الجزائر | بوادر أزمة تلوح في أفق العلاقات الجزائرية السعودية بعد سنوات من الهدوء الذي طبع العلاقات بعد أزمة التسعينيات حين اتهمت الجزائر الرياض بدعم الإسلاميين في حربهم ضد النظام القائم.الأزمة الجديدة سببها تصريحات للأمين العام لحزب «جبهة التحرير الوطني» الحاكم، عمار سعداني، الذي هاجم صراحة السعودية، واتهمها بأن انخفاض أسعار النفط «مؤامرة من الغرب تنفذها السعودية بهدف تركيع 5 دول، هي الجزائر وإيران وروسيا ونيجيريا وفنزويلا».

ودعا سعداني، في كلمة له في تجمع شعبي نهاية الأسبوع الماضي، كل الأحزاب السياسية والشعب الجزائري إلى «حماية الوطن من مؤامرة غربية تنفذها السعودية، وذلك بخفض أسعار النفط لتجويع شعوب هذه الدول، التي لم يتمكن الغرب من التدخل فيها عسكرياً»، وتابع متسائلاً عن «سر هذا الانخفاض، في وقت كان يجب أن ترتفع فيه، بالنظر إلى ما يحدث من حروب في عدة مناطق حساسة».
وتكشفت تصريحات الحزب الحاكم عن ضعف نظرة الساسة والمسؤولين الجزائريين للمستقبل، باعتمادهم على المداخيل البترولية دون البحث عن بديل، رغم الاحتياطي الضخم من العملة الصعبة الذي تمكنت الجزائر من جمعه والمقدر بأكثر من 200 مليار دولار، الأمر الذي أدى إلى تخوفات من مصير مجهول يهدد البلاد. وراح الحزب الحاكم بدل البحث عن مخرج لأزمة تراجع أسعار النفط، إلى تحميل السعودية مسؤولية الأزمة الاقتصادية والمالية التي تواجهها الجزائر، باتهامها بالتآمر لإسقاط النظام وزعزعة استقرار البلاد بـ«العمل على تجويع الجزائريين»، في سابقة يصفها المراقبون بـ«الخطيرة»، التي قد تؤدي إلى أزمة ديبلوماسية كالتي شهدها البلدان سنوات التسعينيات حين اتُّهمت السعودية بدعم الجماعات الإسلامية والإرهاب في الجزائر. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بعد أن تحركت الرياض لمعرفة دوافع تصريحات سعداني. وذكرت مصادر جزائرية مسؤولة لـ«الأخبار»، أن «السلطات السعودية طلبت من مصالحها الدبلوماسية في الجزائر الحصول على توضيحات وتفاصيل تتصل بهذه الاتهامات الصادرة عن المسؤول الأول في حزب يمثل الواجهة السياسية للسلطة»، مشيراً إلى أن «هذه الاتهامات تشكل حالة من الالتباس السياسي في المواقف الرسمية للجزائر إزاء السعودية، ويشوش على مواقف الاحترام المتبادل بين البلدين، ويطرح أكثر من سؤال عما إذا كان سعداني يستند في تصريحاته إلى «أحاديث صالونات السلطة وتوصية سياسية، أو مجرد تحاليل شخصية»، خاصة أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حريص على العلاقة الجيدة مع السعودية بالنظر إلى ثقلها السياسي والاقتصادي العربي».
وكشف المصدر أن الدوائر القريبة من الرئاسة والهيئة المديرة للشأن الدبلوماسي في الجزائر، محرجة أيضاً من تصريحات سعداني المحسوب على السلطة، خاصة أن الرئيس بوتفليقة سبق أن نبه إلى أن السياسة الخارجية للجزائر شأن واختصاص حصري لرئيس الجمهورية وحده.
وكشف المسؤول المقرب من الرئاسة الجزائرية لـ«الأخبار»، أن وزير الدولة مدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، التقى السفير السعودي لدى الجزائر، محمـود بن حسيـن قطان، في مقر الرئاسة لأكثر من ساعة، للاستفسار عن تصريحات الأمين العام للحزب الحاكم. ولفت المصدر إلى أنه «رغم أن الحادثة لم تصل إلى مستوى أزمة ديبلوماسية بين الجزائر والرياض، باعتبار أنها صدرت عن مسؤول سياسي لا يشغل أي منصب رسمي، إلا أنها حركت الدبلوماسية السعودية بقوة، التي احتجت على الجزائر سراً»، مبرزاً أن «السفير السعودي في الجزائر لم يقتنع بتبريرات مدير ديوان الرئاسة احمد أويحيى».
غير أن التصريحات والاتهامات الجزائرية الموجهة للسعودية، تطرح التساؤل عن مدى تأثيرها في اقتصاد البلدين، على اعتبار أن وزير التجارة والصناعة السعودي، توفيق بن فوزان الرابية، لدى زيارته للجزائر أخيراً، قال إن رجال الأعمال السعوديين مستعدون لاستثمار أكثر من ملياري دولار خلال أربعة أشهر في الجزائر، مؤكداً أن الطرف السعودي يتطلع لرفع حجم المبادلات التجارية بين البلدين. وقابله حينها وزير المالية الجزائري محمد جلاب، بالقول إن البلدين عازمان على تنويع علاقاتهما الاقتصادية عبر تطوير الاستثمارات السعودية في الجزائر، وتمتين العلاقات بين رجال الأعمال السعوديين والجزائريين، مشيراً في خصوص تراجع أسعار النفط، إلى أن الاقتصاد الجزائري تمكن خلال السنوات الماضية من تكوين آليات قادرة على التصدي للصدمات الخارجية، إلا أن انعكاسات هذه الأوضاع على السوق تبقى قائمة.
من جهته، نفى الناطق الرسمي للحزب الحاكم، السعيد بوحجة، في تصريح لـ«الأخبار»، ما جرى تداوله أخيراً بشأن تلقي المكتب السياسي للحزب مراسلة واستفسار من طرف السعودية، على خلفية التصريحات التي أدلى بها سعيداني. وشدد بوحجة على أن موقف سعداني سياسي وليس موقف دولة، ولفت إلى أن الخطاب لم يكن بقصد توجيه اتهامات للسعودية بقدر ما كان تنبيهاً صريحاً للشعب حول الأخطار التي تحيط بالجزائر، بعد أن عرفت أسعار البترول تراجعاً، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقود إلى حالة من الغليان، في ظل الحديث عن احتمال تخلي الحكومة عن المشاريع الكبرى، والتقليل من الرواتب.
وأشار إلى أن الجزائر تربطها علاقات أكثر من طيبة مع السعودية، بحكم المشاريع المجسدة بين البلدين، وأكد أنه «لا داعي لخلق أزمة بين البلدين».