كل ما تفعله «داعش»، بداية من قطع الرؤوس وصولاً إلى تدمير الآثار في سوريا والعراق، توجد له نسخة طبق الأصل في السعودية. لا شيء يستطيع أن يخفي الأرضية المتعاطفة مع التنظيم الإرهابي داخل المملكة الوهابية التي بات الكثير من شبابها المتعلّم واجهة لحروبه في سبيل تحقيق حلمه لإقامة دولة الخلافة.
وفي توصيف للنسخة السعودية الرديئة مقارنة بسيناريوهات مثيلتها في أرض الشام، هاجم محتسبون الناقد والورائي معجب الزهراني الذي نعت مقاتلي «داعش» بـ«السفهاء»، في مداخلة خلال ندوة «الشباب والفنون... دعوة للتعايش» التي جرت الأحد الماضي، ضمن فعاليات «معرض الكتاب الدولي» (يستمر حتى 14 مارس (آذار) الجاري). انتقد الزهراني تدمير آثار الموصل على أيدي مقاتلي التنظيم الإرهابي، الأمر الذي اعترض عليه بعض المحتسبين الذي استدلّوا بفعل النبي محمد حين أمر بتحطيم الأصنام يوم فتح مكة، صارخين في القاعة الملحقة بالمعرض: «تحطيم هذه الآثار واجب على كل مسلم». صرخة أثارت حفيظة صاحب رواية «رقص»، فرد عليهم بالقول: «هذي «داعش» تكسّر التماثيل بالعراق، الحقوهم واكسبوا أجراً». وعلى الأثر، أوقفت الندوة عمداً بعدما سادت الفوضى داخل قاعة المحاضرات. انتصرت الـ«دعشنة»، وسارع المحتسبون إلى الاستيلاء على المنصة، منادين للصلاة وسط تعجب المنظمين والحضور وعجز رجال الأمن عن إيقاف «غزوة المطاوعة».
هذه الحادثة، أغصبت عدداً من المدوّنين الذين سارعوا إلى إطلاق هاشتاغ #غزوة_ذات_التعايش. إحدى المدوّنات علّقت ساخرة: «هؤلاء يتصوّرون أنّهم يقيمون الصلاة بين كفار قريش!»، فيما كتب آخر: «مبدأ السياسة السعودية... اشغلهم بالهيئة لا يشغلونك بالسياسة».
المشهد الداعشي لم يمنع مدوّناً ثالثاً من الغناء على تويتر عبر صفحة الحملة: «تعايش إيه اللي إنت جاي تقول عليه... إنت عارف التعايش يعني إيه؟»، قبل أن ينشر الإعلامي السعودي محمد العمر صورة للندوة أظهرت عنوان المعرض في الخلفية «الكتاب تعايش»، مرفقة بتعليق: «الكتاب تحوّل من تعايش إلى داعش».
إذاً، لا شيء سيوقف الجرّافة الداعشية من السيطرة وكسب الجولات خلال أيّام المعرض الثقافية هذه السنة كما السنوات الماضية. فالأمر يحظى هذه المرّة بغطاء من وزارتي الثقافة والإعلام عبر توزيع منشورات يستطيع المتجوّل تعبئتها لتقديم بلاغ عن الكتب المخالفة، طالبة منه تسليم نسخة إلى إدارة المعرض وأخرى إلى «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
مشاهد المنع والرقابة وقنص الكتب في «معرض الكتاب الدولي»، تشي بتوغّل داعش داخل العقل السلفي السعودي. لم يعد هناك الكثير من الوقت ربما على رؤية المطاوعة يصورون مشاهد حرق الكتب العلنية، فيما النظام السعودي يتكفّل بتدمير آثار مكة والمدينة المنوّرة!