لا يزال الحلفاء المسيحيون بعيدين تماما عن الحوار الدائر بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. لا يطلعون على مساره، ولا يُسألون رأيهم في الافكار والخيارات المتداولة. ما خلا نذرا يسيرا لا يسمن ولا يغني، بالكاد يعرف حزب الكتائب وتيار المردة والمسيحيون المستقلون في قوى 14 آذار ماذا يجري بين المتحاورين. يبدو اولئك مستبعدين. لم يُدعوا اليه، ولا اظهر المتحاوران اهتماما بجعلهم ــ وان من بعيد ــ شركاء فعليين في ما يناقشان، برغم انهم اطراف اساسيون في المحور الرئيسي الذي يقاربان، وهو انتخابات رئاسة الجمهورية. بين هؤلاء ايضا مرشحون طبيعيون وآخرون محتملون للاستحقاق، شأن ترشح الرئيس ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، اللذين يتمسكان بخوضهما الانتخابات ما داما الى طاولة التفاوض، ولم يتفقا على احدهما او على خيار ثالث. على ان الخيار البديل في حساباتهما لن يكون بالتأكيد من حلفائهما.
يشجع الرئيس امين الجميل مساري الحوارين السنّي ــ الشيعي، والماروني ــ الماروني، الا انه يضع هدفا لكل منهما يقتضي ان يخرجا منه بتحقيقه، كي يكون الحوار في هذا الفريق او ذاك ادى المتوخى منه، وامسى مجديا واوجد حلولا لمشكلات رئيسية عالقة. يقول: «ما يهمنا من الحوار هنا او هناك هو استعادة اللبنانيين القرار السيد، ولا سيما قرار السلم والحرب، وما يتبع ذلك من خطوات تؤدي الى تحقيق ذلك، وبالضرورة نفسها انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن. على الافرقاء جميعا ان يعلموا اننا دخلنا جميعا في المنطقة الحمراء التي هي دائرة الخطر على الكيان والدولة، ما يقتضي تدارك الاخطار والتهديدات التي نتلقفها. بمقدار تمكن المبادرات والحوارات الدائرة من تحقيق هذه الاهداف، في وسعنا القول ان الحوار مجد. طبعا ترمي هذه الحوارات الى تهدئة الاحوال ومعالجة بعض المشكلات اليومية، وخصوصا بالنسبة الى الحوار السنّي ـ الشيعي. الا ان القلق يكمن في سبل ايجاد وسائل مواجهة هذا الكمّ من الاخطار والتهديدات والاستحقاقات. المطلوب موقف يتصدى للبّ المشكلة لا لقشورها. ترحيبنا بهذه الحوارات لا يقلل من رجائنا في ان يهبط الوحي على الافرقاء المعنيين لانتشال البلد من الوضع الخطير الذي يتخبط فيه».
على ان رئيس حزب الكتائب يرى حل مشكلة الاستحقاق ابسط بكثير من التعقيدات التي يحوطونه بها، دونما التذرع دائما بعراقيل اقليمية او دولية تقف في طريق انتخاب الرئيس. يقول ان انتخاب رئيس الجمهورية يرتبط بالواجب الدستوري الذي يحتم ذهاب النواب جميعا الى مجلس النواب وتأمين النصاب القانوني والاقتراع للرئيس.
لا يتحمّل مسؤولية الشغور إلا النواب الممتنعون عن حضور جلسات الانتخاب


يضيف: «لا اريد القاء الكرة في هذا الملعب او ذاك، عند هذا الطرف الاقليمي والدولي او ذلك، بل ما يعنيني تماما هو تأمين نصاب انتخاب الرئيس. ما يعطل اكتمال النصاب هو الغياب المتعمد لنواب محددين يرفضون المشاركة في جلسة الانتخاب. هؤلاء مَن يقتضي تحميلهم المسؤولية، النواب المسجلون في القيود اللبنانية وخاضوا الانتخابات النيابية لتمثيل ناخبيهم والشعب بغية تحمّل مسؤولية المحافظة على المؤسسات والدولة والكيان. هؤلاء هم المعنيون قبل الذهاب شرقا وغربا لتوجيه الاتهام بعرقلة هذه الدولة او تلك الاستحقاق الرئاسي. تغيّبهم معيب. أما ان يكون بملء ارادتهم فالمصيبة اكبر، لان النتائج تصبح كارثية على البلد».
بيد ان الجميل يلاحظ تداعيات الشغور الرئاسي على «كل انواع صدقية لبنان في الخارج. المؤشرات المالية الدولية سلبية، والشغور في الادارات يكبر يوما بعد آخر، والسمعة تقترب من ان تكون في الحضيض، وسفاراتنا في الخارج كما السفارات الاجنبية في الداخل تواجه ازمة حقيقية هي صدقية الحضور والتمثيل. معظم سفاراتنا في الخارج وفي عواصم مهمة بات يديرها قائمون بالاعمال، في المقابل تدنى التمثيل الديبلوماسي الاجنبي في لبنان بسبب عدم تمكين السفير من تقديم اوراق اعتماده الى رئيس الجمهورية، لانه لا رئيس للبلاد. وما دام لا يمتلك صفته كسفير فهو يعجز عن الاضطلاع بمهمات انتدابه الى هنا. نقول ذلك ايضا عن ديبلوماسيينا في الخارج».
هل يتوقع مبادرة تطل من مكان ما تتيح الخروج من المأزق؟
يقول الرئيس الأسبق للجمهورية: «كل المساعي التي بذلناها وسوانا راحت هباء واصطدمت بأسوار من الانانيات والتشنجات وسواها مما يصح قوله الخ... انجز المشترع اللبناني دستورا من اهم دساتير العالم، واول دستور برلماني ليبرالي في العالم العربي عام 1926 في سبيل الصالح العام وحسن سير المؤسسات الدستورية، لكن ويا للاسف هناك مَن يحاول تعطيل مواد دستورية وضعت في سبيل حماية وحدة لبنان ودوره، وباتت تستخدم من اجل اطاحتهما، بل تستخدم خلافا للاهداف التي توخاها الدستور. ها هي طريقة التعامل مع انتخاب رئيس الجمهورية افضل معبّر عما يعتمده هؤلاء لشل الدستور ومنع انتخاب الرئيس».
هل يشعر باطمئنان الى مسار حكومة الرئيس تمام سلام التي تملأ الشغور الرئاسي؟
يقول الجميّل: «نحن فخورون بمواقفنا، سواء عندما طالبنا بتأليف هذه الحكومة وحققنا هدفنا على كثرة الصعوبات والاعتراضات، او بالنسبة الى رهاننا عليها، وقد كان في محله واثبتت الظروف ان تأليف هذه الحكومة كان ضرورة حتمية، وخصوصا بعد الفراغ الذي ضرب الرئاسة الاولى. ما حققته في سنة عجزت عن تحقيقه حكومات سابقة في مدد اطول، وفي احوال اكثر استقرارا من اليوم، سواء بالنسبة الى التعيينات على مستوياتها المختلفة، او الخطط الامنية في طرابلس وبعض البقاع واخيرا في سجن رومية آخر انجازاتها. مع ذلك يظل الوضع غير طبيعي، ولا يجوز ان يستمر او ان تحل الحكومة محل رئيس الجمهورية، وهي عاجزة في المطلق عن الحلول محله. فضلا عن تعطيل دور مجلس النواب الى حد بعيد بسبب استمرار الفراغ الرئاسي. ما لم ينتخب الرئيس فان الفراغ العام في البلاد لن يتوقف عند حد».