تمضي السعودية في مغامرتها غير المحسوبة على الساحة اليمنية. في اليوم الثاني لحملة «عاصفة الحزم» التي تقودها الرياض بمشاركة 9 دول أخرى، اتسعت رقعة العمليات العسكرية، متجاوزةً القواعد العسكرية والدفاعات الجوية إلى مؤسسات الدولة والبنى التحتية في صنعاء، في تركيزٍ واضح على ضرب قدرات الجيش الوطني. وتسير الحملة الجوية على وقع حراكٍ دبلوماسي مكثف، خصوصاً من قبل الجانبين السعودي والمصري اللذين يسعيان إلى حشد دعمٍ عربي للحملة العسكرية، ما قد يتبلور اليوم في اجتماع القمة العربية في شرم الشيخ، التي وصل إليها الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي يوم أمس، للمشاركة بصفته «رئيساً شرعياً» لليمن، قبل أن يتلقى مجلس الأمن مشروعاً عربياً خاصاً باليمن، يطلب غطاءً دولياً للعدوان، تحت الفصل السابع.
وفيما دعت وزارة الداخلية اليمنية في صنعاء كل الأجهزة والوحدات الأمنية إلى «رفع الاستعدادات القتالية» في المحافظات اليمنية كافة، ما قد ينذر باستشراف تدخلٍّ برّي رغم نفي المتحدث الرسمي باسم الحملة العسكرية، أحمد العسيري، هذه الفرضية، وردت أنباء ليل أمس، عن تحريك اللواء 1 مدفعية في صعدة لمعداته العسكرية باتجاه منفذ البقع الحدودي مع السعودية. وبدا لافتاً تحديد العسيري أن الهدف يتمثل في «حماية حكومة عدن» في إعلان يُرسي إطاراً للعمليات العسكرية المتواصلة على اليمن.
تمكنت الدفاعات الجوية من إسقاط طائرة حربية سودانية شمال صنعاء

ورغم الطلعات الجوية المستمرة ضد مواقع يسيطر عليها الحوثيون ومواقع أخرى تابعة للجيش، تمكن «أنصار الله» من تحقيق المزيد من التقدم في عدن يوم أمس، ومن السيطرة على نقاط في محافظة أبين حيث بات لهم موطئ قدم على بحر العرب للمرة الأولى، في وقتٍ خرقت فيه الترقب السياسي الداخلي اليمني، مبادرة من الرئيس السابق علي عبد الله صالح للحلّ، تضمنت اقتراحاً بعقد حوارٍ يمني في دولة الإمارات العربية بعد وقف إطلاق النار وانسحاب كل الاطراف اليمنية من المقارّ التي يسيطرون عليها. ويبدو أن صالح حريص، باكراً، على حجز مكانٍ له في أي تسوية مقبلة، بصرف النظر عن الخسائر السياسية التي قد يتكبّدها الحوثيون في حلٍّ غير محسوب، بعد سلسلة انتصارات أوصلت السعودية وحلفاءها إلى هذه الإجراءات الانتقامية.
ويوم أمس، وصل هادي، إلى شرم الشيخ لحضور القمة العربية التي تُعقد اليوم، وكان في استقباله الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حيث عقدا جلسة مباحثات مغلقة سريعة تناولا خلالها آخر المستجدات. ومن المتوقع أن يصدر عن القمة اليوم، بيان يؤيد العدوان على اليمن، رغم احتمال تحفظ بعض الدول المشاركة. إلى ذلك، ورغم أن آليات تنفيذ خيار التدخل البرّي ونتائجه تتطلب تفكيراً ملياً من السعودية التي لها تجربة قاسية في المواجهة البرية مع الحوثيين عام 2009، ستتجه القمة إلى الاعلان الرسمي لتشكيل القوات العربية المشتركة التي يأمل السعوديون أن تكون أولى مهماتها البرّية في اليمن، خاصة بعد التمنع الباكستاني عن المشاركة في العدوان والتحفظ التركي. وقد تلقى مجلس الأمن الدولي مشروع قرار خليجي يدعو إلى مواجهة «الانقلاب الحوثي» ووضع اليمن تحت الفصل السابع، وينصّ أيضاً على ضرورة انسحاب الحوثيين من العاصمة صنعاء وكل المدن الرئيسية، خصوصاً تعز والبيضاء ولحج وعدم التقدم باتجاه أي مدن أخرى في البلاد.
ولليوم الثاني على التوالي، واصلت الطلعات الجوية العدوانية التي تقودها السعودية قصف أهداف في مدن صنعاء وصعدة وتعز وحجة وغيرها، أدت إلى مقتل 39 مدنياً بحسب أرقام وزارة الصحة اليمنية. وتمكنت الدفاعات الجوية أمس من اسقاط طائرة حربية سودانية شمال صنعاء. وقالت مصادر عسكرية في حديثٍ إلى «الأخبار» (علي جاحز)، إن طائرات العدو استهدفت في اليوم الأول مطار صنعاء وقاعدة الديلمي الجوية وبعض معسكرات مهمة في محيط العاصمة. أما يوم أمس، فقد صعدت تلك الطلعات الجوية من وتيرة القصف، واستهدفت القصر الرئاسي ووزارة الدفاع ومنشآت أمنية وسط العاصمة. وأكد المصدر أن الهجمات العدوانية لم تحقق اهدافها ولم تتمكن من إحداث أضرار كبيرة بالمنشآت والمعدات التابعة لها.
وتوسّع مستوى المشاركة في الغارات الجوية أمس، حيث انضمت الطائرات الاماراتية إلى العمليات العسكرية. وأكد العسيري أن «القوات الجوية الاماراتية حاضرة بكثافة اليوم (أمس)»، مشيراً الى أن العمليات «استمرت باستهداف اسلحة الدفاع الجوي، سواء منظومات صواريخ سام او المدفعية المضادة للطائرات»، كذلك «استمرت باستهداف منصات الصواريخ البالستية».
ورداً على سؤال عن امكانية سيطرة الحوثيين على عدن، اكد العسيري: «سنقوم بما هو ضروري لحماية شرعية الحكومة» في المدينة التي أعلنها هادي عاصمة مؤقتة للبلاد. وكانت مقاتلة تابعة للحملة قد نفذت صباح أمس، غارة جوية استهدفت كتيبة الدفاع الجوي 49 بالقرب من حقل وادي بنا في منطقة صافر النفطية في مدينة مأرب (شرقي البلاد)، أغنى مناطق البلاد بالنفط، بالإضافة إلى غارات جوية على معسكرات وقواعد الجيش في أبين وعدن، جنوبي البلاد.
في هذا الوقت، تمكنت وحدات من الجيش اليمني وقوات «أنصار الله»، يوم أمس، من السيطرة على مراكز محافظتي شبوة وأبين، ما يعني أنهم باتوا يسيطرون على كل المداخل البرّية لميناء عدن.
إلى ذلك، وفي قرار مفاجئ وغير متوقع، أكدت مصادر إعلامية محلية الإفراج عن وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة محمود الصبيحي مع قيادات عسكرية اعتُقلت في المعارك الأخيرة بتوجيهات من زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي.
(الأخبار، الأناضول، أ ف ب، رويترز)