دمشق | خلال الموسم الرمضاني الفائت، قدّمت المنتجة اللبنانية رولا تلج تجربةً عربيةً مشتركة عبر مسلسل «حلاوة الروح»، ترتكز على الحدث السوري الراهن بمشاركة نجومٍ سوريين وعرب. ورغم أنّ الأحداث تدور بمعظمها ضمن الأراضي السورية، إلا أنّ التصوير الذي تمّ تحت إدارة المخرج شوقي الماجري، جرى خارج سوريا. ولعلّ ذلك أحد أسباب التكاليف الباهظة للعمل التي دفعت صاحبة شركة «مون آند ستارز» إلى الاستعانة بشركاء آخرين في الإنتاج.
ربما هذا ما دفع تلج لسلوك طريقٍ أكثر جدوى من الناحية الإنتاجية، بينما ما زالت تضع عينها على الدراما السورية في موسم 2015. إذ عرضت الشراكة أخيراً مع «مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» السورية (جهة حكومية) لإنتاج مسلسل «حرائر» (تأليف عنود خالد، وربما سيكون من إخراج باسل الخطيب)، وتصويره في سوريا. هذا الخبر يفتح باب التساؤل عما إذا كانت الحكومة السورية تمنح تسهيلات لمنتجين عرب للتصوير على أراضيها في ظل الظروف الحالية. توجهنا بسؤالنا لنائب رئيس «لجنة صناعة السينما والتلفزيون» عامر جبارة. أكّد لنا الأخير أنّ هذا النوع من التسهيلات لم يتوقف، وهو مماثل للتسهيلات التي تُمنح لأي مُنْتِج سوري لو كان النص مجازاً من الرقابة في وزارة الإعلام. لكن هل استعادت الشام عافيتها كموقع تصوير رغم أخطار الحرب؟ يجيب عبد الرزاق حوراني (مدير إدارة إنتاج «باب الحارة») لـ «الأخبار»: «ما زالت هناك مناطق لا يمكن التصوير فيها، كالغوطة وريف الشام، وبعض أحياء العشوائيات، لكن ثمّة بدائل في المقابل»
في 2013، وبسبب الأوضاع الصعبة التي تشهدها سوريا، نقل منتجون وفنّانون، وفنيّون سوريّون نشاطهم إلى لبنان، ودولٍ عربيةٍ أخرى. كانت البداية بـ «سنعود بعد قليل» (تأليف رافي وهبي، إخراج الليث حجّو)، و»الولادة من الخاصرة 3» (تأليف سامر رضوان، إخراج سيف الدين سبيعي ورشا شربتجي ــ كلاهما إنتاج «كلاكيت») و»حدود شقيقة» (تأليف حازم سليمان، إخراج أسامة حمد، إنتاج «فردوس دراما»)، و»العبور» (تأليف وإخراج عبير إسبر، إنتاج شركة «الريف») وتم تصوير «حمّام شامي» (تأليف كمال مرّة، إخراج مؤمن الملّا، إنتاج «المهرة») في أبوظبي. كل جاء ضمن ما سمّي بظاهرة الإنتاجات العربية المشتركة بين لبنان، الإمارات، ومصر، بمشاركة وجهود فنّانين وفنيين سوريين. لكنّه أيضاً أثرّ في الدراما السوريّة التي يتم إنتاجها، وتنفيذها داخل البلاد، إذ باتت تكافح للفوز بفرص عرض لائقة ومجدية ماديّاً، على محطّات عربية كبرى خلال الموسم الرمضاني. إذ كانت الأفضلية «للمسلسلات الخليجية أولاً، تليها المصرية، ثم العربية المشتركة، وتأتي في آخر القائمة الأعمال السوريّة، إن بقي لها مكان أساساً، وغالباً ما يختار المسلسل الشامي كـ»تحلاية رمضان» كما يقول صلاح طعمة (منتج فني لصالح شركة «إيبلا»).
رغم ذلك، تبقى سوريا ــ قبل الحرب وخلالها ــ الأوفر من حيث التكاليف الإنتاجية، والأكثر تميزاً بالنسبة إلى التسهيلات الممنوحة لطواقم العمل بحسب شهادات ثلاثة من أصحاب الخبرة في هذا المجال: عبد الرزّاق حوراني (ما زال يعمل في دمشق)، وصلاح طعمة الذي يتركز نشاطه حالياً في القاهرة (خاض سابقاً تجربة الإنتاج لأعمال سورية، أو عربية، داخل البلاد وخارجها بين مصر، ولبنان، والإمارات)، وفراس العمري (مدير إدارة إنتاج «بنت الشهبندر» الذي بدأ تصويره في لبنان ـ تأليف هوزان عكو، إخراج سيف الدين سبيعي، إنتاج «أم آر 7»)، كما أدار عمليات الإنتاج في لبنان لمسلسلات عدة.
