قبل أيام من عيد العمال، قُتلت ثلاث عاملات في يومٍ واحد. لم تتمكن هؤلاء من الخضوع أكثر لنظام الاستعباد المسمى «كفالة». كذلك، تم اكتشاف أنّ هناك طفلة بنغلادشية بعمر الثانية عشرة جاءت الى لبنان لتعمل في الخدمة المنزلية لأكثر من 18 ساعة يومياً ومن دون أجر. في عيد العمال، أطلّ وزير العمل سجعان قزي على شاشة تلفزيون «المستقبل» ليجدّد رفضه المطلق لحق عاملات المنازل في التنظيم النقابي، ولم يكتفِ بذلك فقط. فوفق بيان منظمة «كفى»، شتم قزي الناشطة في المنظمة غادة جبور بعدما توجّهت اليه أثناء المقابلة لتقول له إن النقابة حق لعاملات المنازل وإن الأفعال أهم من الأقوال.
«غضب قزي إثر هذا التصريح وترك المقابلة وبدأ يشتم ويسبّ، وبالطبع لم يفته استخدام كلمات رخيصة ونابية تثبت مدى ذكوريته وتعجرفه، مع العلم بأنها لم تكن المرّة الأولى التي يعبّر فيها الوزير بهذه الطريقة»، بحسب البيان. مصادر الوزير تنكر ما ورد في بيان «كفى»، إذ إن الوزير رفض «فقط أن يناقش الأمر خارج إطار البرنامج الموجود فيه».
في عيد العمّال في الاول من أيار لم يكن يوم عطلة لعاملات المنازل. انتظرن حتى يوم الاحد لتنظيم مسيرة حاشدة للمطالبة بحقّهن في التنظيم النقابي الذي تعمل السلطة جاهدةً من أجل منعه. عاملات من جنسيات مختلفة حملن لافتات تدعو «لوقف الاتجار بهنّ»، «قتل نظام الكفالة لإنقاذهنّ» و»التحقيق جدياً في حالات الانتحار». رقصن على إيقاع الاغاني تعبيراً منهنّ عن رغبتهنّ في عيش حياة سعيدة، أردن أن يقلن للذين يتهمون العاملات «بالانتحار بسبب مشاكل نفسية» إنّهن يحببن الفرح، إلا أنّ ما يحدث بين جدران البيوت من ظلم وقهر واستغلال «مشرّع» هو الذي يقتلهن.
ترتدي سيباستيان، القادمة من ساحل العاج، كنزة النقابة الحمراء وتجول بين المشاركات. لماذا أنتنّ هنا؟ تسألها إحدى النساء، فتجيبها بغضب «لأنه ليس لدينا الحق في أن نأكل. لأننا ننام في المطبخ أو على الشرفة، ونعمل منذ الرابعة صباحاً حتى الثانية ليلاً. نحن هنا لأنهم يقفلون أبواب البيوت علينا كأننا سجينات، ويعاملوننا معاملة سيئة، كذلك فإنّ أوراقنا مصادرة. ونحن لا نريد هذا». تتدخل غريتا القادمة من إثيوبيا لتشرح للمرأة ببساطة، فتقول مع ابتسامة «أنت يمكنك أن ترتدي ما يحلو لك، لكن أنا ما دمت موجودة لدى كفيلي ممنوع عليّ أن أرتدي ما يعجبني. إذا إنتي مش مبسوطة بشغلك بتفلي، بس أنا شو بعمل؟ إذا فليت بياخدوني عالحبس. أنا ما سرقت وما قتلت، بس أنا بالحبس لإني فليت». تأخذ غريتا يوم عطلة واحد كل شهرين، وفي يوم عطلتها أمس اختارت أن تطالب بحقوقها.

قزي: تحقيق
هذه المطالب لا يتم عبر إنشاء نقابة

يقدّر عدد عاملات المنازل ما بين 150 و220 ألفاً من إجمالي القوى العاملة التي تقدّر بـ1.45 مليون، ولا تزال هذه الفئة مستثناة من قانون العمل بموجب المادة السابعة.
