تونس | عادت قضية إذاعة «الزيتونة» لتطفو على السطح من جديد بعد إيقاف مجموعة من الصحافيين عن العمل، وحرمانهم من أجورهم بعد تعبيرهم عن عدم رضاهم على الخط التحريري للمؤسسة التي تعتبر أوّل إذاعة دينية في تونس. إذاعة أسسها صهر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، صخر الماطري، عام 2007، وسط احتجاجات «الحركة الديمقراطية» التي نبّهت من خطورة الإذاعات الدينية في تشكيل رأي عام معادي لقيم الجمهورية المدنية.
مُنحت «الزيتونة» كل إمكانات الدولة للعمل رغم أنّها مشروع خاص يهدف إلى مغازلة الإسلاميبن في إطار إعداد الماطري لخلافة بن علي. المخطط الذي وقف وراءه عدد من مستشاري بن علي لم يُكتب له النجاح، بعدما فرّ الماطري بعد 14 كانون الثاني (يناير) 2011 إلى كندا، ومنها إلى قطر، ثم إلى جزر السيشل. وهو ملاحق اليوم من قبل القضاء التونسي، إثر مصادرة كل أملاكه بما فيها «الزيتونة» التي عيّنت لها الحكومة مؤتمناً عدلياً لتسيير أمورها في انتظار بيعها إلى القطاع الخاص، أو إلحاقها بمؤسسة الإذاعة التونسية الرسمية.
مشاكل «الزيتونة» الكبرى بدأت بعد سقوط نظام بن علي إذ «استولى» عليها المتشدّدون الدينيون، والمقرّبون من حركة «النهضة» الذين طردوا المديرة التي عيّنتها الحكومة في 2011 إقبال الغربي، وهي باحثة معروفة في مجال التنوير والتحديث. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الإذاعة موجهة بالكامل نحو مهاجمة القوى الديمقراطية والتحديثية، وتخصيص منابر يومية لشتم العلمانيين، كذلك أصبح بعض المنتجين فيها من قيادات «النهضة» (بينهم نائب رئيسها عبد الفتاح مورو الذي أصبح لاحقاً نائباً لرئيس البرلمان بعد الانتخابات الأخيرة)، إضافة إلى أعضاء في مجلس شورى الحركة، وقياديين في حزب «التحرير». ورغم احتجاجات «الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري» (الهايكا)، ونقابات الصحافيين، وأحزاب ومنظمات عدّة على التوجّه الحزبي للإذاعة واستحواذ «النهضة»، صمّت الحكومات المتعاقبة آذانها. وفي وقت كان ينتظر الصحافيون لفتة منها للاهتمام بـ«الزيتونة»، لجأت الحكومة الحالية إلى فرض عقوبات على الصحافيين الذين رفعوا أصواتهم مطالبين باستقلالية الإذاعة والابتعاد بها من التجاذبات الحزبية.
بعض الصحافيين في الإذاعة يؤكدون أنّ تجاهل حكومة مهدي جمعة لملف الإذاعة، يقف وراءه بعض الوجوه الحكومية النافذة التي تخطط لبيعها وتحويلها إلى اذاعة خاصة كما كانت. وهو ما يرفضه الصحافيون والتقنيون، كما ترفضه «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين» و«النقابة العامة للإعلام».
وفي انتظار أن تتولى حكومة الحبيب الصيد المتوقع إعلانها خلال ساعات، يعاني الصحافيون غير الموالين لحركة «النهضة» وللنافذين في حكومة مهدي جمعة من المضايقات والعقوبات الإدارية والمالية.