غزة | تهاني كساب (21 عاماً) وإيمان المنكوش (27 عاماً)، امرأتان من قطاع غزة توفيتا داخل منزليهما، في ظل ظروف تحمل «شبهة القتل»، لكن قضية كل واحدة لقيت الإهمال على غرار ضحايا غيرهما في القطاع، كما تشير إليه وقائع، ويؤكده متخصصون في القانون. ولم يرتبط إهمال البحث في أسباب وفاة كساب والمنكوش «الغامضة» بعملية إجراءات أو غياب الأدلة، وفق ما ثبت لمعد التحقيق، بل لأنهما امرأتان في مجتمع لا تأخذ فيه قضايا المرأة الاهتمام الذي يحظى به الرجل.
هكذا يميل رجال الأمن ــ أول الواصلين عادة إلى موقع الوفاة أو جريمة القتل ــ إلى إغلاق ملف موت فتاة/امرأة تحت عنوان «وفاة طبيعية»، حتى لو كانت هناك شبهات جنائية. وتساند النيابة العامة تشخيص الشرطة خشية مما تعرف بـ«جرائم الشرف» أو الشقاق بين العائلات، وهو ما توصل إليه معد التحقيق بالاستناد إلى مصادر متعددة، على أن تجاهل الشبهات الجنائية قد يفضي إلى طمس الجرائم، وضياع حقوق أهالي الضحايا، وإفلات الفاعل من العقاب مع احتمال تكرار فعلته. كما ترفض غالبية عائلات الضحايا وأنسباؤهم الحديث عن ملفات وفيات نساء/فتيات، بدعوى صون عرض الضحايا في هذا «المجتمع الذكوري».
هذا ما تؤكده أيضاً «الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ــ ديوان المظالم ــ فلسطين»، وهي منظمة محلية غير حكومية، إذ تشير في تقريرها الأخير حول حالات قتل النساء في السنوات الخمس الأخيرة، والصادر في منتصف العام الجاري، إلى ارتفاع «عدد الوفيات مجهولة السبب وبقيت غامضة، خصوصاً بعد رفض النيابة العامة في غزة إجابة الهيئة عن خلفية عدد كبير من الحالات التي سجلتها تحت إطار ظروف غامضة».
ورأت الهيئة في هذا الأمر مؤشراً على «تراجع ملحوظ من الجهات القائمة على التحقيق في الجرائم»، ذاكرة أنها رصدت وفاة 64 امرأة في غزة بين 2010 ــ 2014 في ظروف وصفتها بأنها «غير طبيعية». وكذلك بقيت ظروف 20 منهن «غامضة» حتى الآن، وفق تقارير الهيئة الدورية.
يقول مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في غزة صلاح عبد العاطي (أخذ هذا التصريح منه قبل استقالته مؤخراً)، إن «الثقافة الذكورية في القضاء والشرطة والنيابة تتعامل مع شكاوى النساء بتراخ أكثر، وعادة ما تطلب منهن عدم تقديم الشكوى واللجوء إلى حلول بالتراضي». ويضيف: «ضغط المجتمع ينصب على النساء».
في المقابل، يقر المتحدث باسم الشرطة في غزة، أيمن البطنيجي، بوجود «اعتبارات» لدى التحقيق في مقتل النساء، ويقول: «طبعاً هناك اعتبارات، وكثيراً ما غطيّنا وسترنا وتجاوزنا عن قضايا متعلقة بالشرف حفاظاً على الأسرة وسمعة الفتاة».

