بدأ الجيش السوري أمس عملية عسكرية في محيط مدينة جسر الشغور (وبلدة اشتبرق المجاورة لها) في ريف إدلب، بعدما سيطر عليها «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» وحلفاؤه، باستثناء المشفى الوطني عند المدخل الحنوبي للمدينة. وفي سهل الغاب (ريف حماه الشمالي) المتصل بريف جسر الشغور، استعاد الجيش بعضاً من الحواجز التي سقطت بيد «النصرة» في اليوم السابق، فيما لا تزال المنطقة تشهد معارك كر وفر.
ولمدينة جسر الشغور أهمية استراتيجية كبيرة بسبب موقعها القريب من الحدود التركية من جهة، وكونها من جهة أخرى متصلة بريف حماه، وبريف اللاذقية. وبها يمر طريق إمداد رئيسي لقوى الجيش المنتشرة في ريف إدلب (مدينة أريحا، معسكر القرميد، معسكر المسطومة وبلدة محمبل).
وقال مصدر ميداني لـ»الأخبار» إن قوات الجيش السوري التي انسحبت من أحياء جسر الشغور اتجهت نحو بلدة محمبل، وصولاً إلى مدينة أريحا، فيما توجه قسم آخر إلى بلدة جورين في سهل الغاب، قبل أن يسقط حاجز بلدة الزيارة بأيدي المسلحين.
وبدأ عناصر حماية بلدة اشتبرق بإخراج سكانها عن طريق الأراضي الزراعية بعد اقتراب المسلحين على نحو 400 متر منها. ووقعت معارك عنيفة بين أبناء البلدة والمسلحين أدت إلى استشهاد عدد من الأهالي الذين كانوا يقاومون المسلحين. وتمكن مسلحو «القاعدة» من اقتحام البلدة حيث ارتكبوا مجزرة راح ضحيتها أكثر من 30 مدنياً لم يتمكنوا من الهرب.
وأدى سقوط جسر الشغور إلى قطع خطوط الإمداد عن القوات المنتشرة على طول أوتوستراد أريحا ــ اللاذقية من محمبل وحتى أريحا، وخاصة بعد سيطرة المسلحين على النقاط العسكرية عند قرى غانية والسرمانية والزيارة واشتبرق جنوب الجسر والتي بدأ الجيش السوري عملية عسكرية باتجاهها بعد ساعات من خروج المدينة عن سيطرته.
وقال مصدر ميداني لـ«الأخبار» إن العملية العسكرية مستمرة وبوتيرة عالية لاستعادة كامل النقاط جنوب مدينة جسر الشغور، وصولاً الى بلدة اشتبرق التي من خلالها يمكن الوصول إلى المدخل الجنوبي لمدينة الجسر، حيث يوجد المشفى، التي لا تزال القوات صامدة بداخله. وشدد على أن «وجود النصرة مؤقت في المدينة، فأهميتها تستدعي استعادتها بأسرع وقت».
وأشار المصدر إلى أن«سلاح الجو كثف طلعاته فوق إدلب، منفذاً أكثر من 70 غارة جوية في مدينة جسر الشغور ومحيطها خلال 24 ساعة من سقوطها، إحداها أصابت تجمعاً كبيراً للمسلحين معظمهم من جنسيات غير سورية خلال التقاطهم صوراً عند ساحة الصومعة وسط المدينة، ما أدى إلى سقوط أكثر من 30 قتيلاً وعشرات الجرحى بحسب إعلام المعارضة».

لا يزال الجيش موجوداً في المشفى الوطني عند المدخل الجنوبي لجسر الشغور

وفي الجهة الشمالية لسهل الغاب في ريف حماه الشمالي، والواقعة على تماس مباشر مع قرى ريف جسر الشغور، سقط عدد من القرى في أيدي عناصر «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة»، أول من أمس. الوضع الميداني في المنطقة ازداد سوءاً، إثر سيطرة المسلحين على قرية الزيارة، شمالي سهل الغاب، غير أن الجيش سارع إلى استعادة جزء منها. مصدر ميداني أكد لـ»الأخبار» أن «حاجز التنمية في البلدة شهد معارك عنيفة، ما أدى إلى سيطرة المسلحين عليه لساعات، قبل أن يستعيده عناصر الجيش بصعوبة». أحد العسكريين في المنطقة أكد لـ»الأخبار» أن الجيش أحرز تقدماً في قرية الزيارة، ما يجعل أكثر من نصف أراضي القرية تحت سيطرة القوات السورية. ويضيف: «تمكنّا من استعادة السيطرة على حاجزي التنمية والمستوصف ومنعنا المسلحين من التمركز على تل القرقور، خشية حصار قرية فريكة وخسارة خطوط الإمداد شمالاً».
ويذكر المصدر أن «الجيش عزز معسكره في جورين، القرية الواقعة غربي سهل الغاب، والتي تشكل الخط الدفاعي الأهم عن بقية القرى في المنطقة». معارك عنيفة يشهدها تل القرقور شمالاً، ضمن محاولات حثيثة من المسلحين لإحراز تقدم يوازي ما حققوه في جسر الشغور المجاور، بعد «سيطرتهم على التل لساعات أيضاً»، بحسب المصدر، إلا أن «قوات الجيش الموجودة في المنطقة، تصدّ هجماتهم بمساندة سلاح الجو والمدفعية».
وتختلف معنويات المقاتلين في المنطقة عمّا كانت عليه منذ أيام، ولا سيما بعد سقوط حواجز قرى السرمانية والقاهرة والمنصورة، بأيدي المسلحين، ما أدى إلى تطويق سريع لهذه القرى، من قبل الجيش. وتخوض القوات السورية اشتباكات عنيفة مع مسلحي «القاعدة» وحلفائهم في محيط قرية فريكة، أقصى شمال الريف الحموي، والتي باتت أخطر خطوط التماس، بحكم مواجهتها، بشكل مباشر، مع جسر الشغور، إذ لا تبعد عن المدينة المذكورة سوى 6 كلم، إلى الجنوب الشرقي. وعلى الرغم من نزوح عدد من المدنيين في قريتَي الجيّد والرصيف، حسب مصدر أهلي، فإن بقية الأهالي يحاولون مساندة الجيش في مهمته الأصعب، وهي فتح طريق إمداد لقوات الجيش المتبقية في ريف إدلب. لا يبدو المصدر متفائلاً بالوضع الميداني، غير أن أخبار تقدم الجيش بين ساعة وأُخرى، في قرية الزيارة، شرقي العاصي، تمنح الأهالي بعض المعنويات، إضافة إلى وصول العقيد السوري الشهير سهيل الحسن إلى المنطقة على رأس تعزيزات عسكرية. وتتمثل معاناة أهالي سهل الغاب بتعرض قراهم لصواريخ المسلحين، التي تنطلق من قرى جبل شحشبو، الواقع شرقي سهل الغاب، والذي يشكل امتداداً لجبل الزاوية.