الموت يغطي وجه اليمن، يحجب الدم والجثث والركام نور الشمس عن البلد السعيد. تنازل اليمن عن سعادته حتى إشعار آخر، قرر التماهي مع الحزن الممزوج بغضب. فآل سعود حكموا بالموت على هذا الشعب.
أسلحة فتاكة ومحرمة دولياً رمتها السعودية على اليمن، اليورانيوم المستنفد وما ينشره من أمراض سرطانية تم استخدامه ضد المدنيين في صنعاء. القنابل العنقودية المحظورة، ألقتها على صعدة والقرى المحيطة. الصواريخ الفراغية والحارقة خصصتها لمصانع ومخازن الغذاء ومحطات الكهرباء والوقود.
حرب إبادة وتجويع بأبشع صورها ترسمها السعودية في اليمن، حتى في الحروب ثمة أخلاقيات نسفتها السعودية. محمد بن سلمان ولي ولي العهد يعمّد منصبه الجديد بدماء اليمنيين، يجيد على ما يبدو لعبة القتل باحتراف. برهن حتى الآن عن قدرات عالية في كل أنواع الإجرام الممكنة ضد الشعب اليمني.
على طريقة «داعش» يتصرفون، طبعاً لا عجب في هذا الإجرام، فـ«داعش» ليس سوى أحد إنتاجاتهم العظيمة في هذا القرن. عقل بدوي لا يفهم إلا لغة العصبية القبليّة، ولا يجيد إلا استعباداً وحروباً على شاكلة داحس والغبرباء. مستعدون لصرف احتياطاتهم المالية ــ وقد بدأوا في ذلك فعلاً ــ من أجل تركيع اليمنيين.
آل سعود لا ينظرون إلى اليمن إلا كحظيرة لهم، لا مجال لأن تخرج من تحت عباءتهم، ممنوع أن يحصلوا حتى على نصف استقلال.

هذا الزمن انتهى ولا عودة له، سواء أدركوا ذلك أو لا، هو قرار الشعب اليمني وليس «أنصار الله»، يستثني منه الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي وحزب الإصلاح ومتفرعات «القاعدة».
ماذا بقي للسعودية أن تفعله في اليمن في عدوانها؟ تدرك المملكة أن غاراتها استنفدت أقصى ما يمكن فعله ضد «أنصار الله» والجيش اليمني. لذا هي تريد استنزافهم بالغارات والصواريخ وبالمواجهة مع «القاعدة» وبعض أتباع عبد ربه منصور هادي، وتحويل الجنوب إلى أرض محروقة يتم ملء فراغها بـ«القاعدة» و«داعش» ومتفرعاتهما.
آل سعود ينظرون إلى اليمن كحظيرة لهم ممنوع عليها الاستقلال

شيطنة اليمن أو بالأحرى «دعشنته»، هي ما تقوم به حالياً السعودية ويجري بشكل مكثف في البلاد.
قيادي في «أنصار الله» يؤكد لـ«الأخبار» إلقاء الحركة القبض أخيراً على مجموعات تكفيرية في صنعاء وغيرها من المدن تقوم بتجنيد الشباب وتدريبهم، فضلاً عن إلقاء القبض على عملاء للسعودية يعملون على رصد منازل وتحركات قادة الجيش و«أنصار الله» واللجان الشعبية والثورية.
وكشف القيادي أن التحقيقات معهم كشفت أنهم بصدد تنفيذ عمليات انتحارية واغتيالات في صنعاء بغية إحداث بلبلة في العاصمة. هؤلاء اعترفوا بأنهم تلقوا التمويل من جهات يمنية على علاقة مباشرة بالرياض.
نقل المشهد السوري بسيناريواته «الداعشية» هو المطلوب في اليمن اليوم، خلق فصائل متطرفة، إقامة مجموعات مسلحة، تأليف كتائب بتسميات مختلفة هو ما ترسم له السعودية التي لها باع طويل في هذا المجال. المشهد الذي نتحدث عنه بدأ يظهر في المكلا وشبوة، وعمليات إعدام الجنود المصورة ما هي إلا نموذج أولي للمخطط السعودي الجهنمي. يتناسب أيضاً مع المبادرة الخليجية وتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم يتحول فيها كل إقليم إلى إمارة تتقاتل مع جارتها بتمويل من آل سعود.
تعي حركة «أنصار الله» جيداً ما تحيكه السعودية من مؤامرات لليمن، تريثها حتى الآن ليس لضعفها أو قلة حيلتها، فالحركة منذ اليوم الأول للعدوان كانت تدرك أن الجنوب هو نقطة التحول الاستراتيجية في هذه المعركة، صحيح أنها لم تحسم الأمور لصالحها وتقرّ بأن المواجهة فيه طويلة نسبياً، لكنها تعد ما حققته من تقدم على الأرض رغم الغارات العنيفة انتصاراً، أقله بمنعها إقامة «بنغازي 2» في عدن.
تعطي الحركة فسحة زمنية للخروج بحلول تناسب تطلعاتها. تتواصل مع سلطنة عمان وروسيا لإيجاد ما ينهي هذه الحرب، تقبل بالحوار تحت مظلة الأمم المتحدة، ترفض أي مشاركة للدول المعتدية عليها، وتحدد بداية الحوار من حيث انتهى المبعوث الأممي المستقيل، جمال بن عمر واتفاق السلم والشراكة وليس مع بداية المبعوث الأممي الجديد إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
يقول قيادي في «أنصار الله» لـ«الأخبار» إن «الحركة لا تهوى الحروب وتفضل الوصول إلى حلول سلمية، لكنها في الوقت نفسه تعد قواتها وعتادها بشكل دقيق ومدروس منذ أول أيام العدوان السعودي». يلفت القيادي إلى أن «الزمن بدأ يضيق، فالسعودية تمادت أكثر من اللازم في عدوانها، والصبر عليها صار مرتبطاً بمؤشرات سياسية لا بد أن تبرز خلال الأيام المقبلة». لم يحدد القيادي في الحركة هذه المؤشرات، لكن كلامه يوحي بأنه يربط الأمور باللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وقادة دول مجلس التعاون الخليجي الأسبوع المقبل.
يعطي مثلاً على الرد بالقول: إن ما قامت به قبيلة همدان بن زيد ومن بعدها بكيل المير من دخول إلى السعودية والسيطرة على مواقع عسكرية لم يكن بأمر منهم، وإنما بقرار مستقل من القبيلتين كرد على العدوان. يؤكد أن هاتين القبيلتين لا تملكان من الإمكانات العسكرية شيئاً يمكن مقارنته بما تحضر له الحركة للمعركة إن وقعت.
بغض النظر عن هذا الكلام، فإن السعودية وبعدما تخطى عدوانها الأسبوع السادس من دون أن تحقق أي شيء يذكر سوى المجازر، صارت تواجه سؤال العالم كله... إلى متى؟ تدرك المملكة أنها لا يمكن أن تستمر في غاراتها بهذا الشكل، لا بد لها من أن تحقق أي عمل ميداني تغطي به عدوانها. الإرباك بدأ يضرب قادتها، الملك سلمان والمحمدان نجله وبن نايف في موقف صعب، خارجياً وفي الداخل السعودي ولا سيما أمام باقي الأمراء المتربصين لهم. صالونات الأمراء تسرب الكثير من الشماتات بإخفاقات الملك ورجليه، والكلام لا ينتهي عن خلافات بين الأمراء حول طريقة قيادة الملك للمعركة. المشهد سيبرز أكثر مع قادم الأيام، عندما تتراجع السعودية أو تدخل في فوهة النار اليمنية.