إنها عملية "نوعية" و"مدروسة". عبارتان أجمع مؤيّدو المقاومة ومناوئوها على وصف العملية التي شنّتها مجموعة "شهداء القنيطرة" في مزارع شبعا اللبنانية أمس. الأنباء الأولية بعيد العملية كانت تتحدث عن عدد مرتفع من الإصابات في صفوف الصهاينة وصل الى 15 قتيلاً. هكذا نقلت الشاشات المحلية والفضائية عن قناة "الميادين" التي وضعت ثقلها في هذه التغطية المباشرة من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها.
لكن يظهر أنّ الحماسة الزائدة أدت بها الى عرض صور لآلية محترقة قالت عنها إنّها "صور حصرية" من عملية مزارع شبعا. لاحقاً، تبيّن، وبحسب ناشطين ومتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، أنّ الصورة تعود الى آلية عسكرية أميركية في العراق. ورغم تقديم رئيس مجلس إدارتها غسان بن جدو اعتذاراً مباشراً على الهواء، الا أنّ القناة أصرّت على نشرها على حسابها على تويتر تحت عنوان "الصور الأولية لعملية شبعا". طبعاً هذه السقطة لا تمحو الدور الذي لعبته قناة "الواقع كما هو" منذ الغارة الصهيونية على الجولان وقيادتها الحرب النفسية ضد الصهاينة وإمساكها مشعل المقاومة. وكما هي قيادة حرب المقاومة الإعلامية ضد الصهاينة أكانت من "الميادين" أم قناة "المنار"، كذلك هي الأبواق المهولة والمجيشة أكان في الداخل اللبناني أم خارجه. هكذا قطف رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع لحظة ذروة العملية العسكرية وحاول سرقة الأنظار اليه من خلال مؤتمره الصحافي في معراب الذي نقلته بعض الشاشات اللبنانية وما تضمنه من سمفونية قديمة عن قرار الحرب والسلم. وهكذا أيضاً، لم يهن على "العربية" أن تورد أرقام إصابات العدو. المدقق في أخبار القناة السعودية سيلحظ تهويلاً واضحاً بوقوع الحرب. تبعاً لمصادر القناة، فإن "زوارق حربية إسرائيلية اخترقت المياه الإقليمية اللبنانية". ونقلت عن زميلتها "المستقبل" التي أوردت بدورها خبراً عن "القناة العاشرة الإسرائيلية" أنّ "الجيش الإسرائيلي يتحضر لشنّ عملية برية في جنوب لبنان ويفتح مخازن الاحتياط". تهويل القناة استكمله مراسلها في لبنان عدنان غملوش الذي "بشّرنا" بـ"حالة هلع تسود الجنوب اللبناني بعد العملية". وذهب الخيال بعيداً بمذيعة القناة نجوى قاسم التي قالت على ما يبدو إنّ "مدارس الضاحية قد أقفلت أبوابها". وعلى مدار الساعة بقيت "العربية/ الحدث"، تنشر تغريدات على تويتر تشي باقتراب وقوع الحرب على سبيل المثال: ”الجيش الإسرائيلي يدفع بقوات كبيرة على الحدود مع لبنان".
دقّ طبول الحرب وإثارة المخاوف حضرا أيضاً في تغطية "الجزيرة" التي نقلت عن مسؤولين صهاينة "أنّ القصف لن يكون الأخير"، وأن الصهاينة طلبوا من كافة المناطق الحدودية التزام المنازل". قد يبدو أنّ التهويل في الإعلام الفضائي وتحديداً الخليجي غير مستغرب. لكنّ عنوانين تصدرا كلاً من MTV وصحيفة "النهار" يدخلان في السياق عينه. فقد عنونت قناة "المرّ" على موقعها الإلكتروني على شاكلة سؤال يحمل في طياته أبواق التهويل والتخويف: ”هل تكرر إسرائيل في لبنان، ما فعلته في غزة؟". وتضمن الخبر أيضاً حديثاً عن "إخلاء المدارس اللبنانية القريبة من الحدود"، مع تسجيل حركة "نزوح خفيفة في بعض المناطق". أما "النهار" فكان عنوانها: "حزب الله ردّ على عملية القنيطرة... ماذا بعد؟". وبعيداً عن مضمون الخبر، ظهر جلياً النسخ الحرفي لمقطعين كاملين من "العربية". وسجّلت لمراسل Mtv في فلسطين المحتلة مجدي الحلبي حماسة لا مثيل لها عندما أورد أنّ "الجيش الإسرائيلي يؤكد استعداده للدفاع عن إسرائيل والتوقعات هي أن يحصل ردّ ربما هذه الليلة".
وضمن أجواء التهويل وإثارة الرعب، برزت قناة "الجديد" في متابعتها للحدث وذهابها الى القرى الجنوبية الحدودية واستطلاع آراء السكان الذين بدا عليهم الاطمئنان وعدم الاكتراث بما سيحدث. ولعل مظهر أحدهم في مرجعيون وهو يدخن النرجيلة ويتحدى العدو الصهيوني يعكس الصورة الحقيقية لما يعيشه سكان الجنوب اللبناني.