تستعر، منذ أيام، معارك عنيفة بين الجيش السوري ومقاتلين من «جبهة النصرة» تسرّبوا من جنوب شرق القلمون باتجاه سهل الزبداني وقريتي كفير يابوس ويابوس، على مقربة من الحدود اللبنانية ــ السورية، وطريق بيروت ـــ دمشق عند المصنع.تحرّك المسلحين في هذه المنطقة كان متوقّعاً، في ظلّ الظروف الخانقة التي يعانونها في جرود القلمون بفعل الثلوج، وتعرّضهم للحصار والاستهداف الدائم من الطائرات السورية ومدفعية الجيشين السوري واللبناني، ومواقع حزب الله والجبهة الشعبية ــ القيادة العامة.

وتقابل منطقة الزبداني (بدءاً بيابوس شمالي خط بيروت ــ دمشق الدولي على بعد 30 كيلومتراً من المصنع، وامتداداً إلى مدينتي الزبداني ومضايا، وصولاً إلى سرغايا السورية) البقاع الأوسط من جهة الغرب، بدءاً بعنجر ومجدل عنجر، وصولاً حتى قوسايا وجرودها ورعيت، وخلفها بلدة رياق ومطارها العسكري.
تحرّك المسلحين بدأ ليل الخميس الماضي في اتجاه جرود قوسايا من منطقة تسمّى «فتحة الجنزيرة»، لكنّ مواقع «القيادة العامة» أطلقت نيران مدفعيتها من بعيد باتجاه سيارات رباعية الدفع مجهزة برشاشات ثقيلة تابعة للمسلحين، ما أجبر المهاجمين على الفرار والتراجع. وبالتزامن مع التحرّك في اتجاه جرود قوسايا، هاجم المسلّحون عدّة حواجز للجيش السوري في كفير يابوس ويابوس وحاجز «الهوّة» وحاجز «حميد»، ودخل عدد من مسلحي «النصرة» إلى البلدتين، قبل أن يستعيد الجيش في اليومين الماضيين السيطرة عليهما، والبدء بمطاردة المسلحين الفّارين إلى الجرود. ويوم أمس، لم يهدأ قصف الطائرات والمدفعية السورية لتجمعات المسلّحين في الجرود. وقالت مصادر ميدانية سورية لـ«الأخبار» إن الجيش اعتقل خلايا نائمة تعمل مع «النصرة» داخل البلدتين، وقتل عدداً من قادتها وقادة «حركة أحرار الشام» في غارة جويّة على مضايا.
المعلومات تشير إلى أن المنفذ الوحيد الذي لا يزال يملكه مسلّحو جرود القلمون إلى الداخل السوري من جهة الجنوب والشرق هو طريق يصل إلى مدينة سرغايا جنوبي بلدة الطفيل، وامتداد الطريق يمرّ تحت مرأى «تلال الخشعات» التي يشرف عليها حزب الله من موقع «عين الساعة»، ولم يكن باستطاعة المسلحين استخدامه خلال الصيف لعبور الآليات، لكنّ الضباب في الشتاء يسمح لهم بالعبور بالآليات.
سوريون يسكنون
المنطقة منذ 30 عاماً تصرّ الأمم المتحدة على أنهم نازحون




وفيما تخضع الزبداني ومضايا لسيطرة المسلّحين ويحاصرهما الجيش السوري، تبدو سرغايا خارج الدائرة المباشرة للمعارك حتى الآن، حيث ينتشر الجيش على أغلبية مداخلها، فيما يتسلّل إليها مسلّحو المعارضة من القلمون. ويحاول الأهالي المنقسمون بين المعارضة والموالاة للرئيس السوري بشّار الأسد تحييد بلدتهم عن المعارك، بهدف الحفاظ على إنتاجهم الغزير من التفاح والكرز. وفي الوقت نفسه، ينقسم أهالي مضايا التي لا تزال تؤثّر فيها سطوة العائلات والعشائر، بين إرادة محلية للتوصّل إلى هدنة مع الدولة السورية، في الوقت الذي يعمل فيه مسلّحو «النصرة» على التصعيد. وعلمت «الأخبار» أن اشتباكاً وقع أول من أمس بين مسلّحين محليين من البلدة وبعض عناصر «النصرة» على خلفيّة استهداف المدنيين بالقنص على الطريق العام إلى مضايا.

