ليس آل سعود سلالة حاكمة فقط بل هم أصبحوا ثقافة سياسيّة سائدة في العالم العربي. هم ثقافة بمعنى ترسيخهم وتوطيدهم لدعائم قيم وتوجّهات وعادات باتت منتشرة في كل العالم العربي، وتنخر في قيم ثقافة المقاومة بين الشباب. وتقديس المال وتقديس سلالات النفط بات جزءاً من التنشئة. ليس الحداد على أمراء وملوك آل سعود عاديّاً في الحياة العربيّة، بل هو مناسبة للتنافس بين الكتّاب والمثقّفين والسياسيّين للتملّق والسجود والتكسّب. لا يموت ملك أو أمير من آل سعود وإلا ويتضح انه كان نابغة عصره وأنه كان قاب قوسيْن أو أدنى من تحرير فلسطين. ألقاب وأوسمة وصفات تُمنح بمقابل من قبل سعاة المال السعودي في كل العالم العربي. سمير عطالله ليس كاتباً بل مدرسة في الكتابة عن الأمراء والشيوخ.
هي ثقافة آل سعود التي سادت في عالمنا العربي بعد رحيل جمال عبد الناصر. ثقافة آل سعود هي ثقافة تعويد الشباب على عبادة الثروة وعلى إنشاء وسائل إعلام تعنى بتنشئة الشباب العربي على الرياضة (التلفزيونيّة) والتسالي والألعاب وحفلات الطاعة الموسميّة لقادة دول النفط والغاز. في زمن عزل ونبذ وذمّ آل النفط وآل الغاز في الخمسينيات والستينيات، كان أمراء النفط والغاز يمثّلون التخلّف والرجعيّة والارتباط بالاستعمار وربيبته، دولة الكيان الغاصب. لولا هزيمة 1967 وحرب اليمن الإنهاكيّة لما استطاعت سلالات الممالك والمشايخ والإمارات والسلطنة الاستمرار. كان ذلك زمن انشقّ فيه أفراد من العائلة المالكة في الرياض ليلتحقوا بركب المحور الناصري في الصراع بين مشروع الاستعمار ومشروع مواجهته. بعد 1967، ترسّخ حكم الاستعمار في بلادنا وصعد آل سعود ليحكموا بعد احتلال الكويت عام 1990 على كل مفاصل العالم العربي. والحكم السياسي لهم كان نتاج سيطرة اقتصادية وتأتّى عنه ضخّ أسوأ قيم التزلّف والانصياع والتملّق والزيف والرياء والمحاباة. ماذا يبقى من هيمنة آل سعود لو تبدّد مالهم ونفطهم؟ من يبقى في صفوف حاشيتهم؟ لكن هذا ليس مصدر قلق بعد فالنفظ غزير وإن تدهور سعره.
