بعد الأباطرة الرومان، وأبرزهم تيتوس، الذين حفروا كلماتهم في صخور بلدة العاقورة، جاء دور منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد ليخلّد ذكراه في البلدة المجاورة لبلدته قرطبا. بدل حفر الكلمات، يريد سعيد حفر بركة، مهدداً المنطقة بكارثة أكبر من تلك التي سببها سلفه الإمبراطور الروماني دو ميسيانوس قبل 1933 عاماً.أبناء البلدة التي تعلو أكثر من 1700 متر عن سطح البحر، أنشأوا عشرات البحيرات الاصطناعية بطريقة فوضوية، لري بساتينهم، قبل أن يحذر المشروع الأخضر عام 2002 من إنشاء أي بركة جديدة في منطقة مرج ريما، أو تسوية الأراضي أو استصلاحها، بسبب الخشية من زحل الأراضي، علماً بأن التاريخ العاقوري حافل بزحل الأراضي وانهيار البرك الصغيرة.

ورغم دراسات الخبراء التي أظهرت عدم وجود جدوى فنية واقتصادية من حفر بئر جديدة في المنطقة، ومنع قائمقام جبيل ووزير الداخلية السابق مروان شربل إنشاء وصيانة برك ترابية أو خزانات أو غيرها، أصر المجلس البلدي في العاقورة، المدعوم من سعيد، على إنشاء بحيرة كبيرة لاجتذاب السياح، لن تصب فوائدها إلا في جيوب النواب السابقين وأنصارهم، من دون مبالاة بزحل الأراضي أو تغيير مجرى المياه أو جفاف البساتين... وعلى قاعدة: من بعدي الطوفان.
إلا أن مناقضة المجلس البلدي لقراره السابق برفض إنشاء البحيرة ليس أمراً سهلاً، لذا لا بد من تهريب قرار بلدي في هذا الشأن. وفي هذا السياق، حصلت «الأخبار» على كتاب وجهه نائب رئيس المجلس البلدي جوزف الهاشم الى قائمقام جبيل بالإنابة نجوى سويدان، أشار فيه إلى «مفاجأة» أبناء العاقورة ببدء أحد المقاولين أعمال الحفر في محلة مرج ريما، زاعماً أنه ينفذ قرار المجلس البلدي بإنشاء بحيرة لتجميع المياه. وسرعان ما وُضع في التداول محضر اجتماع منسوب لمجلس بلدية العاقورة يحمل تاريخ 22/10/2014. الهاشم أكّد أنه شارك في اجتماع بلدي في ذلك التاريخ في مبنى اتحاد بلديات جبيل، اتخذت فيه قرارات تتعلق بصرف أموال وفواتير أشغال منفذة والتصديق على موازنة البلدية، وقد كتب بنفسه محضر الاجتماع، مشيراً الى أن المحضر المتداول مختلف تماماً، وهو «مفبرك» من دون شك، إذ إنه لا يحمل تواقيع العديد من أعضاء المجلس البلدي، وفي مقدمهم نائب رئيس المجلس البلدي. أما العضو أمين مسعود، مثلاً، فقد حمل المحضر توقيعه رغم تغيبه عن الاجتماع، علماً بأن رئيس المجلس البلدي سيمون مرعب (مدير فرع أحد المصارف) لم يكتف بتجاهل كل تقارير الخبراء الجيولوجيين بقراره إنشاء البحيرة في منطقة جورة المعازين ــ مرج ريما، ولم يكتف بفبركة قرار بلدي، بل تعاقد مع أحد المقاولين لحفر البحيرة من دون الرجوع إلى المجلس ومن دون إجراء مناقصة وفض عروض ودراسة كلفة أعمال الحفر وتحديد كيفية رسو عملية التلزيم على المقاول المقرب منه.
في العاقورة، يتفاقم الغضب اليوم وخصوصاً في أوساط آل الهاشم، باعتبارهم أكثر المتضررين مما ستلحقه البحيرة الجديدة بأراضيهم. يقول هؤلاء إن مجلس الوزراء أصدر، بطلب من وزير الزراعة السابق حسين الحاج حسن، مرسوماً بإنشاء بركتين في العاقورة، الأولى في محلة المغر والثانية في محلة البربريسي. وقد شكل المرسوم انتصاراً لأهل العاقورة، لتكريسه نفوذهم في المناطق المتنازع على ملكيتها بين العاقورة واليمونة.