القضية الأساس اليوم هي تعنّت وزير العمل في رفض ترخيص «النقابة العامة لعمال التنظيفات والرعاية الاجتماعية»، وفق التسمية الرسمية الواردة في الطلب المقدم الى الوزارة، ضارباً عرض الحائط بالحق في التنظيم النقابي للعمال الذي تصونه المواثيق الدولية، مستنداً بذلك الى أنّ «عمال المنازل مستثنون من أحكام قانون العمل، وبالتالي لا يمكنهم تأسيس نقابة. كذلك فإنّه لا يمكن تأسيس نقابة لغير اللبنانيين». حجة الوزير سبق أن دحضها المحامي نزار صاغية الذي أكد أن استثناء هذه الفئة من القانون يشير الى أنها «لا تخضع لشروط تأسيس النقابات التي ينص عليها قانون العمل، ولا يعني إطلاقاً منعهم من تأسيس نقابة وتجمّع للدفاع عن حقوقهم»، كذلك فإنّ مؤسّسي هذه النقابة عمال لبنانيون. مع ذلك، يتشبّث الوزير بموقفه؛ فبعد مرور أكثر من 3 أشهر على المؤتمر التأسيسي للنقابة، لم يوقّع الى اليوم طلب النقابة، وهو أعلنها صراحة أنه «لن يوقّع». إلّا أنّ الوزير يؤيد جميع مطالب العاملات، وفق ما يقول لـ»الأخبار»، لكن «تحقيق هذه المطالب لا يتم عبر إنشاء نقابة، بل من خلال مجموعة إجراءات بدأت بها وزارة العمل، وهي عبارة عن 16 إجراءً عرضتهم الوزارة على السفارات المعنية التي وافق معظمها عليها بانتظار الرد المتبقي من سفارة الفيليبين». بحسب الوزير، فإنّ «هذه الإجراءات تذهب أبعد بكثير ممّا تطالب به العاملات».
اللجوء الى السفارات لا ينفع برأي العاملات. تتساءل غريتا جدياً «نحن لا نعرف لماذا توجد السفارات هنا. هم يعلمون بكل ما نعانيه من عذاب وظلم، ومع ذلك لا يتحركون. صديقتي عملت هنا لثلاث سنوات ورُحّلت من دون أن تأخذ دولاراً واحداً، والسفارة لم تفعل شيئاً».
لماذا الإصرار على عدم الترخيص للنقابة؟ يقول نقابيون إنّ أسس العمل النقابي بالنسبة إلى القوى المسيطرة في البلد هي أن يبقى خاضعاً بشكل دائم للسلطة، وبالتالي فإن أي تحرك خارج هذا الإطار يحارب، وتعود الى الأذهان هنا تجربة هيئة التنسيق النقابية. من الصعب على هذه القوى أن تسمح لعاملات منازل أجنبيات مهمشات ومستضعفات بتحصيل حقوقهن عبر تحرّك مستقل، إذ قد يؤدي ذلك الى استنهاض القوى الأخرى المستضعفة بدورها. لذلك فإن محاولة وزير العمل إعطاء هؤلاء جزءاً بسيطاً من حقوقهن، بشرط رفض انتظامهنّ نقابياً، تدخل ضمن إطار «تقديمات» السلطة لهذه الفئة ومحاولة لفرض «مقايضة» عليها تبقيها تحت السيطرة.
يرتكز رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبدالله على بيانات الوزير السابقة المناهضة للاتجار بالبشر ليؤكد أنّ قزي «يذهب فعلاً في بياناته أبعد من مطالب النقابة، لكنه لا ينفّذ ما يقول». ويضيف أن «النقابة قائمة سواء وقّع الوزير أو لم يوقّع»، متأسفاً لـ»الإهانة التي وجّهها الوزير الى الجمعيات والمنظمات الداعمة لهذا التحرك».
معلومات وزير العمل تقول إن منظمة العمل الدولية لا تشارك أو تدعم تحرّك أمس بناءً على «كلامٍ» حصل بين الوزارة والمنظمة، إلا أنّ عاملين في المنظمة كانوا حاضرين بوضوح في احتفالات العاملات في الخدمة المنزلية أمس، في المسيرة من وطى المصيطبة الى الحمرا، وفي المهرجان الذي أقيم بعد الظهر في موقف للسيارات في شارع الحمرا. أحد الحاضرين من المنظمة قال لـ»الأخبار» إنها تدعم بشكل كامل حق العمال في التنظيم النقابي، وتحديداً عاملات المنازل، وهذا جزء من مبادئها، وهي شاركت عبر ممثليها في التحرّك أمس، على عكس معلومات الوزير.