التملّق لآل سعود حرفة وصنعة في لبنان ولا يتقنها أكثر من ساسة لبنان

والتملّق لآل سعود حرفة وصنعة في لبنان ولا يتقنها أكثر من ساسة لبنان، بلا استثناء. عودوا وعدن إلى العدد الخاص من «تاريخ العرب والعالم» قبل بضع سنوات الذي تكرّس لمديح عبدالله بن عبد العزيز. نبيه برّي وفؤاد السنيورة وغسّان تويني وإبراهيم شمس الدين وغازي العريضي وغيرهم كثيرون يتبارون في مديح عبدالله بن عبد العزيز. هؤلاء الذين لم يحظوا إلا بالسلام عليه أصبحوا خبراء في طباعه وفي سمات شخصيّته. يرونه لدقائق مع الحاشية ثم يُجمعون انه محبوب من شعبه. والوفد الرسمي اللبناني وغير الرسمي الذي طار إلى الرياض كان أكبر الوفود التي زارت المملكة لأن للريال السعودي سحره وبريقه الخاص. كان الحزن والأسى على محيّا أعضاء الوفد أشدّ ممّا كان عليه على محيّا أفراد عائلة عبدالله. ونبيه برّي نسي ان الملك السعودي سحب دعوة رسميّة له احتجاجاً على مواقفه بعد اغتيال الحريري. زعماء لبنان ينسون الكبرياء الذي يتعاملون من خلاله مع الناس في تعاملهم مع أصحاب المليارات. ونشرت الصحف اللبنانيّة أخباراً عن ان الملك سلمان صرّح أن «لبنان في قلبه»، بينما التفاصيل تقول إن برّي سأله: كان لبنان في قلب الملك الراحل، فهل سيكون في قلبك انت؟ ماذا تتوقّع من سلمان (الذي تتناوبه حالة صحو وحالة غيبوبة حسب وصف الصحف الغربيّة) ان يقول؟ أن لبنان في قدمه أو في بانكرياسه؟ والسفارة السعوديّة شهدت ازدحاماً شديداً من طرفيْ النزاع في لبنان. حتى مندوبين عن حزب الله وقفوا بالصف لتقديم واجب العزاء (هل قدّمت السفارة السعوديّة واجب العزاء بشهداء الحزب في القنيطرة؟) وكلمات الإطراء لا علاقة لها بالإرث الحقيقي للرجل ولا بشخصيّته. ثم كيف ان كل الأمراء والملوك السعوديّة يتمتّعون بالصفات والفضائل نفسها دائماً؟ لا يتميّز أمير عن آخر أو ملك عن آخر في حكم المادحين المتكسّبين.
لكن حفلة المدائح والنحيب التي ملأت الصحافة العربيّة ماثلتها حفلة شبيهة (وإن قلّت عنها في الحدّة) في الإعلام الغربي. تغيّر الموقع السعودي (والخليجي بصورة عامّة) بعد 1990. لم يعد هناك عامل منظمّة التحرير والنظام العراقي والليبي الذين كانوا يضعون بعض الضوابط (ومن منظور مصالح أنظمتهم وليس من منظور مصلحة القضيّة الفلسطينيّة) على جموح العلاقة بين أميركا وبين أنظمة الخليج (أما النظام السوري فكان آل سعود يشترون صمته أو موافقته ببعض المليارات كما أعلم سعود الفيصل جيمس بيكر، حسب رواية الأخير في كتاب «اجتهد وتعلّم و... ابتعد عن السياسة»). أصبح للحكم السعودي (والخليجي عموماً) حظوة خاصة ومميّزة بعد 1990 ومؤتمر مدريد وتمويل سلالات النفط والغاز للعدوان الأميركي آنذاك. والأهم، ان التحالف السعودي - الإسرائيلي وضعت لبناته في تلك المرحلة وكان قد خرق المقاطعة الخليجيّة الرسميّة للعدوّ الإسرائيلي السفير الكويتي السابق في واشنطن الذي أعلن في مؤتمر صحافي في العاصمة الأميركيّة ان بلاده ترحّب بمساعدة إسرائيليّة. اصبح المستور مُعلناً ومُجاهراً به. لم يعد الحاكم الأميركي في حيرة من امره، يختار بين الحليف الإسرائيلي وبين الحليف الخليجي. الحليفان باتا صنويْن.