قرار مجلس بلدي مفبرك وبدء أعمال الحفر من دون اتّباع الإجراءات القانونية

إلا أن رئيس المجلس البلدي آثر استرضاء المقربين منه الذين يملكون عقارات البربريسي، فنقل البحيرة إلى منطقة جورة المعازين حيث الأراضي لآل الهاشم، متذرّعاً بأحوال الطقس في كيدية عائلية واضحة. ويتناقل هؤلاء صورة سعيد ورئيس المجلس البلدي عند رئيس الحكومة تمام سلام بوصفها «دليلاً واضحاً على ضغط سعيد بشتى وسائل الأمانة العامة على وزارة الداخلية وقائمقامية المتن والنيابة العامة في جبل لبنان ومجلس شورى الدولة وغيرها من الإدارات الرسمية المعنية بوقف الجريمة المحدقة بهم»، علماً بأن حرص الأهالي على مصلحتهم دفعهم إلى تجاوز عصبيتهم السياسية، سواء العونية أو غيرها، واللجوء إلى معراب لثقتهم بأن رئيس حزب القوات سمير جعجع أقدر من العماد ميشال عون على قطع طريق سعيد إلى وزارتي العدل والداخلية، في ظل تمسك الأهالي حتى الآن، كما يقولون، بالحلول القانونية. وقد عرف جعجع كيف يستغل اللحظة، فتتالت اجتماعاته بأهالي العاقورة، وخلص إلى تأكيد متابعته لكل قضية تطرح وفق القوانين المرعية الإجراء، مؤكداً انتظاره نتائج العملية القانونية التي أعلن الجميع قبولهم بها، في إشارة واضحة إلى الدعوى المقدمة من مالكي عقار مرج ريما أمام مجلس شورى الدولة لإبطال قرار المجلس البلدي السابق ذكره. وفي إشارة إلى سعيد باعتباره السياسي المتدخل الوحيد في هذه القضية، ردد جعجع: «ولت الأيام التي كان فيها بعض الفرقاء من خارج المنطقة يتلاعبون بوضع العاقورة»، الأمر الذي يوحي باختيار جعجع توطيد علاقته بأهالي المنطقة على حساب علاقته بنائبهم السابق.
في النتيجة، وفي انتظار كلمة القضاء، يقول بعض شباب العاقورة إن منطقة مرج ريما سهل أخضر بين جبلين، يتوسط تنورين من جهة الشمال واليمونة من جهة البقاع وقهمز من جهة كسروان وقرطبا من جهة جبيل. وفي البلدة آلاف المغاور وعشرات الكنائس القديمة والنقاط الأثرية والشلالات وغيرها من المزايا التي تحولها إلى واجهة مميزة للسياحة الداخلية والأجنبية في حال توفير البلدية حجر زاوية أساسياً لكل ما سبق. لكن يفترض باللاهثين خلف مصلحتهم مصارحة البلدة بحقيقة نياتهم، والبحث بهدوء عن مشروع متكامل لإنعاش السياحة: لا يلحق أولاً أي ضرر بالقطاع الزراعي الذي تضاعف إنتاجه عشرات المرات في السنوات القليلة الماضية، ويفيد ثانياً مجمل أبناء البلدة لا بعض المقربين من سعيد ورئيس المجلس البلدي فقط، وينمو ثالثاً بطريقة قانونية ومدروسة بدل أن يتوسع بشكله الفوضوي الحالي.