أن يجتمع مندوبون من وزارة الخارجية ووزارة المالية ووزارة الثقافة والإعلام ومن الرئاسة العامة للاستخبارات في المملكة العربية السعودية كي يدرسوا مشروعاً إعلامياً ثم أن يأتي «قرار سامٍ» ملكي بالموافقة على تمويل المشروع بملايين الدولارات شرط التزام قواعد معينة... فهذا يدلّ على الجدية والخطورة التي تتعاطى بها المملكة السعودية في ما يتعلّق بخططها الإعلامية الخارجية.
اجتماع قمّة جمع اللجان المذكورة أعلاه عقد قبل ٣ أعوام أقرّ فيه آل سعود تمويل محطة تلفزيونية لبنانية «تعاني من ظروف مالية صعبة». ملايين الدولارات لقاء تنفيذ تعاليم النظام السعودي وخدمة مصالح المملكة وسياستها، هذا ما اشترطه صراحة الأمراء السعوديون مقابل تمويل محطة «إم تي في» MTV اللبنانية عام ٢٠١٢ كما تبيّن الوثائق المسرّبة من وزارة الخارجية السعودية.
«نريد أن تكون المحطة في خدمة المملكة إعلامياً وتقنياً»، «على الـ»إم تي في» أن تخدم المصالح السعودية»، «سندفع مليوني دولار سنوياً وليس كامل المبلغ المطلوب» هكذا أمر آل سعود مالك المحطة حسبما تشير وثائق «ويكيليكس» التي لم يظهر فيها أي رفض أو نقاش يذكر من قبل رئيس مجلس إدارة «إم تي في» ميشال غبريـال المرّ.
هكذا، وفي اجتماعات «سرية جداً» في الرياض ومراسلات «سريّة وعاجلة» بين السفارة السعودية في بيروت وميشال المرّ والمملكة، وضع المرّ محطته «إعلامياً وتقنياً وسياسياً» بين أيدي النظام السعودي لقاء دعم مالي أقلّ بكثير مما رَغِب. أربع وثائق صادرة عن الخارجية السعودية تؤكد كيف رهن المرّ محطته «اللبنانية المستقلة» للقرار السعودي.
المرّ طلب في بداية الأمر ٢٠ مليون دولار من المملكة، لكنّ السعوديين وافقوا على مليوني دولار مقسّطة على سنتين ومرفقة بلائحة شروط ومطالب أهمها: «التزام القناة توظيف إمكاناتها الإعلامية والتقنية لخدمة المملكة، وذلك عبر رسائل إعلامية واضحة» و»الطلب من المحطة المقارعة والتصدي للإعلام المعادي للمملكة»، كما تشير إحدى وثائق الخارجية المسرّبة.

طلب المرّ ٢٠
مليون دولار، لكنّ المملكة خفضت المبلغ

مندوبو وزارات الخارجية والإعلام والثقافة والاستخبارات السعودية كُلّفوا، بناءً على قرار سامي ملكي، دراسة مشروع التمويل في أيار ٢٠١٢، كما تظهر إحدى الوثائق. هؤلاء أوصوا بالموافقة على التمويل ما دام «الدعم الموجّه إلى أي وسيلة إعلامية خارجية ينبغي أن يخدم سياسة المملكة ومصالحها»، لكنهم تحفّظوا على المبلغ الذي طلبه المرّ (٢٠ مليون دولار) واقترحوا «٥ ملايين دولار كمبلغ مقطوع». المجتمعون طالبوا أيضاً بأن يكون هناك خطّة عمل تلتزمها القناة اللبنانية بهدف «خدمة قضايا المملكة ومواجهة الإعلام المعادي لها في لبنان وغيره» من البلدان. طلبت الرياض من سفيرها في بيروت أن «يجتمع بالمسؤولين عن القناة وأن يتوصّل معهم إلى اتفاق وخطة عمل تخدم مصالح الطرفين». وهكذا كان، فأرسل المرّ عبر السفارة السعودية في بيروت «خطّة العمل» إلى الرياض مع طلب استعجال بصرف الأموال من قبل السفير «نظراً إلى ما تعانيه المحطة من ظروف مالية صعبة»، كما ظهر في وثيقة مسرّبة. وافق الأطراف جميعهم (بمن فيهم الاستخبارات السعودية) على خطة العمل، وعلى أن يقبض المرّ الأموال، على أن يكون الدعم المالي مصحوباً بتقويم مدى التزام القناة «خدمة قضايا المملكة»، تشير برقية وزير الخارجية سعود الفيصل.
عندما أعيد إطلاق «إم تي في» في نيسان ٢٠٠٩ بعد إقصاء سياسي جائر، «هجمت» المحطة على الساحة الإعلامية رافعة شعاري «الهوية اللبنانية» و»الاستقلالية»، وكررتهما في حملاتها الإعلانية وفي ردود مسؤوليها على أي اتهام بتمويل خارجي حينها.
«Mtv ستبقى صوت لبنان الحر في خدمة جميع اللبنانيين... لن تكون مرتهنة لأحد، فمعركة الحفاظ على حرية الـ»أم تي في» كي تبقى هويتها لبنانية وخطابها لبنانياً كانت صعبة للغاية لأننا لم نقبل يوماً ولن نقبل على الإطلاق أن نساوم على استقلاليتنا»، هذا ما قاله رئيس مجلس إدارة المحطة اللبنانية في نيسان ٢٠٠٩. ثم جاءت الحملة الإعلانية التي رفعت شعار «إم تي في مش لحدا».. ثم جاءت وثائق «ويكيليكس» السعودية... ربما بات بإمكان الإعلان أن يضيف: «إم تي في مش لحدا... إم تي في لآل سعود»!