تزيد النفقات الإنتاجية لأي مسلسل يصوَّر خارج سوريا بنسبة 70% تقريباً، والمقصود نفقات الطعام، التنقلات، أجور المعدّات، والكومبارس، وخلافه. مثلاً، أجرة أي كومبارس سوري لا تتجاوز 5 دولارات لليوم الواحد، بينما تصل في لبنان إلى 60 دولاراً، وأجر الكاميرا في سوريا 100 دولار، بينما هو 750 دولاراً في لبنان في اليوم. مقارنات قدمّها لـ «الأخبار» كلٌ من عامر جبارة، وعبد الرزاق حوراني. ويرى صلاح طعمة إن مسلسل مثل «قلم حمرة» (تأليف يم مشهدي، إخراج حاتم علي، إنتاج «إيبلا») الذي صوِّر في لبنان العام الفائت، كان ممكناً خفض ميزانيته من 40 إلى 50% لو أُنجز كاملاً في سوريا. الجزءان السادس والسابع من «باب الحارة» (تأليف عثمان جحى وسليمان عبد العزيز، إخراج عزّام فوق العادة، الإشراف العام لبسّام الملّا، شركة «ميسلون»)؛ صوِّرا بالكامل في الشام عام 2014. طُرحت سابقاً فكرة إعادة بناء استوديو «الحارة» في أبوظبي، بعدما خسر فريق العمل موقع «القرية الشامية» بسبب سيطرة المعارضة المسلحة على المنطقة (استعادها الجيش السوري منذ فترة). لكنّ عبد الرزاق حوراني مدير إدارة إنتاج العمل أقنع الملّا بالتراجع عن هذا الخيار، وإعادة بناء الحارة في مدينة «الفارس الذهبي» في منطقة يعفور (قرب دمشق). يكشف لـ «الأخبار» بأن التكاليف كانت «ستتضاعف أربع مرّات لو بنيت في أبوظبي، بينما ستبلغ الضعف في لبنان، بسبب غلاء المواد، وتكاليف اليد العاملة، مقارنةً بالشام».
مقارنة أخرى يقدّمها صلاح طعمة لـ «الأخبار» تتعلق بمسلسل «نابليون والمحروسة» (تأليف عزة شلبي، إخراج شوقي الماجري، إنتاج «إيبلا») الذي كان مقرراً تصوير 50% منه على الأراضي السورية. تم إلغاء هذا الخيار، فنُقل التصوير بالكامل إلى مصر، بسبب الظروف في سوريا، ما أدى إلى زيادة تكاليف العمل بنسبة 35% طالت النفقات (ملابس، أكسسوار، ديكور، مجازفين، مواصلات وخلافه). يوضح طعمة أن أعراف المهنة تختلف في المحروسة عنها في سوريا، فـ «عدد الكادر الفني المرافق للعمل في مصر قد يصل إلى الـ 150 شخصاً، بينهم مساعدو النجوم، وهذه عادات لا تخدم جودة العمل في شيء، بينما يكون مجمل عدد كادر العمل السوري بين الـ 45 و60 شخصاً بحسب نوعه».
