تونس | في آذار 2015، أعلن تنظيم «داعش» عن وجوده الميداني في تونس عبر عملية متحف باردو التي نفذتها «طلائع جند الخلافة»، منهياً بذلك ما يمكن وصفه بـ"احتكار تنظيم القاعدة للجهاد المسلح» في تونس، ومحاولاً إلحاق ميادين جديدة بركب المناطق «المتصارع عليها».هذا الوجود في تونس أكده «داعش»، أيضاً، عبر عملية سوسة الأخيرة التي قُتل فيها 38 سائحاً، حين أعلن في تغريدة على شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» أن منفذ الهجوم هو أحد أتباعه و"جنده". وهو سيف الدين القيزاني المكنى بـ"أبو يحيى القيرواني"، الذي تلقى تدريبات في معسكرات تابعة للتنظيم في ليبيا، بحسب ما أعلنت السلطات التونسية الرسمية.

هاتان العمليتان اللتان نفذهما منتسبون لـ"جماعة جند الخلافة" و"طلائع جند الخلافة" المبايعتان لـ"داعش" وضعتا تنظيم «القاعدة» ممثلاً بـ"كتيبة عقبة بن نافع" في موضع العاجز، وخاصة أن الكتيبة تتلقى منذ مدة ضربات متتالية تؤدي إلى سقوط قادة منها ــ آخرهما لقمان أبو صخر ومراد الغرسلي. إضافة إلى ذلك، فإنّ «نجاح» العمليتين قد يعزز من واقع تحوّل «داعش» إلى وجهة الشباب المتشدد في تونس، ساحباً البساط، تدريجاً، من تحت تنظيم «القاعدة».

سحب البساط

صحيح أنّ ما يُحكى عن تبدّلات في المشهد الجهادي لا يعدّل في واقع أنّ «العدو» يبقى واحداً، لكن في الحقيقة فإنّ بداية سحب البساط من تحت أقدام تنظيم «القاعدة» تمثّلت في دعوة بعض قادة تنظيم «أنصار الشريعة» التونسيين إلى الالتحاق بـ"داعش". وكان أبو بكر الحكيم، المتهم الرئيسي في قضية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، أول المنسلخين عن «أنصار الشريعة» والمتراجعين عن ولائه لـ"القاعدة"، ودعا علناً في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 المنتمين إلى التيار السلفي الجهادي والمنتسبين لتنظيم «أنصار الشريعة» إلى مبايعة «داعش». وقال آنذاك إنه يخشى أن تكون التيارات السلفية الجهادية التونسية «آخر من يبايع الدولة الإسلامية».
وبين الدعوة للانضمام إلى «داعش» وعملية متحف باردو، كان التنظيم يزرع نواة له في تونس عبر تدريب الشباب المنجذب إليه ولعملياته الاستعراضية في ليبيا، ليصبح اليوم موجوداً بشكل فعلي في تونس، مشدداً الخناق أكثر على «القاعدة» في معقلها التاريخي ــ بلاد المغرب العربي.

اختراق المشهد الجهادي

وفي حديث إلى «الأخبار»، يرى الخبير في الحركات الجهادية، هادي يحمد، أن من المهم ملاحظة أن «داعش» لم يعلن حتى الآن عن وجود الفرع التونسي له، لكن كل الدلائل أصبحت تشير إلى أن مجندين مبايعين «للدولة» أصبحوا يتحركون في تونس. ويقول يحمد إنّ «عمليتي سوسة وباردو تحملان بصمات (التنظيم)... ومن قاموا بهما لم يثبت عنهم انتماءً سابقاً لتنظيم أنصار الشريعة الذي كان ممثلاً للقاعدة في تونس، قبل أن يقع حله في تشرين الأول/ أكتوبر 2013»، مضيفاً «إذاً هناك إقرار من قبل المصالح المختصة في وزارة الداخلية التونسية بأن تنظيم الدولة اخترق فعلاً المشهد الجهادي التونسي وافتكّ زمام المبادرة». وخلال الحديث، يلفت يحمد إلى أن «من المهم أخيراً القول إن رموزاً عديدة من قيادات أنصار الشريعة أعلنوا مبايعتهم للدولة (داعش) عبر أشرطة فيديو، مثل كمال زروق الذي يعد أحد رموز الجهادية التونسية في العاصمة، وأبو بكر الحكيم أحد قادة الجهاز العسكري».
ويذهب الخبير في الحركات الجهادية إلى القول إن العلاقة بين «داعش» و"القاعدة" في تونس يسودها «التوتر الخفي» بشأن الأحقية في رفع «راية الجهاد». ويعتبر أنّ «هذا التوتر ذو بعد إيديولوجي، نشهد له مثيلاً في ليبيا بين الطرفين حول وجهة النظر الشرعية في مبايعة أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين، فيما الموالون والمبايعون لأيمن الظواهري لا يَرَوْن ذلك».
هؤلاء المتشبثون بمبايعة للظواهري لم يبق لهم تمثيل في تونس سوى في «كتيبة عقبة بن نافع» التي تبدو منهكة بسبب الحصار، وخصوصاً أن طريقة عملها الجماعي تعتبر كلاسيكية وغير مجدية مقارنة بالأساليب «الانغماسية» التي اعتمدها «داعش» في عمليتي سوسة وباردو. هذه الطريقة الاستعراضية تمثل سلاح «داعش» الذي شهره في وجه «القاعدة» وفي وجه «احتكاره للجهاد» في تونس. وهو مشهد من شأنه تحويل وجهة الشباب المتشدد في تونس من الانضمام إلى تنظيم «القاعدة» باتجاه الخضوع لـ"إغراء نجاحات" تنظيم «داعش»، فيواصل الأخير بذلك سحب البساط تدريجاً من تحت أقدام أيمن الظواهري في المغرب العربي ــ معقل «القاعدة» التاريخي.