تهديد شرق زحلة

عدا عن حاجة المسلّحين إلى فتح نقاط اشتباك خارج دائرة الحصار الذي يخضعون له من غالبية المحيط في القلمون ومن الثلج، تشير المصادر الأمنية إلى أن «تحرّك المسلّحين في اتجاه يابوس وكفير يابوس له عدّة استهدافات في تلك المنطقة، أوّلها تهديد طريق دمشق ــ بيروت، وثانيها إرباك الجيش والقوات المساندة له، وثالثاً خلق واقع أمني معقد في مجدل عنجر وشرق زحلة رديف لواقع عرسال يربك الجيش اللبناني وتهديد طريق بعلبك والبقاع الشمالي، ويمتد إلى البقاع الأوسط وجبل الشيخ».
كلّ هذا ليس خافياً على الجيش اللبناني، الذي رفع درجة تأهبه في المنطقة تحسّباً لأي طارئ، ولرصد أي محاولات تسلّل قد يقوم بها المسلحون هرباً من الجيش السوري، باتجاه الداخل اللبناني.
والواقع الميداني ينعكس بشكلٍ كبير على وضع أكثر من 7 آلاف مواطن سوري يسكنون ثلاثة مخيّمات في خراج بلدة كفرزبد، بالإضافة إلى مخيّم جنوب مطار رياق العسكري. ومعظم هذه العائلات تقطن المنطقة منذ 30 عاماً وتعمل في الأراضي الزراعية، وتسكن في خيام. وزاد الواقع بؤساً انتقال عدد من النازحين السوريين إلى المخيمات من الزبداني وريف دمشق مع بدء المعارك في سوريا، وقد ناهز العدد بحسب رئيس بلدية كفرزبد سلوم سلوم «نحو 8 آلاف شخص، كانوا يتوزّعون على أربعة مخيّمات، قبل أن يقوم الجيش بإزالة أحدها (في تلة المخاضة)». وعلى الرغم من وجود المخيمات في المنطقة منذ مدّة طويلة، أشارت المصادر إلى أن «الأمم المتحدة أصرّت على اعتبارهم نازحين ومعاملتهم على هذا الأساس وتقديم المساعدات وتسجيلهم في سجلاتها»!
ويقوم الجيش منذ صباح الأحد بحملات دهم في المخيمات الثلاثة الباقية، هي: مخيّم «حميد»، مخيّم «النجاشي» ومخيّم «علي المحمد»، بالإضافة إلى مداهمات في منطقة عرب الموالي التابعة لبلدة كفرزبد، والتي يسكنها عرب الموالي اللبنانيون، ومداهمات في الفاعور القريبة.
مصادر أمنية لبنانية أشارت إلى أن «الجيش طلب يوم الاثنين من سكان المخيمات إخلاء الخيم خلال 48 من دون أن يحدّد الوجهة، وإلّا فسيعمل على هدم الخيم بالقوّة». وأشارت المصادر إلى أن «الجيش يحاول أن لا يصطدم بالقاطنين في الخيم، لكنّ الوضع لا يحتمل توسّع المخيمات على سفح الجبل، في ظلّ المعارك المشتعلة، خوفاً من تسلل المسلحين إلى المخيمات وتوتير الوضع الأمني في المنطقة، وعلى القاطنين أن يتفهموا الحساسية الأمنية».
وأشارت المصادر الأمنية إلى أنه «لا خوف على المنطقة، فالجيش موجود بقوّة في عدّة نقاط ومراكز، ومطار رياق العسكري محصّن جيّداً ولا يمكن المسلحين اختراق الحدود بأعداد كبيرة، فضلاً عن أن لدى الجيش السوري مواقع قويّة في المقلب الآخر من الحدود ومراكز للوحدات الخاصة».