فاجأ متشددون إسلاميون السلطة الانتقالية الليبية التي تدير شؤون البلاد منذ سقوط العاصمة طرابلس وفرار العقيد معمر القذافي بهجوم منظّم على ستة أضرحة تعود إلى مشايخ متصوفة في طرابلس، فيما تقهقرت قوات المجلس الانتقالي من أحياء سرت أمس، نحو كيلومترين، تحت نيران كثيفة، في وقت نفت فيه قوات المعارضة الأنباء عن اعتقال المعتصم نجل العقيد القذافي. من جهته، أعرب رئيس المجلس الوطني الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، عن انزعاجه من التقارير التي تحدثت عن تدنيس مقابر، وطالب مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني بإصدار فتوى تحرّم أعمال كهذه. كذلك دعا أيضاً إلى ضبط النفس، وخصوصاً أن الغرياني كان قد أعلن أنه ضد ممارسات المتصوفة في تقديس الأضرحة وزيارة القبور، لكنه لا يوافق على هدمها.

وقال عبد الجليل في مؤتمر صحافي «أطلب من الذين يدمرون تلك المساجد التوقف عن ذلك، لأنه ليس هذا هو الوقت لفعل ذلك.. ما يفعلونه ليس لصالح الثورة». وقال شهود إن عشرات المسلحين الملتحين في أزياء عسكرية خرّبوا ضريحاً صوفياً في طرابلس هذا الأسبوع، وأحرقوا الرفات. كذلك نبشوا رفات الشيخين عبد الرحمن المصري وسالم أبو سيف، وأخذوه ليدفن في مقبرة.
على جبهة مدينة سرت، حيث يدور قتال عنيف منذ أسابيع، قال المقاتل حميد ناجي من قوات المجلس «اضطررنا إلى الانسحاب نحو المقر العام للشرطة (نحو كيلومترين) وسنستخدم المدفعية الثقيلة لضرب قوات القذافي».
في هذه الأثناء، نفى قيادي رفيع المستوى من قوات المجلس الانتقالي في مدينة سرت اعتقال المعتصم القذافي، خلافاً لما قاله أول من أمس مستشار رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل. وقال القائد الميداني وسام بن أحمد «ليس صحيحاً أن المعتصم اعتُقل»، مضيفاً: «لكن بعض الأسرى الذين قبضنا عليهم يقولون إن (معمر) القذافي موجود في سرت».
وكان عبد الكريم بيزامة مستشار رئيس المجلس الانتقالي قد أعلن لـ«فرانس برس» اعتقال المعتصم القذافي (36 سنة)، وهو طبيب وعسكري كان يقود كتيبة من وحدات النخبة. وقال إن «المعتصم القذافي أُسر في سرت ثم نقل إلى بنغازي»، مؤكداً أنه «لم نعلن هذا الأسر قبل ذلك تفادياً لأي محاولة (من أقربائه) لتحريره». لكنّ مقاتلي المجلس أعلنوا من ناحية ثانية أنهم قبضوا في سرت على مفتي ليبيا منذ عهد نظام القذافي، خالد تنتوش، الذي ساند القذافي طيلة الانتفاضة.
من جهة ثانية، قالت منظمة العفو الدولية إن حكام ليبيا الجدد قد يكررون انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت شائعة خلال حكم الزعيم الليبي السابق، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب.
وقالت منظمة العفو في تقرير بعنوان «الانتهاكات خلال فترة الحجز تلوّث ليبيا الجديدة» إن قوات المجلس الانتقالي التي اقتحمت طرابلس يوم 23 آب احتجزت نحو 2500 شخص في العاصمة وما حولها، غالبيتهم من دون أمر اعتقال، في سيناريو مماثل لعمليات الاختطاف.
وقالت نائبة مدير منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسيبة حاج صحراوي «ندرك أن السلطات الانتقالية تواجه تحديات كثيرة، لكن إذا لم تقطع صلتها بنحو حاسم الآن مع الماضي فستبعث في الواقع رسالة مفادها أن معاملة المحتجزين بهذه الطريقة ستكون مقبولة في ليبيا الجديدة».
ويُحتجز كثيرون في سجون سابقة ومراكز احتجاز مؤقتة مثل المدارس والنوادي الرياضية التي لا تخضع لإشراف وزارة العدل وحقوق الإنسان.
ولاحظت منظمة العفو استهداف الأفارقة من جنوب الصحراء خاصة، وقالت إنهم يمثّلون ثلث المحتجزين، ويُنظر إليهم على أنهم مرتزقة محتملون بعد أن جنّد القذافي مقاتلين أجانب في صفوف قواته.
في المقابل، أبلغ المتحدث باسم المجلس الانتقالي جلال الجلال وكالة رويترز أن قيادة المجلس ستنظر بالقطع في تقارير المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي، أ ب)