تختزل الإجراءات الوقائية والدفاعية التي يجريها جيش العدو على الحدود مع قطاع غزة وفي مقابل لبنان، طبيعة وحجم التحولات الاستراتيجية المستجدة على المعادلات الحاكمة للصراع مع الإسرائيليين. فبعد المرحلة «الذهبية» التي عاشتها إسرائيل لعقود خلت، بفعل تمتعها بذراع عسكرية طويلة (لا تزال قائمة)، ترجمته اعتداءات على مسافات بعيدة عن حدودها، وصولاً إلى تونس والعراق، تجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى بلورة خطط إخلاء لمستوطنات، وهذه المرة في مقابل غزة... خوفاً من تسلل مقاومين!
لم يمنع إسرائيل أصل المبادرة إلى خطوة كهذه، ولا حتى إعلانها، إدراكها للرسائل التي تنطوي عليها إزاء الداخل أو حتى أعدائها. فأهم الرسائل التي تنطوي على هذه الخطط، أنها تشكل إقراراً رسمياً، من المستويين السياسي والعسكري، بأن إسرائيل غير قادرة على إزالة التهديد المحدق بالمستوطنات التي يفترض أنها تقع على أراضيها «السيادية» في أي مواجهة مقبلة. وهو أمر يعود إلى ما باتت تتمتع به حركات المقاومة من عناصر في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
أيضاً، تنطوي هذه الرسائل على إقرار إسرائيلي بأن الجيش غير قادر على ردع حركات المقاومة من تنفيذ مثل هذه السيناريوهات. وهي (إسرائيل) التي كان الردع أحد أهم المبادئ التي تقوم عليها نظريتها الأمنية.
بفعل هذا الإقرار المزدوج، لم تجد القيادة الإسرائيلية مفراً من بلورة خطط مشابهة، خاصة أن احتمالات المواجهة أمر قائم في أي لحظة. كذلك إن إعلانها بات أمراً ضرورياً لتهدئة مخاوف الجمهور الإسرائيلي الذي يطالب قيادته بخطوات ملموسة تبعد الخطر عنه. لكن تجربة العدوان الأخير على غزة أسقطت من يد العدو الترويج لنظريات الحسم والاستناد إلى قوة الجيش في أبعاد مثل هذا الخطر، بعد عمليات التسلل التي نفذها رجال المقاومة الفلسطينية خلال الحرب الأخيرة.
ويعكف الجيش الإسرائيلي منذ عدوانه الأخير على القطاع، على وضع خطة تهدف إلى إخلاء مستوطنات إسرائيلية تقع في منطقة ما يسمى «غلاف غزة»، وذلك في حال نشوب مواجهة جديدة هناك. وكشفت صحيفة «معاريف» عن أن الجيش أطلق على هذه الخطة تسمية «مسافة آمنة»، وتقضي بإخلاء المستوطنات التي تقع على مسافة 7 كلم عن حدود القطاع، وفق خرائط حُدِّدَت مسبقاً.
ولفتت الصحيفة إلى أنه بعد عشرة أشهر من عملية «الجرف الصامد»، وصل الجيش والسلطات المحلية إلى المراحل النهائية من بلورة خطة إخلاء السكان في حال المواجهة. وأضافت: «سكان كل مستوطنة يعرفون مسبقاً إلى أين سيكون إخلاؤهم ومن سيستضيفهم، وما سيقرر إخلاؤهم هو المستوى السياسي بناءً على توصية الجيش».
وتهدف هذه الخطة إلى منع تبلور حالة من انعدام اليقين حيال موعد بدء إخلاء السكان، والمكان الذي سيتوجهون إليه، والطريقة التي سيجري وفقها الإخلاء. تتابع الصحيفة قائلة إن «الخطة ستمنع حصول مشاهد إخراج سكان بالحافلات ونقلهم إلى شواطئ شمال البلاد أو مدن خيام في الجنوب، وستمنح المؤسسة الأمنية والمجلس الوزاري المصغر، نفساً أطول من دون سقوط خسائر بشرية في الجبهة الداخلية».
كذلك تنطوي الخطة على تقاسم المسؤوليات بين الجيش والسلطات المحلية وسلطة الطوارئ القومية. إذ سيكون الجيش مسؤولاً فعلياً عن عملية الإخلاء وإخراج السكان بأمان من منطقة الخطر، وبالطبع سيحافظ على البلدات خلال الحرب، بهدف منع أعمال نهب بيوت، ثم إعطاء تقارير للسكان الذين تتضرر بيوتهم.
أيضاً، ستقرر السلطة المحلية بشأن الأفراد الذين سيبقون في هذه البلدات بسبب توليهم مسؤوليات داخلها، والسلطة المحلية هي التي ستتعامل مع العائلات أو الأفراد الذين يرفضون مغادرة البلدة. وفي حال نشوب حرب، تنتقل المسؤولية عن هذه البلدات إلى قيادة الجبهة الجنوبية إلى جانب قيادة الجبهة الداخلية، وذلك في إطار استخلاص العبر من العدوان الأخير على غزة.