القاهرة | «ثلاثة شهداء وعشرات المصابين في صفوف الجيش بسبب اعتداء المتظاهرين الأقباط» بقيت هذه العبارة تتربّع على شاشة «التلفزيون المصري» حتى منتصف ليل أول من أمس. وقتها، اكتشف المصريون الحقيقة الأخرى للصدامات بين الأقباط ورجال الجيش والشرطة أمام مبنى «ماسبيرو». وتقول هذه الحقيقة إن 21 قبطياً استشهدوا تحت عجلات مدرعات الجيش، وبرصاص قناصة شاهدهم العاملون في التلفزيون بالعين المجردة. لكن هؤلاء فضّلوا نقل شهاداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لا على الشاشة الرسمية التي يعملون فيها.
إذاً، عاد «التلفزيون المصري» إلى قواعده التي تركها رغماً عنه بسبب الثورة. عاد لينحاز فقط إلى النظام الحاكم، ويقدّم التغطية التي تسير بالمشاهدين نحو طريق واحد: الشعب يعتدي على الجيش. وإلى جانب إذاعة بعض الأسماء المغمورة التي تدين التظاهرات القبطية، حرّض التلفزيون أهالي منطقة بولاق أبو العلا (المجاورة لمبنى «ماسبيرو») على النزول من منازلهم لدعم الجيش!
هذا المشهد ذكّر المصريين بالصورة السوداء نفسها التي كانت سائدة قبل الثورة وخلالها: تحريض الشعب على الشعب. حصل ذلك قبل أن يخرج وزير الإعلام أسامة هيكل لاحقاً ليبرّر ما فعله مذيعو التلفزيون الرسمي بـ«انفعال مذيعين».
لكن الغضب على أداء «ماسبيرو» لم يكن من المواطنين فقط، بل إن بعض العاملين في التلفزيون يبدو أنهم تعلّموا من درس «ثورة 25 يناير» جيداً. هؤلاء أصدروا بيانات تبرّأوا فيها من تغطية الشاشة الحكومية. البداية كانت مع محمود يوسف، ثمّ المعدة تغريد الدسوقي التي كتبت على فايسبوك «أتبرأ من التغطية الإعلامية للتلفزيون المحرّضة على الفتنة وأدين كل من شارك فيها». تلتها الإعلامية دينا رسمي التي شنّت هجوماً عنيفاً على التلفزيون. ثمّ ريهام سالم، وداليا حسونة، ورانيا التوني، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من العاملين في قناة «النيل للأخبار». واحتفى كثيرون باتصال هاتفي للباحث السياسي عماد جاد الذي نجح في تمرير إدانة مباشرة للمشير محمد حسين طنطاوي عبر أثير قناة «النيل للأخبار». وتحدث للمرة الأولى عن المدرعات التي دهست المتظاهرين أسفل «ماسبيرو». تلك المدرعات التي يبدو أن مذيعي التلفزيون الرسمي لم يشاهدوها من نوافذ مكاتبهم واستديوهاتهم. وسرعان ما انتشر هذا الفيديو على فايسبوك ومعه فيديوهات وشهادات مصورة توضح حجم المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الأقباط. وكان لافتاً أن بعض الأشرطة على موقع يوتيوب تجاوز عدد من شاهدوها في ساعات قليلة عشرة آلاف شخص.
وقد طالب كثيرون عبر شبكات التواصل الاجتماعي بالكشف عن أسماء شهداء الجيش وصورهم. إذ إن البعض شكّك في سقوط قتلى في صفوف القوات المسلّحة «والإعلان عن مصرعهم ليس سوى محاولة للتغطية على المذبحة، في خطوة تهدف إلى إخافة المتظاهرين ومنعهم من الاعتصام مجدداً أمام مبنى «ماسبيرو»». وما عزّز هذه الفرضية، كان الهجوم الذي تعرّضت له قناتا «25 يناير»، و«الحرة» (راجع المقال صفحة 14) المجاورتين لـ«ماسبيرو».
أما القنوات الخاصة الباقية فالتزمت التغطية «الباردة» من خلال نقل ما يحدث من تبعات للمذبحة والتأكيد على أهمية تجاوز الأزمة من دون التطرق إلى حقيقة ما جرى على أرض الواقع.
لا يبدو المشهد الإعلامي في مصر سليماً بعد. وها هو التلفزيون المصري يسقط في أوّل امتحان جدي له بعد الثورة. ورغم تبريرات وزير الإعلام، يبدو أن هذه المؤسسة الحكومية لم تقتنع بعد بأنّ الزمن تبدّل، وأن ما قبل الثورة لن يكون كما قبلها.