إغلاق ملف كساب


تهاني كساب كانت قد نقلت «إلى مستشفى كمال عدوان في (شمال) غزة برفقة زوجها بتاريخ 19 فبراير 2013»، وفق سرد والدها (كساب كساب)، الذي قال إن زوج ابنته «طلب من الطبيب المناوب أن يعطيها مهدئاً بسبب مشكلات منزلية وغادرت، ثم ما لبثت أن عادت في الساعة 14:45 (بعد نحو ساعة وربع على وصولها الأول) للمستشفى، لكن هذه المرة عادت (جثة هامدة)».
يضيف كساب: «ساورتنا الشكوك حول سبب الوفاة وزادت شكوكنا عندما أخبرتنا المرأة التي غسلتها للدفن أن ابنتنا توفيت خنقا بعد أن تأكدت من خروج لسانها عن موضعه... ذهبت إلى النيابة وقلت لهم إن ابنتي قتلت».
كان التحقيق في مستهله عندما أخبرت النيابة العامة عائلة كساب أن ابنتهم تهاني «أحرقت نفسها وأن غرفتها تشهد على ذلك برغم أن طفلتها لانا ــ التي كانت في عمر ستة شهور آنذاك ــ كانت بجوار والدتها ولم تتأذ على الإطلاق»، يؤكد كساب.
ويضيف: «هذا ما أخبرني إياه مسؤول نيابة الشمال نهاد الرملاوي، وأعلمني أن ملف القضية قد أغلق وعلينا إحضار شهود لإثبات وقوع جريمة»، ويستدرك الأب: «للأسف لم يتوافر شهود عيان». ولكن تقرير «الدفاع المدني» حول مكان حادث وفاة تهاني كساب ــ الذي حصل معد التحقيق على نسخة منه ــ يفيد بوقوع «جناية وليس عملية انتحار»، كما ادعت عائلة الزوج وتبنته النيابة.
جاء في تقرير الدفاع المدني حول وفاة تهاني كساب وهو صادر في 14 آذار 2013، أنه «بعد المعاينة والتحقيق الفني من طرف الدفاع المدني تبين أن سبب الحريق هو شبهة جناية لأسباب عدة، منها:
أولاً: تم إبلاغ الدفاع المدني عن وجود محاولة انتحار باستخدام بنزين، ولم نجد آثارا تدل على محاولة الانتحار بل كان حريقا بسيطا في فرشة السرير.
ثانياً: وجود علبة بلاستيكية مع ولاعة بجانب الباب المؤدي للبلكونة، لا يدل على أن المستخدم يقوم بذلك بعد محاولة حرق نفسهـ/ا.
ثالثا: نرى أن الحريق قد تم في مكان آخر ــ غرفة أخرى ــ حيث أن جميع الجدران تبدو في حالة جيدة ولا أثر لدخان، وكذلك (أثاث) الغرفة كان مرتبا.
أخيراً: كان أهل المنزل خلال مناقشتنا لهم بظروف الحادث لم تبدُ عليهم أي علامات لما حدث، بل حاولوا إظهار أن كل شيء طبيعي.
للاطلاع لى الصورة المكبرة انقر هنا

لم تكن المشادة التي جرت ليلة وفاة تهاني مع زوجها، الأولى من نوعها. إذ يؤكد والدها كساب «أن طابع المواجهة كان طاغيا على علاقتهما»، وهو ما أكد شكوكه حول وفاتها الغامضة ودفعه للضغط على النيابة لاستكمال التحقيق، ولكن النيابة لم تستجب لرغبته.
«علاقة تهاني بزوجها تخللتها عدة مشكلات لرفضها إعطاء زوجها ذهبها حتى يدفع تكاليف زواج أخيه، ولرفضها على إقامة شقيقه الأعزب معهم في الشقة نفسها، لتتعرض لاحقاً للتهديد بالقتل من حماتها، لكن والدتها كان تطمئنها وتقول لها إنه مجرد كلام»، كما يستذكر. الأب.
أصرّ كساب على مقابلة النائب العام، إسماعيل جبر، وأن يعرض عليه جميع المستندات والتقارير التي تخص قضية تهاني، فيما رد عليه النائب العام كما يقول بأنه «توجد شبهة جنائية».
لم يدم اطمئنان كساب لنتيجة اللقاء مع النائب العام طويلاً، إذ عادت النيابة و«تحفظت على ملف القضية مؤقتاً لعدم كفاية الأدلة، مع تكليف المباحث العامة مواصلة البحث والتحري في القصة»، ثم لم تجد محاولات كساب للقاء النائب العام نفعاً.
وتنص المادة 153 من قانون رقم 3 لعام 2001 حول الإجراءات الجزائية على أنه «في حال وقف الإجراءات أو حفظ القضية من النائب العام، يحق لصاحب المصلحة أن يتقدم إلى المحكمة باستئناف بعد تقديم التظَلم، وعلى النائب العام الرد خلال 30 يوماً، وفي حال عدم الرد يعد ذلك رفضا من النائب العام».
المحامية إصلاح حسنية، الموكلة في قضية تهاني، تعقب بالقول: «هناك تناقض واضح في أقوال شهود عائلة الزوج، ولكن النيابة في قضايا قتل النساء لا تعدها قضية، بمعنى أنها تبحث عن طرف من العائلة ليقول إنها قتلت نفسها، أو إن قتلها على خلفية شرف، فتصدّق كلامه وتغلق الملف بحجة التستر على فضيحة للعائلة».
ولم تفلح محاولات معد التحقيق في الحصول على مقابلة مع زوج تهاني، إذ رده أقرباء الزوج الذين يعمل العديد منهم في الأجهزة الأمنية، وأخبره أحدهم بأن «القضية قضية قتل ولن يتحدث إليه أحد، بل إنه يمكن أن يؤذي نفسه إن حاول ذلك».
وتؤكد المحامية حسنية لمعد التحقيق أنها «التقت النائب العام أواخر 2013، وأكد لها وجود شبهة جنائية، ثم حوّل الملف للجهاز الفني لمتابعة القضية، لكنها عانت معه لمدة شهر حتى وصلت للملف، وأطلعتهم على الأدلة التي حصلت عليها العائلة، فأكدوا متابعتهم الإجراءات، ولكن من دون تلقي أي رد حتى الآن». تضيف حسنية: «في غزة يُنظر إلى هذه المسائل من ناحية عادات وتقاليد وفضيحة وأن شرف العائلة مرتبط بها، وفي قضية تهاني كساب يجب إعادة التحقيق والوصول للحقيقة».
في غضون ذلك، يرفض النائب إسماعيل جبر الإجابة عن أسئلة معد التحقيق حول قضية تهاني كساب، معتبراً أنها «قضية خاصة»، بل اكتفى بالقول إن «الأدلة المتوافرة في مثل هذه القضية ضعيفة»، دون أن يعطي أرقاماً أو بيانات تتعلق بقضايا أخرى مشابهة، ثم استدرك: «في حال اكتمال الأدلة، سيعاد فتح التحقيق فيها».

