أثارت التسجيلات الصوتية التي نشرتها القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، على لسان رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، انتقادات سياسية وإعلامية في الساحة الإسرائيلية، فمنهم من اتهمه بكشف أسرار دولة، وآخر رأى أنها محرفة وغير دقيقة.يأتي ذلك بعدما أكد باراك أن إسرائيل شارفت على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ثلاث مرات خلال الأعوام السابقة، لكنها عادت وتراجعت نتيجة تقدير الجيش وتوصياته، وأيضاً ما يتعلق بالولايات المتحدة، ولا سيما بعد معارضة عدد من وزراء المجلس الوزاري المصغر، في مقدمتهم الوزيران موشيه يعلون ويوفال شطاينتس.

وواصلت القناة نفسها تسريب مواقف باراك، في سياق ما أدلى به إعداداً لكتابه «باراك، حروب حياتي». وجديد التسريبات وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه «جبان وضعيف، لا يقوم بخطوات جريئة إلا إذا كان مرغماً على ذلك». وأضاف باراك أن نتنياهو «يكتنفه نوع من التشاؤم العميق. وبالموازنة بين القلق والأمل، يفضل دائماً أن يكون أكثر قلقاً». كذلك لفت وزير الامن الأسبق إلى أن نتنياهو «لا يملك الشجاعة التي تمكّنه من المضي حتى النهاية».
في المقابل، ردّ مكتب نتنياهو على التسجيلات بالقول: «حان الوقت لإيقاف التسريبات غير المسؤولة التي تضر بأمن إسرائيل». وأعرب وزير الداخلية، سيلفان شالوم، عن استغرابه من السماح بنشر تصريحات باراك حول قضية إمكانية مهاجمة إيران. وأضاف شالوم أن هذه المسألة من شأنها أن تجعل كبار المسؤولين يخشون الإفصاح عن مواقفهم حتى في الجلسات المغلقة.
أما وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان، فعبّر عن تفاجئه من باراك، لافتاً إلى أن تصريحات كهذه تصبّ في نهاية المطاف في خدمة تقوية إيران. ورأى ليبرمان أن ما تم نشره يدل على أن باراك «ثرثار، وشخص غير جدي، وشخصية غير موثوق بها». كذلك اتهم ليرمان، باراك، بأنه كشف أسرار دولة.
في موازاة ذلك، رأى شطاينتس أن من الخطير للغاية بث تسجيلات كهذه، رافضاً التعليق على التفاصيل. كذلك كان يعلون قد رفض التعليق على ما وصفه بالمواد «المنحازة والمحرفة».
في السياق، أكد رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تساحي هنغبي، أنه سيستدعي الرقيب العسكري لشرح أسباب حصول القناة الثانية على تصريح لبثّ تسجيلات فصَّل فيها وزير الأمن (باراك) كيفية اقتراب إسرائيل من توجيه ضربات إلى منشآت نووية إيرانية. وأضاف هنغبي: «سأقوم باستدعاء مسؤولين من الرقابة العسكرية للتحدث معنا».
على ضوء ذلك، نقلت القناة الثانية أن الغضب يسود صفوف القيادة الإسرائيلية، وأن عدداً من الشخصيات السياسية والأمنية الرفيعة المستوى أشارت، في جلسات مغلقة، إلى أن نسخة باراك في سرد الأحداث لم تكن دقيقة. لكن القناة رأت أن دوافع سياسية حزبية قد تكون وراء تصريحات باراك، خاصة في ما يتعلق برئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي، بعدما تداول بعضهم أن الأخير يدرس دخول الحياة السياسية، وقد يكون باراك يحاول إحباط هذه المحاولة. ويأتي ذلك بعدما تحول الرجلان إلى خصمين مريرين، إضافة إلى أن علاقة باراك مع وزير الأمن الحالي، يعلون، شهدت توترات شديدة.
في الإطار نفسه، نقل موقع «واللا» عن مصادر أمنية إسرائيلية انتقادها لباراك «الذي قدم الجيش والوزراء كمن عارضوا خيار مهاجمة إيران، وأضرّ بقدرة الردع الإسرائيلية». ولفت الموقع إلى أن كلام باراك لقي أصداءً خارج إسرائيل أيضاً، وخاصة في الولايات المتحدة، حيث يعتبر شخصية مطلوبة للمقابلات، وآراؤه تلقى آذاناً صاغية.
وكان باراك قد رأى في الماضي أن نافذة فرصة مهاجمة إيران تقلصت دراماتيكياً بعد سنوات 2010 ــ 2012. ولفت موقع واللا إلى أن كلام باراك يطرح الأسئلة الآتية: ماذا كان دور وزير الأمن في بلورة السياسات وإعداد الجيش؟ وإذا كان صحيحاً أنه لم تكن هناك أغلبية في المؤسستين السياسية والأمنية لمهاجمة إيران، فلماذا كان ينبغي لإسرائيل الاستمرار في استثمار المليارات كل سنة في الخيار العسكري؟ ألم يكن من الأجدى رصد الأموال لمجالات أخرى؟ وهل إسرائيل بالفعل قادرة على شنّ هجوم ناجع ضد البرنامج النووي الإيراني؟
أيضاً، علّق مصدر أمني رفيع على الموقف قائلاً: «من يدّعي أنه بين 2010 ــ 2012 لم يكن الجيش في ذروة نضوجه لتنفيذ هجوم هو مخطئ ومضلل، وكل سنة تمر الجيش يتحسن، ولا أحد يجمد حيث هو... المستوى المهني يرتفع». ولفت المصدر الأمني إلى أن الخيار العسكري لا يشمل فقط الهجوم، بل الدفاع أيضاً، وإذا ما تطلب الأمر مهاجمة إيران، فـ«المطلوب أيضاً الدفاع، لأنه حينئذ ستجري مهاجمة إسرائيل بالصواريخ». وشدد على أنه «لا يمكن المقارنة بين منظومات الدفاع للجيش الإسرائيلي خلال الأعوام 2010 ــ 2012، وبين السنة الحالية».