنسي على طلبه، إلا أنه أوضح أنه أبلغ هولاند أنّ المبادرة الفرنسية سلبية، وتؤدي إلى نتائج عكسية.
مع ذلك، الواضح أن أحد منابع القلق الأساسية للقيادة الإسرائيلية، يكمن في تحديد مدة زمنية محددة وقصيرة للمفاوضات المفترصة من أجل التوصل إلى تسوية. ويعود ذلك إلى تعارضه مع الاستراتيجية التي تقوم على المفاوضات المفتوحة التي تظلل سياسات اسرائيل الاقليمية. إذ وفق التجارب الممتدة على مسافة 20 سنة منذ اتفاق اوسلو، كانت المفاوضات هي العنوان والشعار الذي ظلَّل سياسة التمدد الاستيطاني واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني.
وكان نتنياهو قد وصف المحادثات مع كيري بالجدية والمعمقة، مشيراً إلى أن اللقاء تناول العديد من القضايا، بما فيها إيران وسوريا والحرب على «داعش»، إضافة إلى نقاش احتل وقتاً طويلاً في الموضوع الفلسطيني. وأعرب نتنياهو عن تقديره الكبير للجهود التي يبذلها كيري من أجل منع التدهور في المنطقة. وشدد نتنياهو، كما أعلن، في اللقاء على أن محاولات الفلسطينيين والدول الأوروبية للإملاء على إسرائيل ستؤدي فقط إلى تدهور الوضع في المنطقة وتعرض إسرائيل للخطر وسنعارضها بشدة.
في السياق نفسه، استل نتنياهو ورقة التهديد بالخطوات الأحادية المضادة إذا توجه الفلسطينيون إلى مجلس الامن او المحكمة الدولية في لاهاي، مشدداً على أنه سيترتب على ذلك «آثار تدميرية». وأضاف أن اسرائيل تحتفظ لنفسها بحرية العمل والوسائل المتاحة. ايضاً، تناول وزير الاستخبارات يوفال شطاينتس، الموضوع نفسه بالقول إن «الخطوات الفلسطينية تفرض رداً اسرائيلياً ملائماً»، مشيراً إلى أنه «قبل نحو سنتين، عندما اندفع الفلسطينيون في خطوات معادية لإسرائيل في الأمم المتحدة، أوقفت كوزير للمالية نقل أموال الضرائب إلى السلطة».
في السياق، انتقد وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، سياسة نتنياهو، مشدداً في الوقت نفسه على أن «دولة إسرائيل لن تقبل إملاءات من الفلسطينيين». لكنه أضاف أن على إسرائيل تقديم مبادرة سياسية لكبح الجهود السياسية التي يبذلها أبو مازن. ووصف ليبرمان الدول الأوروبية بأنها «كمن يقرب الكبريت المشتعل الذي يمسك به بيده إلى مواد متفجرة». ورأى أن ذلك لا يساعد أحداً، وإنما يتم ذلك من خلال مصالح سياسية واجتماعية داخلية، بفعل النتائج السيئة التي ستجري هنا في الشرق الأوسط».
وأوضح ليبرمان أن على إسرائيل أن تطرح مبادرة على الجبهة السياسية، مشيراً إلى أن «كل هذه المسارات، التي تنضم إلى مسارات مشابهة أخرى التي جزء منها نفذ وأخرى على وشك التنفيذ، هي جزء من مسار منظم ومخطط له يستهدف وضع إسرائيل أمام حقائق»، ووصف هذه الخطوات بأنها «هجوم سياسي علينا مواجهته بحكمة وحزم، علينا تقديم مبادرة سياسية مضادة».
مع ذلك، شكك ليبرمان بفرصة أن يتمكن الفلسطينيون بتحقيق اعتراف وتغيير فعلي للوضع القائم». وأضاف أن «أي محاولة للفلسطينيين للاستعانة بجهات دولية من أجل أن يفرضوا علينا الحل الملائم لهم، ستؤدي فقط إلى تدهور الوضع في المنطقة بنسبة أكبر». وأكد ليبرمان أن «الخطوات الأُحادية للفلسطينيين، سترد عليها إسرائيل بخطوات نوعية في الميدان وعلى الساحة الدولية».
ورأى ليبرمان أن عدم وجود مبادرة إسرائيلية سيؤدي إلى تدهور مكانتنا في الساحة، وستمس بعلاقاتنا مع أصدقائنا في العالم الغربي ولن تسمح لنا بالحفاظ على الأمور المهمة لنا». وحذر من أن «الوقوف في المكان يشكل خطراً على إسرائيل، ولفت إلى أنه في الوقت الذي نحن مشغولون فيه بالانشقاقات والاتحادات الحزبية، العالم لا ينتظرنا ويتقدم بمسارات تعرضنا للخطر».