غموض وفاة المنكوش


في الثاني من كانون الأول 2012، توفيت إيمان محمد أمين المنكوش (27 عاما) في بيتها في منطقة تل الهوا، غرب مدينة غزة. إيمان، التي تركت خلفها ثلاثة أطفال، يقول شقيقها وهو برتبة رائد في المباحث العامة (بلال المنكوش)، إنها ماتت «بسبب وضع زوجها السم لها في الطعام، ولكن النيابة بعد مرور عامين على القضية لم تجر التحقيقات اللازمة، ولم تستدع العائلة ولا حتى عائلة زوجها».
يضيف المنكوش: «من البداية، راودتني الشكوك حول زوجها وأصررت على فحص الجثة بعد خروج تقرير الطب الشرعي، الذي أفاد بأن الوفاة ناجمة عن نوبة قلبية حادة»، مشدداً على أن النيابة العامة «ماطلت في متابعة الاجراءات وضغطوا عليّ لأغلق الملف». واستدرك: «بعد الإلحاح لأربعة أشهر، أعيد إخراج الجثة وأخذت عينة وأرسلت للتحليل في مصر ليتبين أن السم كان سبب الوفاة»، كما يقول.
لهذا السبب، أعيدت القضية «إلى النائب العام بعد ثلاثة أشهر من الوفاة، فكلّف الإدارة العامة في جهاز المباحث في محافظة غزة بمعرفة ملابسات الحادث وفتح القضية من جديد... حتى هذه اللحظة لم تكلف المباحث أياً من الدوائر المختصة للتحقيق في الحادث، ولم ينفذ النائب العام أي وعد من وعود التي قدمها للعائلة».
أكثر من ذلك، فالنيابة طعنت بالتقرير المصري، كما قال إسماعيل جبر لشقيق المرأة (بلال) في أيار 2012 بعد استلام التقرير: «أجسامنا كلها تحتوي على سموم، والخضراوات التي نتناولها تحتوي على كبريت»، لكن بلال يجادل في هذه الفرضية قائلا: «هذا كلام لا صحة له... أختي كانت تقيم في منطقة مزارعين، وأصدقاء زوجها كانوا كلهم مزارعين ويستخدمون هذا النوع من السم». ويشدد المنكوش على أن زوج أخته «ادعى أمام أهله بأنه يعاني من اكتئاب حاد لحزنه على زوجته، لكنه بعد شهرين أظهر أنه شفي من المرض وتزوج مباشرة»، وهذا التصرف زاد شكوك عائلة إيمان، كما يقول الأخ.
رداً على استفسارات معد التحقيق حول قضية إيمان المنكوش، يجيب النائب إسماعيل جبر: «ثمة قضايا تحتوي أدلة ضعيفة جداً، والنيابة تقوم بواجبها على أكمل وجه»، لكنه لم يخصص حديثه عن هذه القضية، بل ذهب ليؤكد أن النيابة تتعاطى مع قضايا القتل على خلفية الشرف بكل الأصول المعروفة، معتبراً أنها قضايا قليلة جداً، دون أن يحدد العدد.
«كل القضايا الموجودة في النيابة مشبوهة، وهذه القضايا تدب الخلاف بين أهل الزوجة وأهل الزوج، والنيابة تفتقر للدليل في الإجراءات، وفي حال وجود أدلة واضحة يتم التحقيق والقبض على الجاني»، يختتم جبر.