نستطيع ان نقول ان الصراعات بين اللوبي الإسرائيلي وبين داعمي أنظمة الخليج انتهت عام 1990 (ما يُسمّى كوميديّاً آنذاك بـ «اللوبي العربي» لم يكن إلا تجمّعاً لمصالح شركات النفط وشركات صناعة السلاح والمستعربين البائدين الذين كانوا يرتبطون بمصالح ماليّة مع حكومات الخليج بعد تقاعدهم - لم يكتف المستعرب (الأخير؟) روبرت مرفي بالعمل للمصالح الحريريّة والسعوديّة في واشنطن ونيويورك بل حتى زوجته أدارت مكتب الحريري في العاصمة واشنطن، كما ان السيناتور تشارلز برسي، الذي حاربه اللوبي الصهيوني حتى أقصاه عن مقعده، عمل هو الآخر مع مكتب الحريري في واشنطن). أصبح اللوبي الإسرائيلي داعما بقّوة لصفقات السلاح إلى دول الخليج بعد ان كان يحاربها بقوّة في السابق. ولم تكن الهدنة تلك فقط بسبب الشروط القاسية التي كانت (ولا تزال) واشنطن تفرضها على وجهة واستعمال السلاح، ولا بسبب الإشراف الأميركي على حفظ السلاح، ولا على التشذيب التي تخضع له تلك الأسلحة بأمر إسرائيلي، بل لأن العدوّ الإسرائيلي أصبح مطمئنّاً إلى نوايا ومقاصد دول الخليج.
إن النواح والنحيب الذي صاحب مراثي التملّق للطاغية السعودي كان جانب منها مدفوع الثمن وجانب آخر (في الغرب) بإيعاز إسرائيلي. وفي هذا السياق يجب ان نذكر الآثام والإنجازات الحقيقيّة للملك السعودي إذ انه شكل سوابق وخرق محاذير.
أولاً، كان الملك عبدالله أوّل ملك سعودي يلتقي مباشرة مع مسؤول إسرائيلي. لم تكن مبادرة «الحوار بين الأديان» إلاّ ستاراً لشرعنة التطبيع بين النظام السعودي وبين العدوّ الإسرائيلي. والمركز الذي افتتحه النظام في فيينّا (والذي تهدّد النمسا بإغلاقه بسبب القمع في المملكة) ضمّ في مجلس إدارته إسرائيليّاً متعصّباً (بالإضافة إلى مفتي الشمال في لبنان الذي لا يبدو انه يمانع التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي لأن إسلام آل الحريري متوائم مع الدولة الصهيونيّة). لكن احتفالاً خاصّاً في نيويورك للمركز السعودي جمع للمرّة الأولى بين ملك سعودي ومسؤول إسرائيلي (شمعون بيريز) لكن خلف الأبواب الموصدة، ومُنع المصوّرون من التقاط الصور. إن خرق الحظر السابق على اللقاءات بين حكّام المملكة ومسؤولي دولة العدوّ لم يمنع عقد لقاءات سابقة بين مسؤولين في الاستخبارات والأمن القومي والدبلوماسيّة السعوديّة وبين مسؤولين عن دولة العدوّ (ومندوبي جهازها التجسّسي). يعود التنسيق بين مملكة القهر ودولة العدوّ إلى الستينيات على أقل تقدير وكان التنسيق في حرب اليمن عميقاً ضد عدوّ مشترك، أراد الطرفان إنهاكه كي يتسنّى للعدوّ توجيه ضربة قاصمة. هذه من إنجازات الملك السعودي.
ثانياً، رفع الملك السعودي للمرّة الأولى العلاقة بين نظامه والعدوّ الصهيونيّ إلى درجة التحالف العلني. وأصبحت العلاقة الوطيدة بين النظاميْن صلة وصل مع سياستهما الخارجيّة مع الولايات المتحدة. اكشفت الطرفان بعد اقصاء مبارك ان مصالحهما وسياساتهما أقرب بينهما مما هي مع الحليف الأميركي. حثّ الملك السعودي ونتنياهو الرئيس الأميركي يوميّاً في لحظة حرجة كي يحافظ بالقوّة على نظام مبارك. إن سقوط مبارك دفع بالطرفيْن للتنسيق بينهما في كل الساحة العربيّة وما بعدها تحت شعار «محاربة الإرهاب»، والشعار صهيوني في الأساس للتغطية عن هدف وأد حركة مقاومة وطنيّة مسلّحة. لم ترتقِ العلاقة الاستراتيجيّة بين الدولتيْن كما أصبحت في عهد الملك المُكنى بالعروبي. هذه أيضاً من إنجازات الملك السعودي.
