رغم الفوضى والجلبة اللتين خيّمتا على مؤتمر جنيف اليمني في أيامه الأولى، تبدو الضبابية السائدة على أجواء الحوار «المبتور» سائرة نحو الانقشاع، وإن بخطىً متثاقلة. لم يلتقِ وفد الرياض بوفد صنعاء بعد، مع بقاء الخلاف حول صيغة اللقاء.
مع ذلك، يبدو أن المباحثات غير المباشرة التي مدّدتها الأمم المتحدة حتى يوم غد، بدأت تنذر بطروحاتٍ جدّية، لم تخرج إلى العلن بعد، غير أن فرص التوصل إلى اتفاقات مبدئية أصبحت أكبر، أولها إعلان «هدنة رمضان» الذي بات قريباً، مع أخذ المشاورات الخاصة بالتسوية الشاملة منحىً أكثر جديةً، بانتظار الانتقال إلى مرحلة الحوار الفعلي التي ستبلور العملية السياسية المعلّقة في اليمن.

هدنة شاملة... بلا انسحابات

وازداد الحديث في الساعات الماضية عن الهدنة الانسانية حتى بات كل النقاش محصوراً حتى يوم غد بهذه المسألة فقط، في ظلّ أنباءٍ عن تفاهم أميركي روسي على ضرورة التوصل إلى هذه الهدنة خلال شهر رمضان. ومساء أمس، دعت الأمم المتحدة إلى «فرض هدنة عاجلة في اليمن» وإلى «السماح الفوري بإرسال المواد الغذائية ورفع الحصار».
وأفادت مصادر مواكبة لمحادثات جنيف، لـ»الأخبار»، بأنه حصل اتفاقٌ أوّلي على هدنة الشهر، قابلة للتجديد، على أن تشمل وقف إطلاق النار على جميع الجبهات: وقف عمليات التحالف، المعارك الداخلية، والعمليات الحدودية، ولكن من دون الحديث عن انسحابات الجيش و»اللجان الشعبية» من المدن في المدى المنظور. عند هذه النقطة، تقول المصادر إن «أنصار الله» تمكّنت من «ليّ ذراع» الولايات المتحدة خلال المحادثات التي شهدتها العاصمة العمانية مسقط قبل مدة قصيرة، حين أكدت الحركة للمسؤولين الأميركيين أن أي انسحابٍ لقوات الجيش ولجانها من المناطق اليمنية اليوم، يعني أن تنظيم «القاعدة» هو من سيملأ الفراغ بعدها، في ظلّ غياب أي قوة عسكرية ثالثة جدّية على الأرض.
وشملت المحادثات غير المباشرة بين الوفدين، لا سيما اجتماع أول من أمس بين وفد صنعاء وولد الشيخ، «ورقة عمل» تناقش نقاطاً عدة، بدءاً من الهدنة الانسانية المرتقبة وصولاً إلى التسوية السياسية الشاملة. وجرى خلال هذا اللقاء، في الفندق السويسري الذي يستضيف ممثلي القوى السياسية الآتين من اليمن، عرض لطروحاتٍ خاصة بالمرحلة الانتقالية التي قد تمتد على 60 يوماً، تشمل برنامجاً سياسياً أساسه الحوار الداخلي، من دون استبعاد احتمال عودة رئيس الحكومة المستقيلة خالد بحاح على رأس حكومة جديدة إلى صنعاء، مع استمرار مسألة مصير الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي عالقة حتى الآن.

ضغوط دولية وعرقلة تركية

في هذا الوقت، تكثفت الضغوط الدبلوماسية لإنقاذ جنيف من فشلٍ بدا في اليومين الأولين أنه حتميّ. وأفادت معلومات لـ»الأخبار» (عبد الرحمن الأهنومي ـ جنيف) في هذا السياق، بأن الولايات المتحدة الاميركية أبلغت، عبر سفيرها في صنعاء ماثيو تولر*، وفد الرياض برئاسة وزير الخارجية اليمني بالوكالة رياض ياسين، ضرورة إنجاح جنيف والموافقة على الهدنة، وهو الأمر الذي أدى بياسين إلى إعلانه تأجيل المؤتمر الصحافي الذي كان سيعلن فيه انسحاب وفد الرياض من المؤتمر.
الضغوط التي مارسها سفراء روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا وضعت نهاية لسيناريو وفد الرياض المتمثل في نية تحميل مسؤولية الفشل إلى «أنصار الله» وحلفائهم، بحجة رفضهم صيغة الاكتفاء بـ7 أشخاص لتمثيل الوفد في المفاوضات. الدول الاربع المذكورة مارست أيضاً عبر سفرائها ضغوطاً على السعودية للقبول بالهدنة، حتى ولو كانت غير مشروطة، الأمر الذي خفف عبئاً كبيراً عن عاتق ولد الشيخ الذي يتعرض لضغوط سعودية كثيفة. السفراء خاطبوا ياسين بالحرف: «لا انسحاب من جنيف، ولا بدّ من هدنة». على الأثر، توجه السفير التركي إلى الفندق الذي يقيم فيه وفد صنعاء، حيث طرح موضوع «الهدنة التي ستفضي إلى حلٍّ شامل»، مقترحاً عدداً من النقاط من ضمنها «أن يعلن الوفد انسحاباً ولو شكلياً من عدن لتمرير الهدنة»، ما رفضه الوفد جملةً وتفصيلاً، قبل أن يعدّوه عرقلةً مقصودة من السفير التركي للمسار المفضي إلى الهدنة.
وتُعدّ «أنصار الله» مقترحاً لهدنة تكون مدتها 40 يوماً، يجري خلالها بحث حلول شاملة سياسية وعسكرية وأمنية. ممثل الحركة في الوفد، مهدي المشاط، أكد أن هذا المقترح يقي الهدنة من أن تكون مجالاً لإعادة تموضع «القاعدة» وميليشيات أخرى، قائلاً إن القوى السياسية وافقت عليه، فيما «تفهمه» ولد الشيخ.
وفي وقتٍ حاول فيه وفد الرياض إعاقة أي تقدم، فإن ما حدث مساء الأربعاء يعدّ اختراقاً في الأزمة وتقدماً مبدئياً يفترض أن يتواصل بحسب ممثل «أنصار الله»، حمزة الحوثي، الذي أكد لـ»الأخبار» أن المشاورات أحرزت تقدماً.

بحاح في القاهرة

في هذا الوقت، شارك رئيس الحكومة اليمنية المستقيلة، خالد بحاح، يوم أمس، في اجتماعٍ تشاوري عقده مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين في القاهرة. وأكّد بحاح أن «السلطة ذهبت بحسن النيات إلى جنيف»، وهناك أمور لوجستية يجري بحثها حالياً، حيث لا يمكن أن يكون الطرف الآخر ممثلاً بـ22 شخصاً، آملاً أن يختصروا هذا العدد إلى سبعة متحاورين، ليتمكنوا من حل مشاكلهم ويعودوا فعلاً إلى اليمن جميعاً»، على حدّ تعبيره.
وقال بحاح، خلال مؤتمر صحافي مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، إن «طهران ليست بعيدة عن المشهد اليمني، كما أنها بالتأكيد ليست بعيدة عن عدد من الدول»، في ردٍّ على سؤال حول موقف فريق هادي من إيران، مضيفاً أن اليمن «سيظل كما هو، فضلاً عن أن إيران ستظل كذلك، ومهمة الحكومة الآن هي التطلع إلى مستقبل أفضل مع أشقائهم وأصدقائهم بمن فيهم إيران وعدد من الدول».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)