تكتم على نتائج التحقيقات


«مركز طاقم شؤون المرأة»، وهو منظمة فلسطينية غير حكومية تعمل على توعية النساء بحقوقهن وتقديم المساعدة القانونية في الضفة المحتلة وقطاع غزة، يتهم، بدوره، جهاز الشرطة بالتكتم على نتائج تحقيق في قضايا عنف ضد النساء. تقول مدير المركز في غزة، نادية أبو نحلة، إنه «من تجاربنا في قضايا القتل، في حالات كثيرة لا يطلع أهالي الضحايا على نتائج التحقيق، بل ثمة قضايا يجري إخفاؤها».
وتؤكد أبو نحلة أن المركز توصل إلى توثيق مقتل 21 امرأة في الأراضي الفلسطينية خلال 2013، كما وثق داخل ملفات طاقم شؤون المرأة ثلاثا قضايا في ما يعرف بالشرف، وفق ملفات الشرطة.
«ما تبقى من القضايا في غزة لا نعرف في المركز ما حدث معهنّ في مجريات التحقيق»، تضيف أبو نحلة، «الشرطة لا تتعاون معنا بصفتنا مؤسسات حقوقية في المعلومات، ولا تعطينا أي أوراق أو أي إثباتات للفحص».
ومن بين عشر حالات «وفاة غامضة» رصدها معد التحقيق، لم ينجح في الوصول سوى إلى ثلاث منها، بسبب امتناع الأهالي عن الحديث تحت طائلة «فضح المستور وطلب المباحث إغلاق الملفات». ووفق إفادة والد الضحية (هـ. ع)، فإن ابنته قتلت بآلة حادة إثر خلاف عائلي مع أسرة زوجها، يوم العاشر من نيسان 2103.
«شهود عيان أخبروني أن ابنتي كانت تستنجد بالجيران لكن أحداً لم يهب لنجدتها... المباحث العامة لم تأخذ بهذه الإفادة»، يشرح والد الضحية لمعد التحقيق، ولكنه لم يشأ ذكر هويته أو تسجيل صوته «نزولا عند طلب المباحث العامة بمنع التحدث لوسائل الإعلام».
ويضيف إن «ابنته (30 عاما)، كانت تعرضت مرارا للضرب المبرح على يد زوجها إثر مطالبتها إياها بتسليم مصاغها»، مؤكداً أن ابنته كانت قد أخبرته سابقا عن تهديدها بالقتل من أسرة الزوج بسبب إحجامها عن تقديم المصاغ.
بعد خمسة عشر يوماً على موتها، طلب والد الضحية من المباحث في مدينة رفح (جنوبي القطاع) ــ مكان وقوع الجريمة ــ بأن يتحققوا من القضية بعدما أغلقت على أنها قتلت نتيجة خلافات عائلية، «لكنني صدمت بقول الضابط المناوب إن الملف أغلق وليس من مصلحتك فتحه نتيجة المشكلات التي سترتب عليه»، ثم كّرر مطالبة المباحث بإعادة فتح القضية والاستماع مجدداً إلى الشهود، وفي كل مرة «كان يغلق الباب في وجهي، وبقيت قضية ابنتي معلقة إلى اليوم».

تدخلات من دون طائ


على ما سبق، تعقب زينب الغنيمي، وهي مدير «مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة» (منظمة غير حكومية تعني بدراسة قضايا المرأة) بأن ثمة «حالات لا تسجل على أنها قضية قتل إنما قضية شرف، وفي قضية تهاني كساب (أول قضية في التحقيق) أكد النائب العام شخصياً وجود شبهة جنائية». وتضيف أن المركز تقدم إلى وزير العدل، ودائرة الرقابة في المجلس التشريعي، والجميع طالبوا بإعادة فتح التحقيق لوجود الشبهة، «لكنني تفاجأت بالتحفظ على الملف عبر النائب العام نفسه»، تكمل الغنيمي.
وتضيف: «يبدو وجود أشخاص ذوي نفوذ، تدخلوا لوقف التحقيق في قضية تهاني... النيابة لا تعطي قضايا قتل النساء أي اهتمام»، متابعة: «حالات عديدة كانت تسجل لدى النيابة انتحارا، لكن من وجهة نظر مراكز حقوق المرأة فيها شبهة جنائية، وشكل الواقعة توحي بشبهة جنائية في حالات رصدتها مراكز حقوق المرأة».
الغنيمي تؤكد أن الأجهزة الأمنية «تتعامل مع المرأة في حال تقدمها بشكوى ضد زوجها أو والدها بصورة سلبية، وتسألها عما فعلت ولا تسأل عما تعرضت له... هذا يعطي حجة للجاني للدفاع عن نفسه».

