ما حملته جعبة رئيس الحكومة تمام سلام في حصيلة جولات تشاور اجراها، في الايام الاخيرة، مع قيادات كتل ممثلة في حكومته ووزرائها «أجوبة ايجابية». بعض مَن شملهم التشاور، الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الرئيس فؤاد السنيورة والوزراء محمد فنيش وبطرس حرب وجبران باسيل. يأمل سلام في استكمال جولاته تلك في الايام القريبة، وهو يتمسك بالاصرار على تعديل آلية اتخاذ القرار والتوقيع في مجلس الوزراء، بعدما اضحت ــــ بانقضاء سنة على تأليف الحكومة ــــ عبئاً ثقيلاً ومنهكاً عليها، وعاملاً معطلاً لقراراتها.
ترتكز الافكار التي يناقشها سلام على آلية منتجة، تمكّن مجلس الوزراء ــــ في ظل ادارته صلاحيات رئيس الجمهورية الى أمد غير محدد ــــ من اقران تماسكه السياسي بمقدرته على العمل الاجرائي الجدي، تبعا للمعطيات الآتية:
1 ــــ الفصل بين مجلس الوزراء ملتئما لاقرار مشاريع قوانين او قرارات، وبين مجلس الوزراء ملتئما كرئيس للجمهورية لتوقيع القرارات ومشاريع القوانين تلك ومن ثم اصدارها بمراسيم. يقضي هذا الفصل بالتزام المادة 65 من الدستور التي تنيط بالمجلس آلية اتخاذ قراراته بالتوافق اولا، ثم بالتصويت، واعتبار هذه المحطة جزءا لا يتجزأ من مرحلة الاصدار المكمّلة ــــ لا المعطلة ــــ لها. ذاك ما كان يحصل في ظل رئيس الجمهورية عندما يحضر جلسة المجلس ويترأسها، او لم يحضر. ما ان تقرّ القرارات ومشاريع القوانين تبعاً للغالبية الدستورية المنصوص عليها حيالها، تشق طريقها الى الاصدار.
2 ــــ لا تنعقد جلسة مجلس الوزراء الا بثلثي الاعضاء، ما يؤكد مشاركة الكتل الرئيسية التي تؤلف الحكومة فيها، ومن ثم موافقتها على جدول الاعمال ومناقشته في معزل عن اي موقف مبكّر من التصويت. على ان امتناع الثلث+1 عن حضورها، وهو كفيل بتعطيل الالتئام، يمسي قراراً سياسياً بمقاطعة الجلسة. اذ ذاك يُستدرك الخلل بمعالجة سياسية بدورها.
لسنة خلت، لم يقل اي من الكتل الوزارية برغبته في مقاطعة مجلس الوزراء، او التلويح بتهديد استمراره، ولم يوحِ لرئيس الحكومة او علنا برغبته في الاستقالة او الامتناع عن المشاركة. وقد تكون سجالات الجلسات الاخيرة بين الوزراء بطرس حرب والياس بوصعب وجبران باسيل وغازي زعيتر خير معبّر. ما ان ترتفع نبرة الاشتباك والعبارات القاسية احيانا، يتدخّل وزير حزب الله محمد فنيش لفضّه. يشكو سلام من تلاعب الوزراء بصلاحيات المجلس والتداخل بين مرحلتي الاقرار والتوقيع، لا من خوفه على الحكومة. بل يبدو اليوم، اكثر من اي وقت مضى، اكثر اطمئنانا وثقة بتماسكها.
3 ــــ يريد رئيس الحكومة العودة الى حرفية المادة 65 لاتخاذ القرارات: التوافق اولا، ثم التصويت بـ«اكثرية الحضور» التي تعني الاكثرية المنبثقة من الثلثين، بحيث تتخذ القرارات العادية بغالبية تسعة من الوزراء الـ16 الذين يمثلون ثلثي الحكومة. ما يعني الفسح في المجال امام التوافق خيارا اول، الا انه لن يكون الخيار الوحيد لاتخاذ القرارات على نحو ما هو سائد اليوم: ما لم يتوافق مجلس الوزراء مجتمعا على القرار او مشروع القانون، لا يبصر النور ويعود الى الادراج. اما المواضيع الاساسية التي تتناولها المادة 65 فلا تقر سوى بـ16 صوتا على الاقل التي هي ثلثا الحكومة. الا انها ليست ما يتذمّر منه سلام.
4 ــــ تبعاً لقاعدة التضامن الحكومي، فان التصويت على القرارات يقتضي ان ينسحب توقيعاً لها، ومن ثم اصدارها بمراسيم ما ان تنتقل الحكومة من سلطة مجلس الوزراء الى هيئة ادارة صلاحيات رئيس الجمهورية. ما يوجب، في تقدير سلام، توقيع القرارات تلك بلا ابطاء وعدم تجميدها او تعطيلها. ما يحمله على الاعتقاد بأن لا حاجة الى توقيع 24 وزيرا المراسيم ما دامت اخضعت للتصويت بالاكثرية العادية. ما يصح على المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء مجتمعا، يصح على المراسيم التي يقتصر توقيعها على رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير او الوزراء المختصين.
يشكو سلام من
تلاعب الوزراء بصلاحيات مجلس الوزراء لا من خوفه على الحكومة



5 ــــ في الشهر الاول من تولي مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية، اقتصرت جلساته على توقيع وزير واحد من كل كتلة ممثلة في الحكومة مراسيم الاصدار اشعارا بموافقة الكتلة عليها. كان ثمة اتفاق عام على هذه الآلية بغية تسهيل اتخاذ القرارات. سرعان ما راح الوزراء، واحدا تلو آخر، يبدون رغبتهم في الانضمام الى التوقيع تارة، وتبادل ادوار مَن يوقع المراسيم دوريا عن هذه الكتلة او تلك طورا، الى ان صار الوزراء الـ24 يوقعونها على غرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2007 و2008. هكذا تحوّل قسط من جلسة المجلس الى ما يشبه صفا مدرسيا: تباعا يوقع الوزراء كأنهم ينجزون فرضا. مذ ذاك بدا ان كلا منهم يصوّب على هدفين متلازمين: تأكيد دوره على انه 24/1 من رئيس الجمهورية مع انتقال الصلاحيات الى مجلس الوزراء، وترك بصمته في كل المراسيم في مرحلة استثنائية اضحى مجلس الوزراء هو الشرعية الدستورية واللاعب الوحيد تقريباً: لا رئيس للدولة ولا مجلس نيابياً يجتمع.
يفضّل سلام العودة الى تلك الآلية التي جنّبت المجلس عقبات شتى، وأتاحت اتخاذ القرارات الى ان اصبح التوقيع جماعياً، فوقع الجميع في محظور تبادل النكايات. الا ان سلام يجد الوسيلة المثلى لادارة السلطة الاجرائية في التعويل على التصويت بالاكثرية العادية من ضمن ثلثي الحاضرين في المرحلة الاولى، وانعكاس التصويت على التوقيع في المرحلة الثانية. مع ذلك استوقفته محاولتان ملفتتان في الجلسة ما قبل الاخيرة لمجلس الوزراء: سجّل الوزير جبران باسيل اعتراضه على قرار يتصل بوزارة الاتصالات من غير ان يتسبب بتعطيل اقراره، او التهديد بعدم توقيعه. كذلك فعل وزير الطاقة والمياه ارتور نظريان متحفظا عن اتفاق تدريب بين لبنان وتركيا من غير اعتراض اقراره انطلاقا من موقف مبدئي مرتبط بعداء ارمني تاريخي لتركيا ليس الا.