لن تمضي نهاية العام الجاري من دون أزمة تنشب على خلفية القِدَم الاستثنائي لترقية (الترقيات الاستثنائية) ضباط الجيش والأجهزة الامنية. هذه المكافأة تُمنَح لضباط محددين، لتتيح لهم الحصول على الترقية إلى رتبة أعلى من تلك التي هم فيها، قبل الموعد الرسمي. بدأ التعطيل هذا العام من مجلس قيادة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، على خلفية رفض منح القدم الاستثنائي لضباط من فرع المعلومات ومن قطعات أخرى، ليتحول النزاع إلى مذهبي وطائفي. وبعد عجز مجلس قيادة الأمن الداخلي عن الاتفاق، قرّر رئيس الحكومة وفريق تيار المستقبل في مجلس الوزراء تعطيل مراسيم القدم الاستثنائي لضباط الجيش والأمن العام.

في الجيش، لا يزال المعنيون «يغضون الطرف» عن العرقلة الحكومية من خلال القول إن اللجنة المختصة بمكافأة الضباط في المؤسسة العسكرية لم تنهِ عملها بعد. لكن الواقع أن القرار السياسي يعطّل إصدار أي مرسوم في هذا الخصوص، إلا إذا تساوى ضباط جميع الأجهزة.
سلام والمستقبل يرفضان مكافأة ضباط الجيش والأمن العام من دون الأمن الداخلي

وبذلك، اقتصر توقيع المراسيم على الترقيات العادية، بعدما التزمت كل الأجهزة ما قررته قيادة الجيش لناحية اعتماد مدة 4 سنوات و6 أشهر لترقية الضباط من رتبة مقدم إلى رتبة عقيد (القانون ينص على قضاء الضابط 4 سنوات كحد أدنى في رتبة مقدم قبل ترشيحه للترقية إلى رتبة عقيد، فارتأت قيادة الجيش إضافة 6 أشهر على الحد الأدنى بهدف خفض عدد ضباط الرتب العالية).
الأزمة في الأمن الداخلي تعود إلى عام 2006. ضباط في المديرية (غالبيتهم في فرع المعلومات) يدفعون ثمن النزاع السياسي الذي يتحكّم بقيادة المديرية. والحديث هنا ليس عن كبار الضباط (رتبتَي عقيد وعميد) الذين بإمكان المدير العام وحده اقتراح منحهم قدماً استثنائياً وترشيحهم للترقية، بل عن الضباط ذوي الرتب المتوسطة والدنيا، الذين يتولون العمل الأمني الحقيقي في مجال مكافحة الإرهاب، أو مكافحة التجسس الإسرائيلي ابتداءً من عام 2009. والكثير من هؤلاء يقومون بعملهم من دون أن تكون لهم أي صلة بالتبعية السياسية لقيادة المديرية أو لرئيس فرع المعلومات. وبعضهم تولى تفكيك شبكات إرهابية، ابتداءً من نهاية عام 2005 (من مجموعة الـ13 وعين علق والشبكات التي تولّت تفجير عبوات ناسفة بدوريات اليونيفيل ومجموعات إقليم الخروب ومجموعة عبد الغني جوهر، وصولاً إلى ملاحقة خاطفي الاستونيين عام 2011، ثم ملاحقة جزء من المجموعات التي عملت على تنفيذ عمليات تفجير العام الماضي). لكن مجلس القيادة انقسم طائفياً وسياسياً حيال هذا الأمر، فجرت المطالبة بالمساواة المذهبية والطائفية بين الضباط المنوي مكافأتهم، واقتُرح أن يكون عدد الضباط متساوياً بين السنّة والشيعة والمسيحيين، قبل أن يعترض بعض أعضاء مجلس القيادة على هذه القسمة التي تثبت برأيهم نوعاً من «المثالثة»، وطالبوا بأن تكون المناصفة معياراً عددياً في هذا الملف. وفي النهاية، لم يتفق مجلس القيادة على لائحة واحدة يرفعها إلى وزارة الداخلية، فتعطلت مراسيم «المكافأة» في الجيش والأمن العام أيضاً. ماذا يعني ذلك؟ لا شيء سوى أن الدولة تعجز عن مكافأة ضابط من الأمن العام كاد يدفع حياته ثمناً لمحاولته توقيف انتحاري في فندق «دو روي»، أو ضباط من الجيش شارفوا على الاستشهاد وهم يقاتلون الإرهاب في عرسال، أو ضباط من الأمن الداخلي لا يزالون يعانون إلى اليوم من الجروح التي أصيبوا بها في مواجهة الإرهابيين في شارع «المئتين» بطرابلس عام 2007، أو خلال ملاحقتهم لخاطفي الاستونيين قبل 3 سنوات.