لا تتوقف الخسائر باستبعاد خيار التصوير في سوريا على الجوانب المادية فقط. وفق فراس العمري، «ما زالت الشام توفر جميع أماكن التصوير التي قد تخطر في بال أي منتج، وفي أكثر من مكان، وفي جميع الحقب الزمنية»، وهو ما يتفق معه صلاح طعمة قائلاً: «تعتبر سوريا من أهم وأميز مواقع التصوير لمختلف أنواع الإنتاجات الدرامية (سوريّة، مصريّة، أو عربيّة)، التاريخيّة أو المعاصرة، لما تمتلكه من تنوع بيئي وجغرافي». ويضيف طعمة من خلال تجربته المصرية: «هناك صعوبات عدة هنا، تتعلق بالجغرافيا التي لا تساعد في مصر. وإن ساعدت، فهناك بيروقراطية كبيرة تعترض استصدار الموافقات والتسهيلات اللازمة، بالإضافة إلى أن القاهرة مزدحمة، ولا يتوافر فيها مناخ للتصوير الصحيح، وأغلب الأعمال تصوّر في استوديوهات مغلقة، أو أماكن مخصصة لذلك». ويستدرك: «لبنان يتميّز عن سوريا بالمواقع الصالحة لتصوير الأعمال المعاصرة، ولكن بمساحة جغرافية محدودة، مركزها بيروت». وليد سلمان (مدير موقع Bostah الإلكتروني)، وأحد متابعي الشأن الدرامي السوري يعقّب على كلام العمري وطعمة، قائلاً لـ «الأخبار»: «ربما يقول قائل إن سوريا التي نعرفها، بجمالها، وغنى آثارها، واتساع رقعتها الجغرافية، لم تعد كما كانت بسبب الحرب. لكن ثمّة مواقع جميلة ما زالت تسهم في إغناء المشهد البصري، وتبرز مثلاً في خيارات المخرج باسل الخطيب لمواقع التصوير في أفلامه الأخيرة التي صوّرها خلال الأزمة السورية».
أجر الكاميرا 100 دولار في
سوريا، و750 في لبنان


إلى جانب ما تقدّم من شهادات عن الخسائر، يبرز سؤال آخر: مَنْ هم الرابحون من خيارات التصوير خارج سوريا؟ يتفق عبد الرزّاق حوراني، وفراس العمري، وصلاح طعمة، على أن أكثر الرابحين هم نجوم الصف الأول من الممثلين السوريين، وبعض الفنيين الذين ازدادت أجورهم بمعدّل النصف خارج البلاد. لكن كلّهم خاسرون على المدى البعيد بحسب سمير عرابي (مدير تصوير، عاد إلى العمل في سوريا حالياً). يقول عرابي لـ «الأخبار»: قد يكون بعض الممثلين، والفنيين السوريين (وهم قلّة)، قد أفادوا خلال هذه المرحلة من حيث زيادة أجورهم. لكن لاحقاً، لن يبقى لهم مكان. سيصبح هناك نجومٌ وفنيون لبنانيون معروفون، بالإفادة من احتكاكهم بالخبرات السورية، وهذا حدث سابقاً في مصر. وبعد سنتين أو ثلاث، سيكون مآلنا في هذه المهنة سيئاً جداً». لكن كيف سيتمكن المنتجون السوريون (إذا عزلنا أخطار الحرب، والتداخلات السياسية)، في إقناع عددٍ من نجوم الدراما السورية بالعودة للعمل في البلاد بأجور أقل مما يتقاضونه، في الخارج، خصوصاً أن هناك من يتحدث عن أرقام «فلكية» بدأ يتقاضاها بعضهم؟ يجيب صلاح طعمة: «لا تصدّقوا لعبة الأرقام المتداولة، فمعظم النجوم السوريين يتقاضون أجوراً منطقية في مصر كتيم حسن، كندة علّوش، قصي خولي، مكسيم خليل. لكن يبقى جمال سليمان استثناءً في هذا المجال». ويضيف طعمة: «معظم من عَمِلتُ معهم من نجوم سوريا، يبدون استعدادهم للمشاركة في أعمال سورية جيدة، بأجور أقل تتناسب مع أوضاع البلاد». تلك النوايا الطيبّة، لمسها فراس العمري، وعبد الرزّاق حوراني، لدى نجوم الدراما السوريّة الذين يحصدون نجاحاتهم اليوم في الخارج، وربما يؤيد هذا الكلام عودة سلوم حدّاد للعمل في سوريا، ونسرين طافش (يشاركان في بطولة «في ظروف غامضة» من تأليف فادي قوشقجي، إنتاج «سما الفن»)، وقبلهما باسم ياخور (شارك في «بقعة ضوء 10» في الموسم الفائت).




الأعلى أجراً بين النجوم

تشير مصادر عدة إلى أنّ معدّل أجور نجوم الصف الأّول في سوريا اليوم يراوح عموماً بين الـ 30.000 و 100.000 دولار، (وصل أجر بعضهم على تعاقدات الموسم الجديد إلى 150000) بينما يبلغ الأجر الأعلى للنجمات الأول 70.000 دولار. ومن النجوم الأعلى أجراً داخل سوريا: بسّام كوسا، أيمن زيدان، عبّاس النوري، ومصطفى الخاني. وأعلاهنّ أجوراً للنجمات: سلاف فواخرجي، كاريس بشّار، أمل عرفة، ميسون أبو أسعد، وديمة قندلفت.