ثالثاً، دشّن الملك السعودي عبدالله عهد الفتنة المذهبيّة المفتوحة في كل العالم العربي والإسلامي. إن الفتنة التي أطلقها لم يكن لها مثيل من قرون في التاريخ الإسلامي. هذا لا يعني ان العقدية الوهّابية والنظام السعودي كانا يأنفان التحريض المذهبي والطائفي لكن لم يسبق ان تبنّت المملكة التحريض كسياسة خارجيّة وداخليّة لها، وذلك بالتنسيق مع أميركا والعدوّ الإسرائيلي لخدمة أغراضهما ولتقويض الدعم العربي والإسلامي الشعبي لحركة المقاومة في لبنان. طبعاً، إن تبنّي الحكم الوهّابي للفتنة الطائفيّة والمذهبيّة يدخل في صلب العقيدة المتطرّفة والمتعصّبة والظلاميّة. لقد رعت الحكومة السعوديّة عبر العقود مراكز وكتّاب تضخّ نار التحريض المذهبي والطائفي في كل العالم: إن الكاتب الباكستاني إحسان ظهير (الذي تخرّج من الجامعة الإسلاميّة في المدينة المنوّرة) تحوّل إلى داعية تحريض مذهبي في كل كتاباته وبرعاية سعوديّة. أفنى سنواته في «إثبات» أن الشيعة هم أشدّ الناس عداوة لأهل البيت، ولم ينس ان يذم البهائيّة والإسماعيّليّة والصوفيّة والأحمديّة وغيرهم من الفرق (أمر الملك فيصل بنشر كتب ظهير على نفقته الخاصّة وتوزيعها حول العالم، كما أن ابن باز أشار إلى الملك فهد بنقله إلى المملكة لإسعافه بعد اصابته بالتفجير الذي قتله عام 1987). ولا ننسى ان حركة الإخوان المسلمين الطائفيّة كانت مرعيّة ومحتضنة من قبل الحكم السعودي، الذي قرّر فقط بعد 11 أيلول ان يحمّل الحركة وبال انطلاق الإرهاب الجهادي. هذه من إنجازات الملك السعودي.
رابعاً، الملك الذي كان يتغنّى بالعروبة شعاراً فارغاً (مع ان آل سعود بما فيهم عبدالله هذا أفنوا عمرهم في محاربة الشعارات والأهداف القوميّة العربيّة لعبد الناصر وروّجوا حينها لهويّة إسلاميّة رجعيّة بديلة) أرسى دعائم ربط النظام العربي الإقليمي بالمصالح الأميركيّة - الإسرائيليّة مباشرة. وتحت شعار محاربة الإرهاب، تحوّلت القيادة الفعليّة للعالم العربي إلى «القيادة المركزيّة» للقوّات المسلّحة الأميركيّة التي تنشتر قواتها وقواعدها في كل العالم العربي. لم يرتبط العالم العربي عسكريّاً وسياسيّاً كما حدث في عهد هذا الطاغية. كما ان القواعد العسكريّة الأميركيّة المنتشرة في دول الخليج تسمح للولايات المتحدة (وحليفتها إسرائيل) بضرب وقتل أعدائهم، كائناً مَن كانوا. لم تكن الحكومة السعوديّة أكثر ارتباطاً بكل المشاريع الأميركيّة والإسرائيليّة في المنطقة (وفي العالم إذ ان كل أعداء أميركا يصبحون حكماً أعداء لآل سعود) في تاريخها. هذه من إنجازات الملك السعودي.
