التصويب هذه المرة تركّز باتجاه المحكمة العسكرية. «الذريعة التافهة»، حكم المحكمة بحق الوزير الأسبق ميشال سماحة. والغطاء السياسي موجود غب الطلب، طالما أن الرئيس سعد الحريري ووزير العدل أشرف ريفي ووزير الداخلية نهاد المشنوق هم قادة الحملة. هكذا وجد الإسلاميون فرصة ذهبية لن تتكرّر للتحرُّك، علماً بأن المحتشدين ليسوا في حاجة إلى حكم كهذا للتحرّك، طالما أنه لم يأت خارج المألوف مقارنة بباقي الأحكام الصادرة عن هيئة المحكمة التي يرأسها العميد ابراهيم خليل بحق حَمَلة الأحزمة الناسفة والإرهابيين والعملاء.
استبعدوا المجلس العدلي، باعتبار ريفي سُلطة الوصاية عليه، رغم أن جميع الأحكام الكبيرة التي سُطّرت بحق الإسلاميين صدرت عن هذا المجلس الذي يتأخّر في بت الأحكام لسنوات (١٠ إلى ١٥ سنة)، بينما تأتي أحكام العسكرية سريعة ومخففة.
الشعارات المرفوعة تدرّجت من «سقطت ورقة التوت عن المحكمة العسكرية» إلى «دكانة خليل ابراهيم» وليس انتهاءً باتهام رئيس المحكمة بـ«الخيانة» والمطالبة بمحاكمته على ألسنة أحد سياسيي تيار المستقبل. أما حناجر الخطباء، فعادت لتصدح ضد المحكمة العسكرية. بين هؤلاء، كان إمام مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي، الرجل الذي انكفأ في الأشهر الأخيرة، مستعيداً خطاب التهدئة، عاد إلى الساحة. لوّح بـ«استجلاب ثوّار سوريا إلى لبنان الذين لنا في رقبتهم دين طالما أننا ساعدناهم». رفع الصوت لـ«كف الظلم عن شباب أهل السنّة». كلام الرافعي كان غير مسبوق منذ أيام الشيخ أحمد الأسير. كلامٌ يُراد به ضرب المحكمة لغايات غير تلك المرفوعة.
وفي هذا السياق، تكشف معلومات أمنية لـ«الأخبار» اعترافات الموقوف ابراهيم محمد السيد مصطفى عبد الله (مصري الجنسية ــ مواليد طرابلس ١٩٨٨)، الملقّب بـ«أبي خليل السويّد»، الذي أوقفته استخبارات الجيش في عكّار في الثاني من الشهر الجاري، إذ إن الموقوف اعترف بأنه شارك مع عمر ميقاتي وفايز عثمان في قتل المؤهل فادي الجبيلي والمعاون الأول بطرس البايع والشاب فواز بزي بسبب انتمائه الطائفي. غير أن اللافت في اعترافات «أبو خليل» أن «الشيخ الرافعي أرسل لهم ثلاث سيارات لنقلهم من باب التبّانة إلى منزله في الكورة»، كاشفاً أنهم كانوا نحو ١٥ شاباً مسلّحين، أبرزهم أسامة منصور وفايز عثمان وعمر ميقاتي وأبو خليل الحلّاق، المطلوبون البارزون في أحداث طرابلس. وتشير المعلومات إلى أن المسلّحين مكثوا لدى الرافعي، ريثما تُبحث تسوية معينة لفتح طريق لهم للانتقال إلى سوريا أو يُسلِّم بعضهم نفسه مقابل ضمانات بصدور أحكام مخفّفة بحقهم، علماً بأن الوزير المشنوق وفرع المعلومات يومها رفضا أي تسوية، وتحديداً مع المطلوب أسامة منصور. وتضيف المعلومات إن الموقوف ذكر خلال التحقيقات أن «أسامة منصور تلقى مبلغ ١٢٠ ألف دولار من أبو مالك التلي لإعادة تسليح وتنشيط المجموعات»، كاشفاً أن «زوجته روعة كانت تتقاضى مساعدة مالية أسبوعية من النائبين محمد كبارة ومصباح الأحدب». كما تكشف معلومات موازية أن هؤلاء الشبّان كانوا مكلّفين بإفشال الخطّة الأمنية في طرابلس التي كانت برعاية تيار المستقبل. وقد عمدوا إلى رمي قنابل أثناء حلقة الإعلامية بولا يعقوبيان في باب التبّانة، قبل أن يندلع اشتباك بين الشبّان أنفسهم الذين كانوا مجتمعين في جامع عبد الله بن مسعود.
المصادر الأمنية تربط «ظهور» الرافعي وتصعيده لهجته باعترافات الموقوف «أبو خليل السويّد»، للتصويب على المحكمة العسكرية بهجوم استباقي لتلافي إمكان استدعائه من قبل المحكمة العسكرية لورود اسمه في هذا الملف.
وتكشف المعلومات أنه يوم محاكمة سماحة، كانت قد حُدّدت جلسة محاكمة الموقوفين الإسلاميين، لكن المحامين تخلّفوا بهدف تأجيل الجلسة بناءً على معلومات بأن صفقة التبادل مع «النصرة» في ملف العسكريين المخطوفين ستشمل الموقوفين غير المحكومين، ومن هنا مصلحتهم بأن لا تصدر الأحكام.