غارت وجنتا الشيخ عمر بكري فستق، وهزُل جسده كثيراً حتى يكاد يبدو شخصاً آخر. حاله حال زميله في السجن محمد بسام حمود، المعروف بـ«أبو بكر حمود»، الذي قضى أكثر من ثماني سنوات في السجون السعودية بتهمة الانتماء إلى «فتح الإسلام». بُرِّئ سعودياً، لكن استؤنفت محاكمته في لبنان بجرم «تأليف عصابة مسلّحة وتجنيد شبّان وتخزين أسلحة». استياء الرجلين لا يخفى على أحد، بعكس رفيقهما الثالث حسام الصبّاغ الذي لم تُفارق الابتسامة الساخرة وجهه. «أبو الحسن»، كما يشتهر طرابلسياً، بدا أكثر اطمئناناً. إلى جانبه، في قفص المحاكمة، جلس مرافقه الدائم المتّهم شادي زيلع الذي يُحاكم في القضية قبل أن يبدأ القاضي الاستجواب. كان قد سبقهم، بدقائق، أحد «أمراء» طابق الإرهاب في سجن رومية المركزي سابقاً، سليم صالح الملقّب بـ«أبو تراب»، إلا أن محاكمته أُرجئت.
المسؤول الشرعي في «كتائب عبدالله عزام»، جمال دفتردار، دخل على كرسي مدولب قبل أن يخرج من دون أن ينطق بكلمة بسبب إرجاء الجلسة للمرافعة والحكم في الجلسة التي عُيّن موعدها في 20 نيسان الجاري.
رئيس المحكمة العسكرية الدائمة خليل ابراهيم استمع إلى الصبّاغ وفستق وحمود والزيلع الذي واكبهم في الجلسة بضعة شهود، أبرزهم الشيخ نبيل رحيم، ابن الدعوى نفسها. أما التهمة فكانت: «تأليف عصابة مسلّحة وحيازة ذخائر ونقلها وتأمين مأوى وتوفير طعام ومساعدة مجرمين».
«أنا أبايع المهدي»، بهذه العبارة ردّ فستق على سؤال إبراهيم عمّا إذا كان لا يزال في نيّته مبايعة أمير «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي. وأضاف: «إن كان يستحق البيعة سأبايعه وإن لا فلا». نفى فستق كل الاتهامات التي سيقت ضده، وتبرّأ من أي علاقة مع أي جماعة مرتبطة بـ«القاعدة» بالقول: «لا علاقة لي بأي جماعة ولم أعمل على تشكيل أي مجموعة ولا بنيّتي فعل ذلك بتاتاً، ولم أُقدم نفسي في الإعلام كذلك، إنما كنت أُصرّح كخبير في الجماعات الإسلامية. لكن أنا هنا أُحاكم على اعتقادي».
بعدها نودي على رحيم المتّهم بتشكيل مجموعة تابعة لـ»القاعدة»، والذي أوقف لدى فرع المعلومات عام ٢٠٠٨. عرّف رحيم عن نفسه وعمله، وأكد أن «كل الاتهامات التي أُسندت إلينا في هذه الدعوى غير صحيحة». وأضاف: «ببالغ الأسف أُخبرك أننا كنّا نوقع على المحاضر من دون أن نطلع عليها». سأل رئيس المحكمة رحيم عن علاقته بمشايخ سعوديين وعن أسماء مطلوبين كان لهم دور بارز في الحراك «الجهادي» على الساحة اللبنانية من عبدالله البيشه إلى محمد السويّد.

فستق والصبّاغ ودفتردار و«أبو تراب اليمني» دفعة واحدة أمام «العسكرية»

ثم تعاقب الشهود: عمر حربة وجميل الزين وعثمان تركماني وإبراهيم صبلوح، وهم أصدقاء للموقوفين الثلاثة. الزين تحدث عن صداقة قديمة تربطه بالصبّاغ منذ كان يعمل حدّاداً في أوستراليا. وردّاً على سؤال إبراهيم عن دور شرعيّ للصبّاغ في حلقات دينية معينة، أجاب: «لا أعتقد لأن الصبّاغ أُمّي وأنا كنت أُحاول تعليمه القراءة والكتابة». وسأل ابراهيم الصباغ عن سبب توجهه إلى سوريا سابقاً، فردّ بأنه بعد قدومه إلى لبنان آتياً من أوستراليا افتتح مطعماً للحمص والفول، وقد قصد سوريا لشراء بضائع لمتجره من هناك. وعن معرفته بأبي مصعب الزرقاوي ردّ: «لم أقابل أبو مصعب ولا أحمل هذا الفكر أصلاً». الشاهد صبلوح، أفاد بأنه شريك الصبّاغ في قطعة أرض في أبي سمراء، كاشفاً أنه اشترى منه بندقية أم ١٦ عام ٢٠٠٦. فأكد الصبّاغ ذلك بالقول: «نعم. اشتريت له بندقية عام ٢٠٠٦ خلال حرب تموز». وعندما سأله إن كان علّمه على استخدامها، فردّ الصبّاغ بالقول: «علّمته ما يجب أن نتعلّمه نحن في مدارسنا الابتدائية، ما دام هناك عدو إسرائيلي على حدودنا».
أما حمود، الذي كان يعمل في تعبئة العطورات، فأعاد تكرار إفادته السابقة، متحدثاً عن «مؤامرة ما لفتت نظره وكأن شيئاً يُراد تركيبه لربطه بالقاعدة». ولمّا سُئل الشاهد تركماني إن كان قد شاهد أسلحة لدى حمود، أجاب: «لم أكن أرى عنده سلاحاً… أصلاً الشيخ حمود كان يقول دائماً إن لبنان لا يصلح لدولة إسلامية».
رُفعت الجلسة بعدها. خرج المتّهمون فيما أُبقي على فستق لكونه يُحاكم في دعوى أخرى مع الموقوفين صالح الحسن وعبد الناصر شطح. وأُعيد إدخال حمود مجدداً الذي قال للعميد: «لقد تعرّضت للإهانة اليوم وتمّت تعريتي من قبل عناصر الأمن الذين ضربوني من دون سبب أثناء سوقي». وعده العميد بإيصال شكواه إلى المعنيين ثم استأنف الاستجواب. فأفاد شطح بأن فستق أرسله إلى مخيم عين الحلوة لمقابلة أحدهم، كاشفاً أنه التقى هناك «أبو الزهراء» و»أبو مصعب الشعبي». غير أن فستق نفى كل ما أُسند إليه. كذلك نفى الحسن معرفته بأيٍّ من الموقوفين الآخرين.