خامساً، بعيداً من شعارات توحيد الأمّة التي توالى ذكرها في مراثي عبدالله، لم يكن العالم العربي والإسلامي على درجة الانقسام التي أصبح عليها في عهد عبدالله (كدتُ أقول في عهد التويجري). لم يكتفِ النظام السعودي بتقسيم العالم الإسلامي إلى طوائف متناحرة، بل هو ضرب أيضاً في بنيان البلدان العربيّة كلها من خلال تدخّل سياسي ومالي صفيق. فأصبح ضرب الاخوان واليسار هدف مُنفّذ في كل دولة عربيّة ومن خلال دعم مباشر لأجهزة القمع كما حدث مع التبنّي السعودي للطاغية السيسي. هذه من إنجازات الملك السعودي.
سادساً، قرّر النظام السعودي إفشال كل المحاولات الديمقراطيّة في كل العالم العربي من خلال التدخّل المالي الكثيف في كل الانتخابات الديمقراطيّة التي أجريت والتي سوف تجرى. فالمال السعودي انصبّ لمصلحة إياد علاّوي في العراق ولتيّار 14 آذار في لبنان، ولمصلحة أنظمة العهد البائد (العائد بألوان مختلفة) في تونس ومصر، كما أن قائمة أميركا في ليبيا كانت مدعومة من النظام السعودي. لم يقبل النظام السعودي بمضاعفات الاختيار الحرّ للشعب العربي. هذه من إنجازات الملك السعودي.
سابعاً، قاد الملك السعودي وصحبه الثورة المضادة في العالم العربي بمجرّد اندلاع الانتفاضات العربيّة. وكان مجلس التعاون الخليجي سبّاقاً لتدبير أمور القمع في المنطقة عبر التدخّل في البحرين أوّلاً، (وهذا قرّب بين النظاميْن السعودي والقطري بعد سنوات من القطيعة والفُرقة) وعبر تدخّل عسكري وسياسي ومالي في كل الدول العربيّة للحفاظ على الأنظمة القميّعة المنضوية في إطار النظام العربي الإقليمي، باستثناء ليبيا وسوريا لخلاف مع حاكميْها.
ثامناً، كان النظام السعودي مسؤولاً بدرجة كبيرة عن تسعير نار الخلاف والحروب المشتعلة في أنحاء مختلفة من سوريا. إن النظام السعودي والقطري والتركي قادوا حملة مسعورة في سوريا أدّت بالمحصّلة إلى تقوية النظام وإضعاف الحراك الشعبي ضد النظام الظالم هناك. لقد تبنّى النظام السعودي وحلفاؤه الميامين شلّة من العصابات الإرهابيّة قبل وأثناء اندلاع الاحتجاجات الشعبيّة واستطاعوا حرف التحرّك الشعبي عن مساره. يتحمّل النظام السعودي والقطري المسؤوليّة عن سرقة انتفاضة كان يمكن ان تعبّر عن آمال وتطلّعات الشعب السوري في مستقبل وحكم أفضل. هذه من إنجازات الملك السعودي.
تاسعاً، إن النظام السعودي في عهد عبدالله كان مسؤولاً عن تفريخ منظمّات إرهابيّة جهاديّة جديدة وذلك بسبب 1) تسعير الصراع المذهبي الذي يجذب إليه حكماً أكثر التنظيمات الجهاديّة تطرّفاً وتعصّباً وتزمّتاً. 2) فتح الساحة السورية واسعة لاستقطاب المجاهدين من كل انحاء العالم لأن آل سعود وصحبهم تيقّنوا من ان النظام السوري على وشك السقوط وأن دفعة من المجاهدين الإرهابيّين قادرة على دفعه نحو الهاوية. إن الحرب الأهليّة في سوريا هي من مسؤوليّة ورعاية الملك السعودي للإرهاب. هذه من إنجازات الملك السعودي.
