ريف اللاذقية | هنا الشيخ محمد، آخر نقاط «الدفاع الوطني»، في أقصى شمال شرق الساحل السوري. الموقع الحصين الذي يعد نقطة متقدمة عن قمة النبي يونس، أعلى وأهم قمم الساحل، يعدّ قلعة دفاعية عن جبهة صلنفة كلها. جولة قصيرة على المتاريس ضمن المنطقة توضح عن قرب النقاط التي تثبّت جبهات الجيش في مواقعها، وتبقي مدينة اللاذقية عصية عن تنفيذ تهديدات المسلحين المتكررة.
يقاتل الرجال في ظروف مناخية صعبة ضمن طبيعة جبلية وعرة، لكنهم برغم ذلك يمنعون وصول المسلحين إلى اللاذقية، كل مرّة، ويعودون لشن عمليات عسكرية مضادة، لا تلبث أن تتعثر، بسبب وعورة المنطقة، وتمركز العناصر المعادين، منذ سنوات، ضمن تدرجات صخريّة محصّنة جيداً.

الطريق إلى جبل الأكراد... عبر تلّتين

في الطريق إلى وجهة الرحلة، لا بد من عبور عدّة قرى، أكبرها: الساميّة ومنجيلا، وبعض القرى الفقيرة، حيث تطالعك صور الشهداء في كلّ ركن منها. بينما عادت الحياة الطبيعيّة إلى بلدة الحفّة، بعدما شهدت معارك عنيفة، في بداية الحرب، لكونها محاطة بالجبال الغنيّة بالمغاور والمخابئ. أبناء الحفّة يمضون إلى أشغالهم على نحو طبيعي، متناسين الخطر القريب، ورافضين استعادة ذكريات الماضي الدامي. بعد تجاوز منطقة الخوارات، كنا أمام خيارين: الطريق الواصل إلى قمة النبي يونس صعوداً، أو الطريق النازل إلى منطقة كرافيش. جميع الطرق الترابية، المطلة على قمّة النبي يونس، متواجهة مع جبال صخرية شديدة الانحدار. يسمّي أحد الضباط السوريين اثنين منها: «تل الشيخ محمد، وكتف المنازل». قمتان تحت سيطرة الجيش و«الدفاع الوطني»، ويشير الضابط إلى قمّة أخرى قائلاً: «هذه تلة المثلجة كما نسميها في الجيش. المسلحون يسمونها الجلطة». ويتابع مؤكداً أنّ «سقوط تلّتي كتف الغنمة وكتف الغدر، بيد الجيش، سيفتح الطريق تدريجياً إلى بقية مناطق جبل الأكراد، وهو ما يجعل المسلّحين، بعد كل محاولة من الجيش للتقدم ضمنهما، يستشرسون في سبيل استعادة التلّتين».
طرق الإمداد تبدو شديدة الصعوبة، فجميعها فتحها سريعاً الجيش، دون امتلاك الوقت لتعبيدها. بينما تحوّلت القمم المحيطة إلى مراكز عسكرية لمواجهة خطر المسلّحين، مع صعوبة التمركز على هذه القمم المتناثرة خلال يوم واحد من السيطرة عليها.

حرب التلال المتواجهة... والتحصينات

من إحدى النقاط المتقدمة، ضمن منطقة الشيخ محمد، يتواجه قناصو «الدفاع الوطني» مع مرصد المسلحين الأهم: كتف الرشوان. من هنا تمكن رؤية المسلحين بالعين المجردة، ما يجعل خسائرهم اليومية تزيد على 5 قتلى. «أكبر قوة نارية للمسلحين تمتد من نهاية قمة كتف الغنمة إلى كتف الغدر. ما من طريق إمداد حقيقي يمكّننا من الاستمرار في التقدم، ما أدى إلى تراجعنا عن القمتين مرات عدة»، يقول أحد القادة الميدانيين، في معرض ما يرويه مقاتلو «الدفاع الوطني» عن ذكرياتهم مع محاولات التقدم السابقة باتجاه القمّتين الاستراتيجيتين.

سقوط تلّتي كتف الغنمة وكتف الغدر يفتح الطريق إلى بقية مناطق جبل الأكراد

ويتابع شارحاً مدى قرب المنطقة من سهل الغاب، ما يجعل المقاتلين بانتظار دعم يأتيهم من القوات المتمركزة ضمن الجبال الساحليّة. «سقوط تلة كتف الغدر يعني سقوط بلدة سلمى بالكامل» يقول القائد الميداني، مشيراً إلى قرى المغيرية وترتياح وكتف السفح، شمال شرقي بلدة سلمى، التي يجب عبورها للوصول إلى البلدة المتمرّدة.
150 متراً فقط هي المسافة التي تفصل المسلّحين، في هذه النقطة، عن مقاتليّ «الدفاع الوطني»، الذين يتحمّلون أعباء الحرب لقاء بدل ماديّ لا يتجاوز 25 ألف ليرة سوريّة (86 دولارا تقريباً). أما الوصول إلى آخر النقاط، الواقعة تحت سيطرة الجيش، فيتطلب الركض أمام أعين القناص. يقتسم المقاتلون المهمات الموكلة إليهم، من حراسة وقتال وحفر للخنادق وإقامة المتاريس، لتحصين المواقع التي تمركز فيها الجيش منذ نحو 8 أشهر. «نعمل يدويّا، لا آليات تصل إلى هنا» يقول أحد المقاتلين، وهو منهمك بالحفر، ثمّ يضيف هازئاً: «هلق رحمة. بدك تشوفي بالشتا، وقت يكون التلج مترين، ونبدل المناوبات مَشي بين هالجبال».
يشرح أحد القادة الميدانيين، في «الدفاع الوطني»، الأثر الذي تركه سقوط جسر الشغور على الوضع في المنطقة: «سقوط المدينة القريبة أعطى المسلحين معنويات إضافية، وإمدادهم أصبح وافراً. كانوا يهاجموننا أسبوعياً، إنما أصبحنا نصد هجماتهم مرتين يومياً. الوضع أضحى أكثر صعوبة هُنا». وفي الوقت الذي تقتصر فيه محاولات المسلحين على هجمات بهدف القتل، واغتنام الآليات، ثمّ التراجع نحو تحصيناتهم، فقد بات العسكريون على دراية بأن المسلحين يسعون للوصول إلى أيّ معلومات عن التحصينات الأخيرة التي بناها عناصر «الدفاع الوطني»، ويفاخرون بقوّة هذه التحصينات، الصّامدة تحت وقع القذائف، وجرار الغاز التي تضربها يومياً.