الاعتداء على الإعلاميين والمصوّرين بات مع الوقت معتاداً على أسماع اللبنانيين. عند كل مفصل حدثي، يصبح الإعلام لقمة سائغة بيد القوى الأمنية التي تمارس سطوتها مستخدمة القوة والبطش والهدف طبعاً: التعمية والتضليل ومنع وصول الصورة كما هي. في اليومين الماضيين، شهد وسط بيروت تظاهرتين دعت إليهما حملة «طلعت ريحتكم» للاحتجاج على التعاطي مع ملف النفايات، مطالبةً بإسقاط الحكومة والبرلمان تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية مبكرة تمثل كافة الشرائح اللبنانية.
هذه التظاهرات السلمية سرعان ما تحولت الى ساحة حرب مارست فيها القوى الأمنية شتى أنواع القمع والبطش من رصاص مطاطي وقنابل مسيلة للدموع وصولاً الى استخدام الرصاص الحيّ الذي أوقع العديد من الجرحى. حالات الهستيريا العنفية هذه، وصلت الى الجسم الإعلامي الذي نال نصيبه من الاعتداء المباشر عليه من إعلاميين ومصورين، بعضهم كان يدلي برسائل مباشرة على الهواء، وفضح هذه الممارسات بالصوت والصورة. ورغم هذا الفضح، تبقى زاوية معتماً عليها، وهي الاعتداء على المصورين الذين يعملون لحساب وكالات أجنبية أو محلية أو لصالح صحف ورقية لبنانية. تعرض تعرّض هؤلاء في هذين اليومين الى الإعتداء السافر من قبل القوى الأمنية المتمثلة بقوى مكافحة الشغب والأمن الداخلي. تحولوا الى كبش محرقة بكل ما للكلمة من معنى، استفردت بهم القوى الأمنية وصادرت كاميراتهم وحاولت تحطيمها وسلبها. جولة سريعة على أسماء هؤلاء وما حصل معهم قد تكفي لنقل معاناتهم ويأسهم أيضاً بما أنهم متروكون لمصيرهم، ولا جهة تحميهم. المصور حسن شعبان الذي يعمل لصالح صحيفة «ديلي ستار» ووكالة «رويترز» يروي لـ «الأخبار» حادثة الاعتداء عليه نهاري السبت والأحد لدى تغطيته الحراك الشعبي في ساحتيّ رياض الصلح والشهداء. يتحدث كيف اعتدت عليه القوى الأمنية ببطش ورمته بقنبلة الغاز المسيل للدموع التي أصابته في ظهره بشكل مباشر رغم التعريف عن نفسه بأنه مصورّ صحافي. يقول شعبان إنّها المرة الأولى التي لا يتعرض فيها المتظاهرون للإعلام كما جرت العادة ليأتي الاعتداء هذه المرة من الجهة الأمنية السلطوية. ببطش أيضاً وبهمجية عالية، اعتدى هؤلاء على الزميل مروان طحطح الذي كان يغطي نهار الأحد الحراك في ساحة رياض الصلح، واستفردت به قوى مكافحة الشغب وتجمع حوله ما يفوق الـ 20 عنصراً وبدأوا بضربه وشد شعره، محاولين مصادرة كاميرته وتحطيمها. في لحظة الإنقضاض على زميلنا المصوّر، كان صوت ضابط الشرطة يحاول إيقاف هذا الإعتداء الهمجي. مع ذلك، لم يمتثلوا لأوامره إلا حين علا صوته وصوت زملائه المصورين الآخرين فابتعد الجميع. في هذه الحادثة، أسعف المصور الشاب وجود زملاء له استطاعوا أن يضعوا حداً لهذا الإعتداء. لكن حالة أخرى للمصور حسين الملا الذي يعمل لصالح وكالة «اسوشيتيد برس» (AP) تظهر المعاملة الوحشية التي مارستها عليه القوى الأمنية. الملا نشر صوراً على حسابه الفايسبوكي يظهر كدمات على ظهره جراء تعرضه لضربة عصا. الصور أيضاً تظهر تحطيم حاسوبه الخاص بالكامل الذي كان يحمله على ظهره. بعد ضربه، بقي الملا طريح الأرض على قارعة الطريق بين جامع محمد الأمين ومنطقة الصيفي لغاية وصول زميل له ليسعفه بسيارة الصليب الأحمر. هذه الحالة المأسوية لرجل كل «خطيئته» ممارسة عمله الصحافي انسحبت على زميل له أيضاً. إنه المصور محمد حنون من فضائية «سكاي نيوز عربية» الذي تعرض للضرب أمام مكاتب صحيفته «نهار» الثلاثاء الماضي مع أول تحرك لحملة «طلعت ريحتكم» عندما كان يصوّر قوى الأمن وهي تستخدم خراطيم المياه. الاعتداء أصاب عين حنون إصابة بالغة. يعبّر حنون لـ «الأخبار» عن عجزه وعجز أبناء مهنته عن حماية أنفسهم وممارسة عملهم بشكل طبيعي وآمن. حنون كان ينتظر كما قال لنا أن يسأل الصحافيون الموجودون مع وزير الداخلية نهاد المشنوق عما يتعرضون له من اعتداء، لكنّ أحداً لم يفعل ذلك رغم تطبيلهم على الشاشات بأنهم ضحايا لهذه الأعمال العنفية. فما كان منه الا أن توجه الى المشنوق لدى مغادرته السراي وسأله عن رأيه بالاعتداءات الحاصلة بحقهم، فأجابه الوزير: «إذا اعتدوا على الإعلام كأنهم يعتدون عليّ شخصياً» عندها أظهر له الإصابة في عينه، فما كان من المشنوق الا أن غادر من دون تعليق.
كل ما حصل في اليومين الماضيين وما سيحصل مستقبلاً بحق الجسم الإعلامي تلزمه وقفة حقيقية، فلا تكفي بيانات الإستنكار. الوقفة يجب أن تتضمن مساراً قانونياً وحمائياً يؤمن الأرضية الآمنة لهذا الجسم كي يصل الى المعلومة ويكون في مأمن عن بطش القوى الأمنية، والأهم محاسبة المعتدين ولجمهم عن الاستفراد بالناس وبالصحافيين أيضاً.