عاشراً، ضيّق الملك الجديد من الحدود الضيّقة أصلاً للتعبير في المملكة وخارجها، وزاد على سيطرة المخابرات العامّة على حيّز وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن أبواق آل سعود في الإعلام العربي زادوا من حدّة دعوتهم وضاق مجال التعليق في صحف آل سعود من أجل رصّ صفوف الدعاية السياسية والطائفيّة في الثقافة السياسيّة العربيّة. وكان واضحاً ان النظام السعودي لن يسمح بفضاء الإنترنت ان يصبح حرّاً وسلّط عليه أجهزة الأمن والقمع. وأصبح التغريد شبه الحرّ جريمة يعاقب عليها القانون. التغريد غير المتوافق مع سياسة الحكم يؤدّي إلى حكم سجن لخمسة عشرة سنة، وتهمة جاهزة بالإرهاب في عهد مُكافح الإرهاب، المصطفى الأميركي، محمّد بن نايف. هذه هي أيضاً من إنجازات الملك السعودي.
حادي عشر، لقد سبق ان ظلم حاكم من آل سعود أولاده وكان عبد العزيز يطبّق عقوبات صارمة على أولاده. لكن الملك عبدالله أمر بسجن بناته الأربع (من العنود الفايز) من أجل الانتقام من أمهم (مطلّقته). لقد حاولت بناته ان تخرقن الصمت الذي يلفّ قضيّتهنّ لكن الإعلام العربي لم يجرؤ على نقل صوتهنّ كما أن الإعلام الأميركي أهمل القضيّة بالكامل. طبعاً، علينا ان نتذكّر أيضاً، ومن باب أولى، المساجين العاديّين في مملكة القهر لكن الدم الملكي لم يحمِ بنات الملك وبقية مسجونات خلف القضبان بأمر من الملك وابنه البكر. هذه أيضاً من إنجازات الملك الأب عبدالله.
ثاني عشر، لقد دمّر الطاغية عبدالله منظمّة «أوبك». للمرّة الأولى لا تحاول المملكة ان تصطنع أنها ستلتزم إجماع المنظمّة حول سقوف الإنتاج النفطي، وهي التزمت سياسة لا تفيد إلا دول الغرب (بعض دول آسيا أيضاً). إن العودة إلى الوثائق التي نشرها الطلاّب الإيرانيّون من السفارة الأميركيّة في طهران يثبت ما لا يقبل الشك ان اميركا تأمر النظام السعودي وهو ينفّذ مشيئتها في «أوبك» لكن تدمير المنظمة من الداخل سابقة تُسجّل للطاغية عبدالله. هذه أيضاً من إنجازات عبدالله.
تنوء الثقافة والسياسة في العالم العربي تحت سطوة قاسية من قبل آل سعود الذين يشكّلون طغاة من نوع آخر. هم ليسوا الطغاة الوحيدين في العالم العربي لكن طغيانهم أسوأ وأخطر من أي طغيان عربي لأنه ينشرون طغيانهم (بالمال والسلاح والنفوذ والعقيدة الدينيّة المتخلّفة) في كل انحاء العالم العربي والإسلامي. أي أن طغيانهن أعمّ وأشمل من أي طغيان آخر. لقد أصبحت المملكة محميّة اميركيّة وباتت الإدارة الأميركيّة تسيّر أمورها وتختار حاكماً من بين أمرائها. هي انتقت محمد بن نايف وهي ستنتقي غيره متى تشاء. لكن حكم آل سعود مرتبط باستمرار الطغيان في العالم العربي. لن يستقيم لهم الحكم في ظلّ تنامي الحريّة والتحرّر في العالم العربي. لكن قدرة الاستمرار على فرض السيطرة بالمال والسلاح قدرة رسمت معالمها الآثار الباقية من مستعمرين بائدين. قد لا يصل الحكم إلى الجيل الثالث من هذه السلالة. قد تصل الحريّة (الحقيقيّة) إلينا بعد طول انتظار. عندها، يجوز الحداد في الإعلام العربي فقط على ضحايا آل سعود.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:angryarab.blogspot.com)