قضايا القتل في القطاع تسارع النيابة العامة إلى إغلاق البحث فيها


وللملاحظة، فإنه حتى 2014، كان المتهمون بقتل النساء على خلفية الشرف في فلسطين يستفيدون من قانون أردني يعود إلى عام 1960، ويمنح القاتل في هذه الحال «حكماً مخففاً»، ثم أصدر رئيس السلطة محمود عباس مرسوماً بتعديل القانون، كي يوقف ظاهرة قتل المرأة بحجة خلفية الشرف، لكن المرسوم لم يطبق عملياً في غزة، الذي تحكمه حركة «حماس» منذ 2007.
في هذا السياق، تقول الناشطة الحقوقية نهى أبو ظريفة، التي تتابع زيادة ظاهرة قتل النساء والعنف ضد المرأة في غزة، إن «التعديل الرئاسي كان شكلياً ولم يطبق فعلياً، وجاء بعد عدة مناشدات من المؤسسات العاملة في حقوق المرأة». وتضيف أبو ظريفة: «تتسبب العادات والتقاليد السائدة في المجتمع والنظرة تجاه المرأة، في تعطيل عمل الجهات التنفيذية مثل الشرطة والنيابة في التحقيق بقضايا قتل المرأة... حتى شهادة المرأة تتأثر بسبب هذه العادات والتقاليد لدرجة أنه يحظر على صاحبة الشكوى أن تدلي بشهادتها دون وجود أحد من أهلها معها أو حتى عنها في بعض حالات».
ولعل الخلاصة يقدمها الباحث القانوني محمد أبو هاشم، الذي يقول إنه في فلسطين عموما وغزة خصوصاً، أصبح «الادعاء بالقتل على خلفية الشرف مهربا وملجأ للمجرمين، ولكن التعاطف مع مثل هذه الجرائم لدى بعض وكلاء النيابة، أدى إلى زيادة جريمة القتل ضد النساء». ويضيف: «صار كل مجرم قتل امرأة يدعي أمام النيابة أنه قتلها لأنها أخلت بالشرف وأساءت للعائلة».
كذلك يرى الداعية والمحامي عماد حمتو أن «الأجهزة القائمة (في غزة) لا تطبق القانون ولا الشريعة، ولا تزال هيئات تدير أمور الناس أشبه ما يكون بنظام القبيلة»، لذلك فإنه من وجهة نظره «لا يوجد نظام دولة لها قانونها الواضح».
أما أمين السر في نقابة المحامين في غزة، المحامي زياد النجار، فينتقد حصول «تدخلات سريعة من الأهل والمخاتير ورجال الإصلاح لدى التحقيق في بعض القضايا التي تخص الشرف وغيرها... حتى السلطة الحاكمة تتدخل أحيانا لحفظ الملف وتغلقه في وقت قصير». ويرى النجار أن «النيابة العامة تطبّق العادات والتقاليد مع الأعراف القديمة في قضايا قتل المرأة، ونسبة كبيرة منها أعراف قبلية»، مرجحاً أن «تخفي هذه الأساليب الجاني وراء القضية، وتحميه من العقوبة، بل تساعد النيابة والأجهزة الأمنية في إخفاء هذه الجريمة، فتسجل ضد مجهول أو يحفظ الملف».
عموماً، لا تزال قضايا موت نساء ــ في مقدمتها قضيتا كساب والمنكوش ــ معلقة؛ فبعد ثلاثة أعوام على وفاة السيدتين «الغامضة» وبرغم توافر الأدلة بوجود شبهة جنائية، تواصل النيابة العامة في غزة إغلاق الملفين بصمت، لا يقطعه سوى، تنهدات عائلات الضحايا، وأصوات قانونيين لا يسمعهم أحد.

■ للاطلاع على المرفقات انقر هنا






تعديل رئاسي على قانون العقوبات بشأن المرأة أصدر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، 19 أيار 2014، مرسوماً ينص بتعديل المادة 98 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 ليصير: «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بصورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة تجاه المجني عليه، ولا يستفيد فاعل الجريمة من هذا العذر المخفف إذا وقع الفعل على أنثى بدواعي الشرف».
أما في السابق، فكانت المادة تنص على أنه «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بصورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه».