لم يكن عابراً، اعتلاء الشيخ أحمد العمري منبر اعتصام أهالي المعتقلين الإسلاميين الذي نظم في ساحة الشهداء عقب صدور الحكم بحق ميشال سماحة قبل أقل من شهر. القيادي في الجماعة الإسلامية رفع السقف عالياً. تساءل: «هل هي عدالة أن يعتقل من يعلن دعمه للثورة السورية فيما يجري السكوت عن مشاركة حزب الله في الحرب السورية مع كل صواريخه ومدرعاته؟».
صرخ العمري حتى زايد على مواقف زميله في هيئة علماء المسلمين، رئيسها السابق الشيخ سالم الرافعي الذي كان حاضراً كمتفرج. يومها تحدث العمري باسم الهيئة كعضو. بعد أيام، اتفق على انتخابه خلفاً للرافعي. ساد جدل في الهيئة بين الأجنحة السلفية والمعتدلة وتلك الأقرب إلى «جبهة النصرة». سجل رفض واسع لانتخاب شيخ الجماعة رئيساً. ليس لمآخذ ضده، إنما نزولاً عند رغبة مرجعيات أمنية وسياسية فضّلت إبقاء الرافعي رئيساً لما له من «مونة» على الإسلاميين من طرابلس إلى عرسال و»الثوار السوريين»، لكن بعض أعضاء الهيئة فضلوا تنحية الرافعي للدورة الحالية (تمتد 6 أشهر)، ولا سيما بعد مواقفه التي تسببت بحرج مع الجيش، عندما قال: «إذا لم ينصف القضاء اللبناني شباب أهل السنة، فإن ثوار سوريا آتون الينا، ونحن لنا دَين على ثوار سوريا عندما كنا نرسل شبابنا لنقاتل معهم ضد الظلم».

العمري معروف بمواقفه العالية النبرة وعلاقاته الوطيدة مع إسلاميي تركيا


إلا ان مصادر مطلعة فسّرت اختيار العمري خلفاً للرافعي بتوجه لدى الدول والأطراف الراعية للهيئة، في قطر والسعودية وتركيا، للتصعيد في الفترة المقبلة. وهو ما ظهر جلياً عند أول استحقاق، في مؤتمر الهيئة الأحد الماضي. فالعمري ليس معروفاً بمواقفه العالية النبرة فحسب، بل بعلاقاته الوطيدة مع إسلاميي تركيا ايضا. صفحته على الفايسبوك مليئة بصور أنشطة وصلوات وأعلام تركية ورموز للدولة العثمانية وأقوال لرجب طيب أردوغان. وهو قبيل الإعلان عن انتخابه، زار السعودية والتقى خلالها مشايخ ومسؤولين سياسيين. حينها، كان في الظاهر يتحرك بصفته قيادياً في الجماعة ورئيساً لاتحاد الجمعيات الإغاثية في لبنان. بذلك، مثلت الزيارة نموذجاً للتقارب السعودي مع الجماعة، بعدما كانت الأخيرة مشمولة بإدراج الإخوان المسلمين ضمن المنظمات الإرهابية. بالتزامن، زار وفد من الجماعة السعودية، فيما كان كل من رئيس المكتب السياسي فيها عزام الأيوبي ونائبها عماد الحوت يزوران السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري في 18 أيار الماضي، متضامنين وداعمين لـ «عاصفة الحزم».
هذا التقارب ترافق مع معلومات عن وصول حمولات سعودية إلى مرفأ بيروت باسم «الهيئة الإسلامية للرعاية» التابعة للجماعة، قيل إنها تضم مساعدات ومواد غذائية وألبسة للنازحين السوريين. ومن دون أن تخضع للتفتيش «نقلت إلى عرسال وجرودها»، فيما خصصت السعودية حصة واسعة لمؤسسات الجماعة ضمن برنامج المنح التعليمية للطلاب السوريين. ولتركيا حصة أيضاً. وفود من الجماعة تذهب اليها وتأتي منها. متتبعو صفحة الجماعة في صيدا والجنوب على الفايسبوك، كانوا يصلّون الأحد الماضي لفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية. حتى إن الكلمة الختامية لمؤتمر الهيئة تأجل لليوم التالي «حتى تصدر نتائج الإنتخابات التي كان يؤمل منها فوز كاسح لأردوغان من أجل تضمين الكلمة إشارة لنظامه» بحسب المصادر.
أسباب عدة ترجح أن الجماعة حالياً تؤدي دوراً سعودياً في لبنان. بحسب المصادر، دُفع لها تحت الحساب دعم متنوع، كان الأوضح فيه، الفوز الذي حققته في انتخابات المجالس الشرعية والإدارية في دار الفتوى قبل شهر، متخطية حليفها تيار المستقبل الذي عادة ما استخدمها كأداة له عند الحاجة. تقول المصادر إن السعودية بحاجة للجماعة في مواجهة حزب الله. «تستطيع التأثير مذهبياً في الشارع السني أكثر من المستقبل الذي يتهمه الإسلاميون بأنه معتدل ويحاور القتلة وحلفاء النظام السوري، في مقابل ما يشاع عن فتور بين الرئيس سعد الحريري وولي العهد محمد بن نايف».
أعطيت الجماعة أسباب القوة، فاستعرضتها في ملعب الهيئة. المطلوب خطاب تحريضي وحاد. ومن أفضل من العمري لإلقائه؟ ضيف الشرف في المؤتمر كان مفتي جبل لبنان الشيخ محمد الجوزو، الذي خلص في كلمته إلى أن «اسرائيل أخطر وأشرس من إيران بكثير». الكلمة المطولة الصادرة عن المؤتمر أظهرت الهيئة حزباً سياسياً وليست تجمعاً لرجال دين. مما جاء فيها أن عرسال «عروس البقاع وانتقال الحزب لتحريض اللبنانيين على الاقتتال خارج الحدود تجلى في أبشع صوره بتحريض عشائر بعلبك الهرمل على أهلهم في عرسال». ودعت الحكومة والجيش والشعب «لحماية عرسال من التهديدات والانتهاكات التي تلوّح بها الميليشيات المسلحة التي تنتحل صفة المقاومة». وحذرت من أن «أي اعتداء عليها وعلى أهلها الفضلاء النبلاء، اعتداء على الطائفة السنية بأكملها».
قضيتان وردتا في البيان على نحو عابر، الأولى إدانة «التصرفات الشاذة والمشوهة لصورة الإسلام، من قتل وذبح وخطف واعتداء على الآمنين التي تصدر عن بعض التشكيلات التي تدعي الإسلام»، من دون أن تسمي «جبهة النصرة» و»داعش» بالاسم. والقضية الثانية، فلسطين.